الأربعاء 2023/10/18

آخر تحديث: 18:21 (بيروت)

ضاحيّة الله الجنوبيّة: الغضب والتوجس من الحرب معاً

الأربعاء 2023/10/18
ضاحيّة الله الجنوبيّة: الغضب والتوجس من الحرب معاً
تظاهرة الضاحية الحاشدة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

الشرّ هو ذلك الذي شهدناه البارحة، المذبحة الدموية في غزة. أما الأسوأ والمُضنيّ أكثر، فربما لم يأت بعد، بل هو هناك يتربص بشعب غزّة المقهور. هذا ما أدركه الشعب اللّبنانيّ، أدرك الرعب المُحدق بالشعب المكلوم وربما بنا.

هكذا أتى الدافع لـ"يوم الغضب"، الذي دعا إليه حزب الله في عموم المناطق اللّبنانيّة، ردّ الفعل الموزون للتضامن، وخصوصًا في الضاحيّة الجنوبيّة، المُندفعة والمتوجسة في آنٍ واحد، شبيهٌ بكل ردود الفعل في دول "محور الممانعة". الضاحية كما طهران كما صنعاء كما العراق وسوريا..

تظاهرة حاشدة
لم تنم الضاحيّة ليلة البارحة، وكذلك هي بيروت عمومًا، مشهد الأطفال الأشلاء وصور المجزرة كانا كفيلين بخروج السكّان إلى الشوارع العموميّة، للانفجار بوجه العالم الصامت والمتعامي، لتنفيس الاحتقان الخانق.

الدعوات للاحتجاج اليوم الأربعاء 18 تشرين الأول الجاريّ، لُبيت بغالبيتها، وتحديدًا، تلك المركزيّة في حارة حريك، شارع مجلس شورى حزب الله، التّي حضرها الآلاف المؤلفة من سكّان الضاحيّة، من المناصرين للثنائي حزب الله وحركة أمل (حضور قليل نسبيًا مقارنة بجماهيريتهما). سيلٌ بشريّ، اجتاح الشوارع والأزقة المؤديّة للساحة الرئيسيّة، التّي نُصبت فيه منصة، خطب من عليها، ممثلين من كشاف "المهدي"، و"الهيئات النسائيّة لحزب الله"، وقطاعات أخرى من الحزب.

هذا وصولًا لخطبة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هشام صفي الدين، الذي أدان "التّواطؤ والصمت العربيّ، إزاء جرائم إسرائيل" وقائلًا إن "اليوم هو عصر المقاومة"، ومُحذرًا واشنطن والغرب من أن ارتكاب أي خطأ سيُقابل بـ"ردٍّ مدوٍ، لأنّ ما في حوزة المقاومة، أقوى مما عندهم". ومنددًا بالسياسة المصريّة الرسميّة، "الداعمة لتهجير أهل غزّة إلى مصر، كمؤشر إلى جديّة مُخطط تهجير أهل القطاع"، على حدّ قوله. مُشيرًا لكون المجزرة التّي وقعت في مستشفى المعمداني، هي اعتداء ممنهج ومقصود، بحقّ النازحين العُزل، ومشاهد الأطفال المقتولة، كفيلة بجعل العالم يرتجف قلقًا، وتحديدًا المجتمع الإنساني الدوليّ، المنادي بالحريات والحقوق وضمنًا الحقّ في الطفولة.

فيما علّت بعدها أصوات المتظاهرين بالأهازيج والشعارات والآيات القرآنيّة، الداعمة لأهل غزّة وفلسطين، ورُفعت الأعلام الفلسطينيّة واللّبنانيّة وكذلك أعلام حزب الله وكتائب القسام والحزب القوميّ السّوريّ الاجتماعيّ. وتبعتها أناشيد حزب الله. ومشت المواكب، التّي لبست الأزياء العسكريّة والكوفيات، واللباس اليمنيّ (الذي اشتهر بارتدائه أنصار الحوثيين في اليمن)، وكذلك النسوة المُعصبات بأعلامٍ صفراء وكوفيات فلسطينيّة. فيما تفرقت هذه المواكب في الشوارع الفرعيّة، لتتحول إلى مسيرة سيارات وباصات ودراجات ناريّة..

الحاضر في غيابه
هذا فيما احتكرت النسوة وأطفالهن من الرُضع وتلامذة المدارس والمراهقين، السّاحة العامة، بتواجدٍ طغى على الحضور الإجماليّ، وخصوصاً النساء اللواتيّ تعمدن بغالبيتهن حمل صور أمين حزب الله العام حسن نصرالله (وكذلك صور أطفال غزّة التّي حملها أطفال لبنان)، الذي كان في غيابه "المدروس" بنظرهن، حاضرًا. هذا الحضور الرمزيّ، الذي لا يشي سوى باختمار القرار السّياسيّ لموقف حزب الله من الحرب، الذي لم يحن وقته، كما تُشير المعطيات السّياسيّة. ولما كان قرار التّورط بالحرب، قرارًا انفعاليًّا عاطفيًّا، فإن مزاج النسوة التّي رصدتهن "المدن" كان يُترجم بتضامنٍ مُطلق، لكن بتوجس من التّبعات إذا ما تورط الحزب بالحرب. خصوصًا أن هذه السّاحة التّي احتضنت تظاهرتهن، والتّي حملت آمالهن بوقف الحصار والظلم الحاصل، كانت في السّابق مسرحًا للقصف الإسرائيلي على الضاحيّة (2006)، القصف الذي دمر المباني التّي أُعيد بناؤها.

فيما كان الموقف العام مما يحصل بالجنوب اللّبنانيّ حاليًّا، ينطوي ضمن إطار ما سُمي "بالحرب النفسيّة". واستبعد معظم الذين حاورتهم "المدن" في السّاحة، اندلاع حربٍ جديدة شبيهة بتموز العام 2006، لكنهم أيدوا في الوقت عينه، التّدخل للحؤول دون استمرار المجزرة في غزّة والتّهجير للسكّان.

التّظاهرات في باقي المناطق
أما المشهديّة التّي تجلت في الضاحيّة، فكانت هي نفسها تقريبًا في البقاع الشماليّ، وخصوصًا في مدينتي بعلبك والهرمل، الملبيتين للدعوة. كما ازدحمت قرى البقاع الأوسط، بالتّظاهرات المُندّدة. والمُلاحظ كون الثنائي وتحديدًا حزب الله، قد شارك أنصاره في مختلف التّظاهرات، أكان أمام مبنى الإسكوا، صباح اليوم الأربعاء وكذلك في عوكر بمحيط السّفارة الأميركيّة، التّي نُفذت بدعوة من عدّة جهات حزبيّة ومدنيّة وشعبيّة، وكذلك الفصائل الفلسطينيّة.

الشارع الغاضب
لم تخذل بيروت أطفال غزّة ولو كان بالموقف. هذا ما يُمكن استشفافه من التّظاهرات والوقفات المستمرة منذ نحو الثلاثة أيام حتّى حينه.

ويبدو الشارع اللّبنانيّ رغم غضبه، مُعتنقاً لعاطفيّةٍ مُعقلنة للآن، ويرفض هذا الشارع بغالبيته تمدّد الصراع إلى الداخل اللّبنانيّ، وتحديدًا منهم أهل الضاحيّة، الذين كان واضحًا ومن خلال الوقفة التّي أقاموها، متابعتهم المستمرة لآخر المستجدات، بعيونٍ قلّقة، ومحاولتهم لتدبير خطة طوارئ احتياطيّة في حال نشوب الحرب..

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها