الجمعة 2023/11/10

آخر تحديث: 12:26 (بيروت)

النساء المذهلات بمبادراتهن الإغاثية لأهل الجنوب ونازحيه

الجمعة 2023/11/10
النساء المذهلات بمبادراتهن الإغاثية لأهل الجنوب ونازحيه
متطوعة في جمعية "تمدّن" لجمع الأدوية للنازحين من الجنوب (Getty)
increase حجم الخط decrease

تُشاهد النسوة العربيات والآسيويات والأوروبيات والأميركيات، وقائع الحرب على غزّة (منذ بدايتها في السّابع من تشرين الأول) بالصوت والصورة: صرخات النسوة، كلماتهن الأخيرة، أشلائهن وأشلاء أطفالهن. بعضٌ من نساء العالم، تصمت، تنأى بنفسها عن الحرب الدمويّة؛ أما الأخريات فيغضبن، يستنكرن، يُعدن نشر الفيديوهات والصور وروابط الدعم الماليّ والعينيّ، ينزلن إلى الشوارع، بمسيرات تضامنيّة حاشدة، باللحم الحيّ يتحدين أنظمتهن والتّخاذل السّياسيّ العالميّ.

النسوة اللّبنانيات كن من أولئك الأخريات. التّضامن والتّعاطف والغضب. لم يكن لديهن أساسًا خيار آخر أمامهن، بل على العكس كان فعلهن تجسيدًا لردّ الفعل العاطفيّ الصادق، وللشعور الفعليّ بالمأساة الضاربة بجذورها في الذاكرة اللّبنانيّة الجمعيّة. ومنذ بداية الحرب على غزّة، وتوسع رقعة الاشتباكات إلى الحدود الجنوبيّة للبنان، لم تتلكأن عن تقديم كل الدعم والتّضامن المعنويّ لأهل غزّة، والتعاضد والمؤازرة العينيّة والماديّة، للنازحين من أهل بلدهم في الجنوب.

حملات المناصرة اللّبنانيّة
المشاهدات الميدانيّة لمختلف التّظاهرات والاعتصامات والوقفات الرمزيّة، الرافضة للاعتداء الإسرائيليّ والمتضامنة حدّ التفاني مع أهالي غزّة المنكوبين، كفيلةٌ بجعل التّغافل عن دور النسوة اللّبنانيات والفلسطينيات وحتّى السّوريات في هذه الأشكال السّلمية (وغير السّلميّة) للتعبير عن الموقف، مستحيلًا. حضورهن الغزير والطاغي على أي حضورٍ آخر؛ في الصفوف الأماميّة يقفن، تارةً بالزيّ الفلسطينيّ التّقليديّ، وطورًا بالكوفيات والأعلام.

وإذ لا تخلو أي تظاهرة سلميّة تقريبًا من مشهدية النساء وأطفالهن من الرُضع وطلاب المدارس، فأيضًا لم تخلُ أي تظاهرة عنيفة كالتّي حصلت أمام السّفارتين الأميركيّة والفرنسيّة، من النسوة والشابات، الغاضبات من العنف الدمويّ، ليتخذن العنف وسيلة لردّه. ويُلحظ أيضًا هذه التّضامن النسائيّ في الوقفات الرمزيّة التّي نُفذت في الجامعات اللّبنانيّة، الرسميّة والخاصة، والاعتصامات المدنيّة والحزبيّة المركزيّة، في الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت (ثنائي حزب الله وحركة أمل)، وفي المخيمات الفلسطينيّة (الفصائل الفلسطينية، فتح وحماس) وغيرها. ولم يقتصر دور النساء على المشاركة الجماهريّة، بل كن عصب التّنظيم وعنصرًا أساسيًّا في الحشد والتعبئة الشعبيّة.

دعم نازحي الجنوب
هذه التعبئة الشعبيّة لا تتوقف على التّظاهرات العفويّة الصباحيّة والليليّة، وحسب، بل اشتمل عمل النسوة اللّبنانيات التّضامنيّ على الانخراط أيضًا بأعمال الدعم والإغاثة للنازحين من قراهم الحدوديّة، جنوبيّ لبنان. الذي تجاوز عددهم، حسب ما أشار الباحث في "الدوليّة للمعلومات" محمد شمس الدين، إلى "المدن"، 45 ألفًا، متوقعًا وصولهم إلى 75 ألفًا في الأيام المُقبلة. بينما يتوزّع النازحون على عشرات المناطق، منها صور، صيدا، الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، إقليم الخروب، صوفر، بحمدون، جبيل، وسائر القرى الجبليّة.

وفيما فرض هذا الواقع الضرورة القصوى لتفعيل مبادرات وخطط طوارئ "داخليّة"، شاركت في إعدادها بعض الجهات الرسميّة وتولت تنفيذها الجهات الأهليّة والبلديّة (لواقع غياب التّمويل اللازم لخطة الطوارئ الحكوميّة الشاملة)، وخصوصًا في قرى الداخل الجنوبي، من صور وصيدا وصولًا للنبطية وسائر القرى البعيدة نسبيًّا عن الحدود. امتازت هذه المبادرات، بطابع المؤازرة الشعبيّة والتعاضد الاجتماعيّ الذي يشمل تقديم حصص غذائيّة ومساعدات ماديّة للنازحين، فضلًا عن الرعاية الصحيّة والدعم النفسيّ، وإعطاء الأولويّة القصوى، لتلبيّة حاجات النازحين الجُدد لجهة الإيواء والغذاء والدواء.

وعمدت بعض المجموعات النسائيّة، لبذل جهود شتّى للانخراط بهذه الخطط الطارئة، متحديات واقعٍ كُرس عبر السّنوات، لإقصاء المرأة من برامج التأهّب والاستجابة في حالة الطوارئ.. بدايةً بالتّطوع في مراكز الإيواء، جنوبًا، أكان في برامج الإغاثة الصحيّة والنفسيّة للصليب الأحمر والجمعيات الإنسانيّة، والمناصب الإداريّة والتّنسيقيّة، وخصوصًا في قضاء صور، الذي يتوافد إليه يوميًا العشرات من الأسر النازحة (يُذكر أن "المدن" اتصلت بمدير وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور مرتضى مهنا، للاستفسار الذي اعتذر عن التّصريح بسبب انشغالاته).

المبادرات الفرديّة
عشرات المبادرات الفرديّة والجماعيّة الضيقة، التّي تقودها النساء، بُذلت في سبيل دعم المتضررين من الاشتباكات والنازحين، بدايةً بإرسال حصص غذائيّة لدور الإيواء في صور. وقد تحدثت عدّة متطوعات إلى "المدن" (فضلن عدم ذكر أسمائهن) مشيرات لكون عدد لا يستهان به من النساء الجنوبيات، ومنذ بداية حركة النزوح، يقمن بطبخ وتوضيب حصص غذائيّة وإرسالها لمراكز الإيواء في صور. أما أخريات فأرسلن من منطقة الشياح، صناديق احتوت على مكسرات ومربيات ومكملات غذائيّة للأطفال. هذا وناهيك بالمتطوعات بفرق الأمم المتحدة. ولفتت المتطوعات لكون هناك بعض الحصص الغذائيّة قد أُرسلت من البقاع الشمالي تتضمن مؤناً منزلية ووجبات غذاء تصمد من دون تبريد، لتأمين الاحتياطي الغذائي للنازحين. مضيفةً: "فيما نُفذت بعض المبادرات، لمساعدة النازحات من الشابات والحوامل، بتأمين الإمدادات والمستلزمات الصحيّة الخاصة بالصحّة الإنجابيّة والجنسيّة، من الفوط الصحيّة وحبوب منع الحمل لتأجيل الدورة الشهريّة مؤقتًا والأدوية والفيتامينات التّي تحتاجها النساء الحوامل، فضلًا عن تأمين الحفاضات وحليب الأطفال".

وفي حديثها إلى "المدن" تُشير السّيدة مريم (مفضلةً عدم ذكر اسمها بالكامل)، أنها تعتزم إرسال وجبات يوميّة من قريتها في قضاء بعلبك، للنازحين. وهذه الوجبات هي بالإضافة لما أرسلته من مؤون كالمكدوس والكشك والمربيات والأجبان المكبوسة، بالإضافة للجريش والبرغل، مسبقًا. وستقوم هي وشريكاتها في التّعاونيّة الزراعيّة، بأعمال الطبخ والتّوضيب، وجمع مبالغ ماليّة من أهالي القرية لإرسالها إلى صور والنبطيّة.

وتلفت أيضًا المتطوعة لتأمين مراكز ومساكن لإيواء النازحين في الجنوب بالشراكة مع نساء الأمم المتحدة، لبنى عزّ الدين، أن المبادرات النسائيّة شتّى، وتتجلى في البيوت التّي فتحها أهالي الجنوب للنازحين، من حيث مشاركة الأهالي لطعامهم وصولًا لتقديمهم خدمات تتعلق بمساعدة أطفالهم في المدارس وتأمين الكتب والزيّ المدرسي، أو إيجاد فرص عمل للشباب الذين فقدوا أشغالهم في القرى الحدوديّة. وهذا كلّه بالتّعاون مع بلديات الأقضيّة الجنوبيّة، التّي أظهرت جديّة في التّعاطي مع الأزمة المستجدّة.

المبادرات الأهليّة
ومبادرات النساء لم تنحصر وحسب بالخطوات الفرديّة المتواضعة. إذ أقامت مجموعة نسويّة، سُميت بالمسيرة العالميّة للنساء، مبادرة هدفها جمع الأموال والتبرعات لدعم مراكز الدفاع المدني المتضرّرة بشكل مباشر من القصف الإسرائيلي الحالي في الجنوب، وبعد التّواصل مع هذه المراكز، قام التّجمع بعرض قائمة الحاجيات، من المعدات والموارد، وتفعيل المبادرة عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، لجمع المال وإرساله إلى هذه المراكز. وهذه المبادرة شبيهة بمبادرة عدد من المتطوعين في مختلف المناطق اللبنانيّة، لتأمين مساكن للنازحين والتّي حظيت بشعبيّة واسعة بين المواطنين الذين يتقدمون بالتبرعات لمجموعة المتطوعين هذه.

فيما يُشير أحد المتطوعين بجمعية "تمدّن" لكون غالبية المتطوعين في الجمعية والمتواجدين حاليًّا في الجنوب، هن من النساء، أكان في العيادة التّي استحدثت في مبنى أوتيل الصنوبر، في حاصبيا وبلديّة كوكبا، التّي استقبلت عائلات نازحة، أو في أعمال الإيواء، والتغطية الصحيّة، التّي تقوم بها النساء كعنصرٍ غالبٍ في طاقم العمل. مؤكدًا أن محافظ النبطية هويدا الكرك، هي المُنسقة والمساهمة الأبرز إلى جانب عشرات البلديات، في عملية تنظيم أمور النازحين ودعم الجمعيات الأهليّة.

هذا ونلفت لكون غالبية المتطوعين والجهات الأهليّة، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، لما يحمله الواقع من حساسيّة، ونتلمس هذه الروحيّة في مختلف أُطر المساندة والدعم. إذ يركز المتطوعون على أهميّة التّطوع والمساعدة، عوضًا عن مراكمة شهرة أو استحسان على حساب عملهم الإنساني.

إذا أردنا تصنيف حركة المناصرة هذه كحراكٍ نسويّ عام، فإن ماهيّة العمل الحقوقيّ هذا تتجلى في إعلان موقف نسوة لبنان مما يحدث في المشهد السّياسيّ، ومطالبتهن باتخاذ إجراءات عاجلة وإعادة تقييم الّسياسات الدوليّة، وانحيازهن مع الأضعف، ومع محنة النساء والأطفال في مناطق النزاع وتحديدًا في غزّة والجنوب اللّبنانيّ. وما هي هذه المبادرات، سوى تجسيد لهذه الغاية، وتكريس مبدأ التّعاضد الاجتماعيّ ليكون فعالًا أكثر في دولةٍ تعجز وتفشل عن صياغة أي خطة مكتملة الجوانب لنجدة مواطنيها ومساعدتهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها