السبت 2023/12/30

آخر تحديث: 09:22 (بيروت)

تشكيل 2023:إنهيار، مقاومة، فريد طراد، جانين ربيز، هوغيت كالان

السبت 2023/12/30
increase حجم الخط decrease
كما في نهاية كل عام، وحين تسمح لنا الظروف، نحاول أن نلقي نظرة على المجريات الفنية التي حصلت خلال العام الذي يشارف على نهايته. المهمة قد تكون سهلة، إذا ما تم التعامل معها من طريق السرد، الذي لا بد منه، لكنها تصبح أكثر صعوبة، إذا ما شئنا النظر إلى الأمر من زاوية نقدية بحت، فالنقد في هذه الحالة سيكون مسطّحاً ومبتورا، إلاّ إذا ما شئنا معالجة كل نشاط بمفرده، وهو ما حاولنا القيام به خلال العام، بينما لا يسمح به ضيق المجال في الحالة الحاضرة.

 

 تطرّقنا خلال العام 2023 إلى العديد من العروض التي جرت على الساحة الفنية، التي كانت من حيث الكم والنوع أفضل قليلاً مما رأيناه، أو حتى لم نره، خلال السنوات الثلاث الماضية التي تتالت فيها المصائب الموزّعة بين تأثيرات الكورونا والأزمة القتصادية، بل الإنهيار الذي طاول فئات لبنانية واسعة. هذه الأمور دفعت بالفن التشكيلي إلى آخر درجات سلم الإهتمام، نظراً لإنشغال الخليقة بتأمين قوتهم، وقد يُستثنى من هذا الوضع العاملون في مجال التشكيل أنفسهم وبعض من داعميهم، ولو على المستوى المعنوي، كي لا نقول على المستوى المادي، فهؤلاء الداعمون ليسوا جميعاً ممن يمتلكون قدرات مادية تسمح لهم بإقتناء الأعمال الفنية.

(مقتنيات فريد طراد)
هذه السوق ازدهرت، كما يبدو، في بلدان الخليج، التي صارت تشهد نشاطات فنية لافتة. الأسباب معروفة ولا ضرورة لذكرها. أمّا في بلدنا فلا ندري تماماً إذا ما كانت عمليات بيع الأعمال الفنية تسير على ما يرام. في الأحوال كلها، سنحاول استعراض بعض المحطات البارزة التي سُجلت لدى بعض الغاليريهات، ونبدأ من آخر ما قام به صالح بركات، في الغاليري التي تحمل اسمه، من خلال معرضاً يضم مجموعة مختارة من الأعمال الفنية المرتبطة بفلسطين، في تماس منطقي مع طبيعة الظرف الحالي، مسلّطاً الضوء على مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المأخوذة من مجموعته الخاصة. وكما هو معروف، يحمل بعض الناس السلاح، في حين يستخدم الفنانون وسائل مختلفة للمقاومة، باللجوء إلى قوة الصور واللون والخط، لتسليط الضوء وتعميق الفهم. وكان سبق لبركات أن أقام، خلال العام، معرضاً ينتمي إلى الفن المفاهيمي للفنان اللبناني سعيد بعلبكي، تحت عنوان "صخر أسود"، أما المعرض التذكاري لمقتنيات المهندس فريد طراد، فقد استطاع الكشف عن ملامح ساطعة من نهوض الحداثة في بيروت، من خلال مجموعة من اللوحات والمنحوتات لبعض مشاهير الفن في لبنان، التي كُشف عنها  النقاب للمرة الأولى.

وعرض نتاج الفنان طارق القاصوف، الذي أراد أن يشارك الجمهور رؤيته وأسئلته الوجودية، من خلال صياغات هندسية ومنحوتات تعكس الشعور بالفقد، والضجيج القائم داخل مخيلته. وقد يصب في المنحى نفسه معرض شوقي يوسف، الذي يوجّه، من خلال لوحاته الورقية، أسئلته الخاصة وأسئلة المحيط الشائكة. ومن المعارض ذات الوقع الخاص والطبيعة التشكيلية المبتكرة، تنبغي الإشارة كذلك إلى معرض كاتيا طرابلسي "راجعة ياماما"، الذي يتضمن تلك العبارات التي نصادفها على مؤخرات الشاحنات ومقدماتها.

(آية أبو هواش)
واحتلت النشاطات التي أُقيمت" غاليري جانين ربيز"، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيسها، حيّزاً بارزاً هذا العام، وذلك بعدما حملت الابنة نادين بكداش الشعلة التي كانت أضاءتها والدتها من قبلها. وأقيم في هذه المناسبة معرض استذكاري بعنوان "ثلاثون عاماً من اللون"، وضمّ مجموعة كبيرة من الأعمال للفنانين المتعاونين مع الغاليري، سواءً في العروض العابرة أو الدائمة، من مختلف الأجيال والمدارس الفنية والاتجاهات القائمة في الفنون البصرية. كذلك، أقيم معرض تحت عنوان "لقاءات 2023"، لمجموعة من الفنانين الشباب، الذين عملوا على إعادة قراءة أعمال فنانين من جيل الستينيات، ممن ترك نتاجهم بصمة مميزة في تاريخ الفن التشكيلي اللبناني الحديث والمعاصر، مع سعي هؤلاء الشباب لتقديم تجارب وأساليب جديدة من شأنها تبيان المحاولات التي يقوم بها جيلهم في سبيل تسجيل إضافات للفن اللبناني، بعدما تغيّرت الظروف والأجواء منذ منتصف القرن الماضي. ولا بد من ذكر المعرض المسمّى "هوغيت ونادين، قصة صداقة"، وهنا يتحدث العنوان عن المعرض الذي هو نوع من رحلة عبر أعمال هوغيت كالان، التي ترصد، على مدى 25 عاماً، التواطؤ القوي واللحظات الجميلة المشتركة بين نادين مجدلاني بكداش، صاحبة الصالة، والفنانة هوغيت كالان. ويمكن الإشارة، أيضاً، إلى معارض ذات بصمة مميزة مرت خلال العام كمعرض روزماري شمعون وغادة الزغبي وجميل ملاعب، ولكل من المذكورين أسلوبه الخطوطي أو اللوني الخاص، الذي تكرّس عبر الزمن.

(منصور الهبر)
"غاليري آرت أون 56"، التي عانت صالاتها من انفجار 4 آب المشؤوم، أزالت الركام ونفضت غبار الكارثة، وقدمت معرض ديالا خضري "بوابات"، حول الأغطية المعدنية التي تغطي مجاري المياه، يعالج فكرة مبتكرة من دون شك، إذ اعتبرت هذه الفتحات كبوابات رمزية للتواصل، مع التركيز على الترابط بين التجارب البشرية والروايات الخفية الكامنة تحت المناظر الطبيعية الحضرية، وذلك من خلال الأنماط والرموز المعقدة، ليعرض المشروع رغبتنا الفطرية في التفاعل وتبادل الأفكار عبر الزمن والمسافة. أما معرض مارون الحكيم فقد أثبت أنه ليس رسامًا ونحاتًا فقط، بل هو كلاهما مجتمعين. وقد برزت في معرضه علاقته بالطبيعة، وبقريته مزرعة يشوع، واللون، والحجر أو الخشب، وكلها عوامل حيوية في أعماله. هذه الملاحظة تنطبق، أيضاً، على أعمال عيسى حلّوّم البقاعية التي عرضتها الغاليري، والتي عالجت في أحيان كثيرة المشهد الطبيعي والحضري. نتاج منصور الهبر كان له مكانة بدوره، وقد ركزت أعماله المعروضة تحت عنوان "Beau Négatif"، على تصوير فريد للمكان، وتميزت بأشكال ملونة، ممزقة، متناثرة أو مكدسة بشكل متناغم ، يسودها التوتر بين الحدود الواضحة وغير الواضحة. إلى ذلك لن ننسى معرض إدغار يازجي، الذي أقيم في الغاليري نفسها، وتفرّد بتلك النزعة الرمادية لونياً، والتآليف الحادة التي بانت في بناء اللوحة.

كما شاهدنا خلال العام أعمال فاطمة الحاج في معرضها المعنون "نزهة في الطبيعة"، في "غاليري مارك هاشم". تتابع الحاج تلك المسيرة التي بدأتها منذ زمن ليس بقصير، وكما عوّدتنا الفنانة، فأن اللون يلعب دوراً أساسياً في ما تفعله، بعدما تخلّت طوعاً عن بعض مبادىء الرسم التأسيسي، كالمدى المنظوري المحدّد والقياس. هذه العلاقة الخاصة مع اللون رأيناها كذلك لدى جهاد أبو سليمان، الذي عُرضت مجموعته التي سماها "نزهة الربيع" في غاليري Art Scene ، وقد تميّزت أعمال الفنان بشفافيتها، وظهرت من خلالها قدرة صاحبها على التحكّم باللون النقي المشبع بالحيوية والحياة.

أما ما عرضته "غاليري LT" فكان يعكس غالباً هواجس شبابية، مع ما يعنيه من تشجيع الفنانين الناشئين، ومساعدتهم في عرض أعمالهم، وذلك من خلال تعاط معاصر مع العمل الفني، ومن بين ما رأيناه مؤخراً لدى الغاليري معرضاً للفنان جان مارك نحاس، تحت عنوان "صمود". وفي مكان لا يبتعد سوى أمتار قليلة عن الصالة المذكورة، حققت "غاليري Chaos " نشاطاً واضحاً، وخصوصاً من حيث تنظيمها معارض جماعية عديدة، مما سمح للعديد من الرسامين عرض أعمالهم في صالة واحدة، في زمن صارت مسألة العرض تعترضها صعوبات وعقبات نظراً للأوضاع المتردية. وبما أن الحديث يدور على معارض مشتركة، فلا بد من الإشارة إلى النشاط المميز الذي نظّمته بلدية بكفيا والمحيدثة، وبالتعاون مع "بيت المستقبل"، إذ أقيم في سراي بكفيا معرض جماعي غطّى، نسبياً، مئة عام من نتاج الفن التشكيلي اللبناني، وتضمّن أعمالاً لفنانين معروفين تُعرض للمرة الأولى، وقد اكتسب هذا المعرض أهمية لكون المشاركين فيه، الأحياء منهم والذين انتقلوا إلى العالم الآخر، هم إمّا من بكفيا، أو عاشوا لفترات معينة في أنحائها.

(أسادور)
لم نستطع في هذه "الجردة" الإحاطة بكل ما شهده عام 2023 من نشاط فني، ولكن، ومن خلال ما تم ذكره، يمكن القول أن العام كان مثمراً لناحية العدد غير القليل من العروض، والتي شاهدنا من خلالها العديد من الإتجاهات الفنية، والأعمال المنبثقة منها ذات المستوى الجيّد. وثمة معارض جماعية كثيرة جرى تنظيمها خلال هذه السنة المنتهية في أمكنة عامة. وإذا يكون من المفترض تشجيع هذه المشاريع لمصلحة الفن، فإن هذه المصلحة تستدعي إعادة النظر في مستوى بعض هذه العروض، التي اختلط فيها حابل بعض الإحتراف بنابل الكثير من عدمه، وهو أمر نتمنى أن يتم تلافيه مستقبلاً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها