الخميس 2023/06/29

آخر تحديث: 12:11 (بيروت)

"لقاءات جانين ربيز": شباب يحاورون جيل الستينات التشكيلي..والغلَبة للنساء

الخميس 2023/06/29
increase حجم الخط decrease
بمناسبة مرور 30 عاماً على تأسيسها، شاءت "غاليري جانين ربيز" (الروشة – بيروت) أن تحتفل بالحدث بطريقتها الخاصة، وذلك من خلال تنظيم معرض جماعي لمجموعة من الفنانين الشباب، الذين عملوا على إعادة قراءة أعمال فنانين من جيل الستينيات، ممن تركت أعمالهم بصمة مميزة في الفن التشكيلي اللبناني الحديث والمعاصر، مع سعي هؤلاء الشباب لتقديم تجارب وأساليب جديدة من شأنها تبيان المحاولات التي يقوم بها جيلهم في سبيل تسجيل إضافات للفن اللبناني، بعدما تغيّرت الظروف والأجواء منذ منتصف القرن الماضي.

 

هذه المبادرة التي أطلقت عليها تسمية "لقاءات 2023" كانت فكرتها بدأت العام المنصرم، من خلال توجيه دعوة أطلقتها وقامت بتنظيمها منار علي حسن، وكان هدفها دعم حرية التعبير للمواهب الشابة، والإطلاع على هواجسها المرتبطة بالهموم والأوضاع الراهنة وبالأفكار العصرية، مع ما يمكن أن تستوحيه هذه الأعمال من نتاج الفنانين السابقين المكرّسين، الذين لم يعد معظمهم على قيد الحياة، ونذكر منهم: شفيق عبود، إيتيل عدنان، هوغيت كالان، لور غريّب، عارف الريّس، إبراهيم مرزوق، بسام جعيتاني، جوزف حرب، لمياء جريج وهانيبال سروجي. وللمناسبة، فإن الفنانين المذكورين كانوا تعاونوا مراراً مع صالة العرض، واعتادوا عرض أعمالهم في الغاليري على مدى السنوات الثلاثين الماضية. وقد تشكّلت لجنة فنية بهدف انتقاء الأعمال المناسبة للعرض، من ضمن تلك التي تقدّم بها الفنانون الشباب، وتألفت هذه اللجنة من: نادين ربيز بكداش، جوليانا خلف، هانيبال سروجي، طارق نحّاس وساندرا داغر.

(كريس الصوري)

أما الفنانون الذين شاركوا في هذه التظاهرة، فهم: نهاد الحاج – "المشية"، ماريو خوري – "ماذا لو بقيت ونحن هاجرنا"، لولو بساط – "رحلة طائر أزرق مهاجر"، فيليب كالان – "يوم الشاطىء"، سارة فرنسيس – "القمر الأحمر"، سامية سوبرة، التي لها أربعة أعمال وهي: "الإستمتاع"، "إحياء"، "تحت الأرض" و"أنا مرن"، لميا صافي – "إنطلاقة حركة فنية"، آية أبو هواش – "هوية خاصة"، محمد أبو شعير – "ذاكرة حاضر"، يارا الترك – "تفكيك البصمة اللبنانية" ورامي شاهين – "ماذا تبقى من أرزتي".

وكي لا نكون مجحفين في حق أحد، لا بد من تكملة اللائحة الطويلة، توخياً للدقة وبهدف التوثيق، التي تضم أيضاً: منية رياشي، سيجولين راغو، آية نادرة زنتوت، ريم شهيب، ديانا أبو سلمان، كريس الصوري، مروة إلهمان، جوانا رعد، نور البقار، زياد جريج، جيلبير لطفي، ملك السهلة ومروة الرفاعي. وهنا، لا بد من ملاحظة أن غالبية هؤلاء نساء. هذا الواقع قد يعكس حقيقة أن كفة الإهتمام بالتشكيل بدأت تميل للتأنيث، وتلك مسألة إيجابية لناحية أن التصوير صار بعيداً، في الوقت الحالي، من الإستقطاب الذكوري، الذي سيطر في النصف الأول من القرن الماضي، وحتى في العقود التي تلته. وهذا الحكم، القائل بـ"الهيمنة" النسبية الأنثوية، لا يقتصر على التظاهرة التي نحن في صددها، بل لقد لحظنا هذه الظاهرة في معارض جماعية أخرى، كانت غالبية المشاركين فيها من النساء، ولو أن هذه المعارض، المقامة في أنحاء مختلفة من البلد، والتي تبين أن بعضها هو أقرب إلى المهرجانات الموسمية التي تُقام في الهواء الطلق، لم تستوفِ كلّها المستوى الإحترافي المطلوب، بل اختلط فيها، أحياناً، حابل المحترفين مع نابل الهواة.


أمّا في ما يتعلّق بالمعرض الحالي، فلا شك في أن فنانيه يتمتعون جميعاً بمستوى لائق، إضافة إلى علاقتهم (علاقتهن) الجديّة بمسألة التشكيل. ولا شك لدينا في أن بعض هؤلاء سيعملون، مع سواهم ممن لم يتسنَّ لهم المشاركة في النشاط الحالي، على بناء بعض مداميك الفن التشكيلي اللبناني، وتحديد مساراته المستقبلية، ولو في شكل نسبي. بيد أن هذه المهمة، على أهميتها وتساميها، دونها عقبات وتعقيدات تتعلّق بنوعية العمل التصويري، وبالأساليب المتبعة في إنجازه (علماً أن الكثير من الأعمال لم يعد تكتسب الصفة التصويرية المتفق عليها). ومن جهة أخرى، لا بد من مراعاة طبيعة المتلقي ومستواه الفني. فالأعمال، التي تستوفي شروط الحرية الإبداعية والحداثة، وحتى ما بعد الحداثة، ستصطدم مفاعيلها بنوعية المتلقي المذكورة. وليس من قبيل المصادفة أن الجمهور الفني اللبناني صار يقتصر على فئات "نخبوية"، في حين فئات واسعة من الناس تبدو وكأنها تعيش على هامش الحدث. وفي كل الأحوال، فإن هذا الموضوع الشائك، الذي لا يتسع له المجال هنا، لا بد أن يخضع لمعالجات مستقلّة مستقبلاً.

(آية أبو هواش) 

لو أخذنا المهمة المطروحة حرفياً، أي ما معناه إعادة قراءة، أو دراسة، نتاج الجيل السابق صاحب الكفة الوازنة في وضع بعض أسس الفن التشكيلي اللبناني (من الصعب أن نقول كلّها لأسباب عديدة)، ومحاولة إيجاد نقاط التلاقي مع ممثليه، ومن ثم صناعة منتج فني ذي علاقة ما بأعمال السابقين، لوجدنا أن المهمة عسيرة إلى حد ما، ويجب التعاطي معها بالكثير من الحذر. لقد قام فنانون من بلاد مختلفة بهذه المهمة، من خلال إعادة تشكيل أعمال خالدة لمعلّمين كبار (بطريقة مختلفة عن حديثنا ومقصدنا، لكن من المفيد ذكره)، وذلك إمّا في شكل جدّي يهدف إلى استكشاف زوايا غامضة في العمل الفني، أو بهدف "عصرنة" تلك الأعمال، كما لم يخلُ الأمر في بعض الأحيان من طرافة، وحتى من سخرية، على اعتبار أن تلك الأعمال صارت من التاريخ، ومن الواجب، بحسب رأي البعض، تخطّي تأثيراتها ودمغتها الدائمة التي لا سبيل لنسيانها. فكم من "موناليزا" تغيّرت سحنتها، وأضيف لها شاربان، على سبيل المثال، على يد مارسيل دوشان، العام 1919 ، بعدما عرض "مبولة" قبلها بسنتين مطلقاً عليها تسمية Fontaine. وكم من "عشاء أخير" لم يعد يضم قديسين خلف الطاولة، بل مغنين، أو رجال أعمال، أو ما هب ودب من قوم لا علاقة لهم بالقداسة.

أما أعمال الأجيال السابقة من الفنانين اللبنانيين المقصود إعادة قراءتها، فهي بلا شك تحظى بإحترام شديد لدى الجيل الطالع، ومحط تقدير لديه. لذا، فقد ذهب العارضون الشباب نحو بعض تقليد الأقدمين حيناً، في ما يشبه محاكاة العمل الأصلي، أو اللجوء إلى شيء من التوضيح حيناً آخر، مع استعمال بعض الرموز الدالة على شخصية الفنان الأصلي، وإيرادها ضمن مضمون مختلف، بحيث نرى صلة واضحة بين الحالتين. أضف إلى ذلك، فقد شاء المشاركون الحديث بلغة جديدة تتناسب مع روح العصر، من دون أن تنسى إنجازات الماضي، بل من خلالها. لكن، لا بد من الإشارة هنا إلى اختلاف الظروف وتبدل الواقع الموضوعي، فالجيل الذي احتواه البلد خلال العقود الأولى ما بعد منتصف القرن الماضي، كان عاش حقبة "رخاء وطمأنينة"، قياساً بالوقت الحاضر. أما شبّان هذه الأيام، والفنانون من ضمنهم، وربما على رأسهم، فهم يرزحون تحت حمل ثقيل، لا ضرورة للبحث عن أوصاف له، كونها معروفة من الجميع. على أن هذا الواقع، وبالرغم من عثراته، قد يشكّل في حد ذاته حافزاً إضافياً للإبداع، وهو الذي ارتبط دائماً، أي الإبداع، بالمعاناة والعوز والقهر، وأيضاً، وربما في رأس اللائحة، بالآثار المدمِّرة لتعفّن السياسة.

(*) يستمر المعرض حتى 14 تموز/يوليو المقبل في "غاليري جانين ربيز"، الروشة – بيروت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها