الأحد 2023/08/20

آخر تحديث: 08:55 (بيروت)

100 عام من الفن التشكيلي اللبناني في بكفيا

الأحد 2023/08/20
increase حجم الخط decrease

بدعوة من بلدية بكفيا والمحيدثة، وبالتعاون مع "بيت المستقبل" يقام في سراي بكفيا معرض جماعي يغطي، بقدر الإمكان، مئة عام من نتاج الفن التشكيلي اللبناني، ويتضمّن أعمالاً لفنانين معروفين تُعرض للمرة الأولى. تكمن أهمية هذا المعرض في كون المشاركين فيه، الأحياء منهم والذين انتقلوا إلى العالم الآخر، هم إمّا من بكفيا، أو عاشوا لفترات معينة في أنحائها. يشارك في المعرض 36 فناناً، نصفهم من الرجال والنصف الآخر من النساء بالتساوي والكمال، أمّا القاعة التي يُقام فيه المعرض فهي مكان ذو طابع تراثي، يقع ضمن سراي يعود تاريخ بنائه إلى 175 عاماً مضت.



(خلال الافتتاح)
تجدر الإشارة إلى أن عدد الأعمال المعروضة يبلغ 72 عملاً من أحجام متوسطة وصغيرة، وهو عدد لا يُستهان به، ومن شأنه أن يكوّن لدى المشاهد فكرة وافية عن حقبة فنية طويلة، شهدت تنوّعاً في الأساليب والتقنيّات. هذا التنوّع ينسحب، أيضاً، على دور المدارس والتيارات الفنية ذات الأثر على نهج الفنانين المشاركين، وخصوصاً خلال الفترة الزمنية المعنية التي خطت فيها الحداثة خطوات مهمّة من ضمن مسيرة الفن التشكيلي اللبناني. ثمة أعمال معروضة لفنانين مؤسسين أمثال قيصر الجميّل، مصطفى فرّوخ، جورج سير، بول غيراغوسيان وشفيق عبود، الذين غادروا دنيانا، إضافة إلى أعمال آخرين ممن خطّوا لأنفسهم درباً واضحاً في عالم التشكيل مثل هرير، أسادور، ليليان أبو شعر، أوديل مظلوم، يوسف عون، ندى عقل وجوزف فالوغي.

(بول غيراغوسيان)

ثمّة جهد بذله فالوغي مع مجموعة من الفنانين الآخرين، أكان من أجل تنظيم هذا المعرض، أو معارض أخرى جماعية أخرى، كانت أقيمت سابقاً، وجمعت نتاجاً لفنانين لبنانيين من مختلف الإتجاهات، شأنها شأن ما يضمه المعرض الحالي من نتاج فني، تمت الإستعانة بمجموعات خاصة من أجل إغناء مضمونه.

هي فرصة أخرى، إذاً، من أجل التعرّف إلى أعمال قد لا يُتاح للمشاهد معاينتها في شكل مباشر. إذ يعلم المهتمون بأمور الفن إن الفرق شاسع بين رؤية العمل الفنّي في صورة فوتوغرافية، ومشاهدته بأم العين، فضلاً عن أن وجود هذه الأعمال في مكان واحد من شأنه أن يدفع إلى نوع من المقارنة المفيدة. هذا، علماً أن هذه المقارنة لن يكون هدفها الرئيس إعلاء شأن عمل على آخر، وهي نزعة لا بدّ منها جزئياً، بقدر ما تسمح برصد التحوّل الذي أصاب التشكيل اللبناني على مر السنوات. فالعمل الأقدم من الأعمال المعروضة يعود إلى العام 1921، أي إلى قرن من الزمن ونيف، وهو من أعمال قيصر الجميل تحديداً، الذي تتلمذ على يد الفنان خليل الصليبي واعتبر من روّاد الحداثة، ومن أبناء الجيل الثاني من الرسامين اللبنانيين الحداثيين. وكان الجميل (1898- 1958)، الذي نرى له في المعرض لوحة طبيعة صامتة إلى جانب بورتريه، قد انتقل من نمط البورتريهات الشخصية الأكاديمية، التي كانت تُنفذ تلبية لطلبات الزبائن، وهو الأمر الذي كان رائجاً حينذاك، إلى رسم المناظر الطبيعية والعراة والطبيعة الصامتة. اتّسمت أعمال الجميّل بالتجريب، وخصوصاً في مسألة العلاقة مع الضوء، والتعامل مع اللون، وذلك بطلاقة أسلوبية تذكّر بالتقاليد الإنطباعية الأوروبية.

(جورج سير)
أمّا جورج سير (1880- 1964)، الذي يعرض له أيضاً بورتريه أنثوي ومشهد طبيعي، فكان أتى إلى بيروت من فرنسا العام 1934، واستقر فيها حتى وفاته. قام سير بابتكار أسلوب ذي طابع محلّي، وتتلمذ عليه عدد من الرسامين الشباب، كما ربطته علاقات صداقة بعمر الأنسي، ومصطفى فروخ (1901- 1957)، أحد أشهر فناني القرن الماضي، الذي لم يغب عن المعرض الحالي، بل هو حاضر من خلال بورتريه لشخصية لبنانية ومشهد طبيعي، وهو كان رسم العديد من المعالم في بكفيا واستوحى منها. كما يمكن للمشاهد معاينة عملين لبول غيراغوسيان (1926- 1993)، الفنان الأرمني المولود في القدس، والنازح مع عائلته إلى لبنان، ليصبح، منذ ستينات القرن الماضي وحتى وفاته، من الفنانين المرموقين أصحاب الأسلوب المميّز، لدرجة جعلت منه مدرسة فنية قائمة في ذاتها، بحسب بعض النقاد والمؤرخين.

(شفيق عبود)
وأخيراً، ومن ضمن الفنانين الراحلين الحاضرين في المعرض، مدرسة فنية أخرى اسمها شفيق عبود (1926- 2004)، الذي اعتبره كلود لومان، اللبناني الأصل وصاحب صالة العرض الباريسية المعروفة بإسمه، كأكبر فنان لبناني- باريسي في النصف الثاني من القرن الماضي. وما قد يبدو مبالغة للوهلة الأولى، يتبين مدى صحّته من دون طول تفكير لدى تأمل أعمال هذا الفنان، الشاهدة على استثمار للون والضوء لم تعهدهما الساحتَان الباريسية والبيروتية قبله، مما  يجعل من صاحبها حلقة وصل مثيرة بين لبنان وفرنسا، وبين العالم العربي وأوروبا.


(منى أسمر)
إلى الفنانين المذكورين، تُضاف مجموعة كبيرة من أقرانهم الأحياء، الذين أغنوا الساحة الفنية، وما زالوا، بنتاجهم الذي يبدأ من التمثيل التشخيصي ذي المسحة الحديثة، كما لدى هرير ومنى أسمر وندى عقل وليليان أبو شعر وأوديل مظلوم، وصولاً إلى النمط التجريدي، الذي يمكن رصده في أعمال يوسف عون وجوزف فالوغي. هذه الأعمال كلّها، إضافة إلى أخرى لا يتسع المجال لذكرها، تشهد على قدرة تشكيلية، ورؤيا معاصرة من شأنها أن تحفظ للوحة مكانتها، التي حاولت بعض فنون ما بعد الحداثة "تدميرها" بمطرقة الفذلكة، وحتى السخرية أحيانا" (وهذا رأي شخصي قد يوافقني عليه البعض، وقد يعتبره البعض الآخر "رجعياً"). في هذا المجال، لا بد من أن نستذكر العبارة التي قالها لنا الراحل نزيه خاطر خلال إحدى الجلسات: "طالما أن الناس من الذوّاقة يحتاجون لعمل فني راقٍ وذي معنى ليزين جدران منازلهم، سيبقى للوحة مكانة لن يستطيع أحد أن يطمسها".    

(*) يستمر المعرض حتى 27 آب/ اغسطس.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها