الإثنين 2024/04/08

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

عودة يولاند نوفل... أنا هي الموضوع!

الإثنين 2024/04/08
increase حجم الخط decrease
تقول الفنانة يولاند نوفل، التي غادرت عالمنا منذ عامين ونيّف عن 74 عاماً: "أنا أعمل على إعادة تشكيل إحساس اللون من خلال ذاتي، وأشعر به وأختبره من داخل نفسي. يجب عليّ أن أنظر داخل نفسي وليس من حولي، التي لا أتقصّد تمثيلها، لكنني أؤكد أنني أنا هي  الموضوع".

هذه الكلمات تعبّر عمّا أرادت نوفل قوله في أعمالها السابقة، والمعروضة في الوقت الحالي لدى غاليري Chaos (التباريس – شارع سرسق)، وذلك ضمن معرض استعادي يضم 48 عملاً تشكيلياً، أتخذ عنوان: "دعوة إلى الحلم"، وهو يضمّ أعمالاً تعود في شكل أساسي إلى الفترة الزمنية من منتصف العقد الماضي.

على أن هذه الأعمال، وإلى أي فترة انتمت، فهي لا تخرج عن النمط أو الأسلوب الذي لطالما اتبعته الفنانة الراحلة خلال مسيرتها، والذي يتمحور حول ما يُسمّى "الفن الساذج"، أو بحسب عبارة أخرى يلجأ إليها البعض: "الفن الفطري"، وربما "البدائي". هذا، وإن تعدّدت التسميات، فلا بد من الإضاء قليلاً، في هذه المناسبة، على هذا الموضوع نظراً لما يتعرّض له هذا النوع من الفن من سوء الفهم المرتبط بالتسمية. فقد أصبح تعبير "الفن البدائي" تحقيرياً، نظراً لربطه، في مكان ما، بالإستعمار، وذلك على عكس استخدامه في وصف بعض اتجاهات الرسم الإيطالي أو الفلمنكي. أمّا استخدام المصطلح في سياق "خارج الغرب"، فكان قد سقط منذ فترة على حساب "الفن الأولي". لكن التعبير يبقى مثيراً للجدال، نظراً لكونه يعكس، أيضاً، مفهوماً تطوّرياً وعرقياً للمجتمعات البشرية. فالمجتمعات الغربية تنتج فناً "منجزاً"، كما يعتقد البعض، يتعارض مع الفنون الأولية المنسوبة إلى الشعوب التي بقيت في مرحلة متأخرة من مراحل الإنسانية، ومن النافل القول إن هذا النظرة منحازة إلى مفاهيم محددة، وتحتمل نقاشاً واسعاً.



لا بد من إيراد عبارة فيليب داجان، الناقد والروائي الفرنسي، الذي قال: "هناك حكم أخلاقي، وربما جمالي، في ما يتعلق بأعمال الفن البدائي لدى ظهورها في أوروبا، بداية القرن العشرين. ويرجع هذا الحكم إلى أننا لا نعرف كيف ننظر إليها. وحقيقة أن فنانين مرموقين مهتمون بها، وأن سوق الفن يتم تنظيمه حول هذه الأعمال، سيؤدي إلى تحوّل نموذجي وتحسين حكم الناس عليها".

وفي كل الأحوال، فإن أعمال نوفل، وإن كان من الممكن نسبها إلى التيّار الوارد الذكر، فإنها تعكس في الحقيقة أجواءَ محليّة ترتبط بما رأته عين الفنانة، وإن كانت قد أعادت صوغه على النحو الذي يتوافق مع نظرتها الخاصة. والناظر إلى أعمالها لا بدّ أن يلحظ تلك البساطة، البعيدة، في الوقت نفسه، من السهولة في طبيعة الحال، مما يدفعنا إلى استخدام القول المعروف "السهل الممتنع"، وإن كانت العبارة رائجة، عادة، في مجال الكتابة والأدب أكثر من سواه.

الرسم في اللوحة شكلي إلى حد بعيد، ولا يلتزم القوانين التي نص عليها المعجم الأكاديمي، فالشخصيات لا تعلن سوى حضور غير مفصّل، ويتراوح حجمها بين عمل وآخر في المشهد، كما يمكن أن نلحظ حركتها من خلال إشارات مبسّطة في أحيان معينة. الحجم المذكور كنا شهدنا ضآلته في بعض الأعمال، بحيث لا يتوافق مع المساحة العامة للعمل، وتلك مسألة مقصودة من دون شك، وصادرة عن روح طفولية لا تقيم أهمية وزنة لمسألة النِسب. 

هذه الروح، التي تبدو مسلّحة بخفة "السذاجة"، تتمثل أيضاً في علاقة الفنانة باللون. لا ألوان داكنة في اللوحة إلاّ في بعض المواقع التي تفرضها ضرورات التأليف، أمّا ما تبقّى من مساحات فهو يضجّ بأطياف لونية بعضها بقي خاماً وصافياً، ولم تعمد نوفل فيه إلى تقنيات المزج المعقّدة. ولا شك أن هذا المدخل كان من شأنه أن يمنح المنتج شعوراً بالفرح، وبالحلم الذي يدعو إليه عنوان المعرض. هذا الأمر يترافق، أيضاً، مع غياب المنظور في العمل الفني، بحيث تبدو عناصر اللوحة مرصوفة على بعد نظري واحد، وتفتقر، عمداً، إلى العمق، وتلك إحدى مميزات الفن الساذج، الذي كنا رأيناها لدى العديد من الفنانين، غربيين أكانوا أم محليين، خلال تاريخ هذا الإتجاه الفني.

والجدير بالذكر، إن الراحلة كانت شخصية أكاديمية، وقد تركت بصمات في قسم علم النفس بكلية التربية، وفي مجالي الطب النفسي العيادي، كما كانت من خيرة الباحثات في علوم التربية وبرامجها، ومن أبرز مؤسسي "الجمعية اللبنانية للتربية الفنية". إلى ذلك، فإن أعمالها تشكّل جزءاً من مجموعات مقتني الأعمال الفنية في لبنان وفرنسا والنمسا والسويد وإنكلترا والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى حضورها في كتب فنية عديدة، وفي المتحف الإفتراضي للفن التشكيلي اللبناني المعاصر.

(*) يستمر المعرض حتى 18 نيسان/إبريل 2-24 في غاليري Chaos – تباريس، شارع سرسق- بيروت.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها