الأحد 2024/05/05

آخر تحديث: 11:35 (بيروت)

مؤتمر بروكسل ومصير اللاجئين: مآرب أوروبا وطموحات السلطة اللبنانية

الأحد 2024/05/05
مؤتمر بروكسل ومصير اللاجئين: مآرب أوروبا وطموحات السلطة اللبنانية
المطلب الأول للحكومة اللبنانية هو إعادة تقييم الوضع في سوريا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

الذي بات شبه مؤكّد، أنّ المنظومة السّياسيّة اللّبنانيّة، وعلى متن أي بحثٍ في القضيّة السّوريّة وما يتناسل منها -ملف اللاجئين السّوريّين تحديدًا- قد مشت منذ ثلاثة عشر عامًا، في مسيرةٍ مظلمة، تتعامل مع هذه المسألة بحيرةٍ سورياليّة، لا هي تعرف تسجيل موقفٍ صريحٍ، ولا تنظيم تبعات هذه الإشكاليّة، ولا حتّى محاورة الأطراف الخارجيّة بدهاءٍ وحنكةٍ كافية لتستر تواطؤها بمحنتها الحاليّة المزعومة. تعمدت التآمر في سوء تنظيمها للملف، وصمتت عن كونها من ترك حدودها مفتوحة أمام اقتصاد التهريب المشترك، ونهبها لمقدرات اللاجئين واستغلالهم، وتناسي حقيقة أنها أسهمت بجزءٍ وزانٍ في الجريمة السّوريّة بالمرتبة الأولى، وأنها تسببت وعلى قدم المساواة بمحنة السّوريّين الرهيبة كما بمحنة اللّبنانيّين أنفسهم.

ومشت السّلطات هذه في مسيرها، متهاويةً على درب طموحاتها الانتهازية، ومستفيدة من مآرب المجتمع الدوليّ الذي لم يعد فعليًّا مكترثًا لمصير هذه السلطة، التي تعلق آمالاً على خطط ترحيل غير واقعية من جهة وعلى مزيدٍ من الأموال من جهة ثانية. كما تطمح بغفرانٍ حقوقيّ ودبلوماسيّ عن كل آثامها بحقّ اللاجئين وبحق شعبها.

بين المنحة الأوروبيّة ومؤتمر بروكسل
أما اليوم، وبعد إعلان الاتحاد الأوروبيّ عن حزمة مساعدات بقيمة المليار يورو (ما يُعادل 1.06 مليار دولار أميركيّ) للبنان، لكن من دون شروط للإصلاح الفعليّ، لعلّه بذلك يستدرك أن تغييرًا ما في سياسته الداخليّة والخارجيّة بات ضروريًّا.. انقسمت المنظومة مُجدّدًا على غايات هذا العطاء الماليّ الأوروبيّ، غير المُعلنة، إذا ما كان "رشوة" لبقاء اللاجئين في لبنان -السّد المنيع الذي يحول دون هجرتهم إلى أوروبا- أم انطلاقة لمسارٍ أوروبيّ لتنظيم الملف. بينما اتجهت الحكومة لدحض هذه التخمينات، عبر تأكيدها أن "طرحًا حاسمًا" ستحمله معها إلى مؤتمر بروكسل الثامن، المُخصص لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، الّتي تعول عليه، رغم أن مقرارته باتت شبه محسومة مسبقًا، بما لن يرضي لبنان الرسميّ.

حسب ما صرّحت المصادر الحكوميّة سابقًا، فإن الطرح الذي تُعده الحكومة حاليًّا، لمناقشته في مؤتمر بروكسل الثامن، الذي انطلقت فاعليته أواخر الشهر الفائت بمشاركة المجتمع المدنيّ السّوريّ، على أن يُقام المؤتمر بالجزء الوزاريّ منه في 27 أيار، في مقرّ مجلس الاتحاد الأوربيّ، ينضوي على تمسكٍ بالمواقف السّابقة الّتي عبّرت عنها في سياق خطّة، ركنها الأساسيّ هو مطلب إعادة تقييم الوضع في سوريا، وتصنيف المناطق بين الآمنة وغير الآمنة. وبالتالي، تحديد من تنطبق عليه صفة اللجوء، والمهاجر الاقتصاديّ والمقيم غير الشرعيّ. ويتم ذلك بعد الطلب من المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين تقديم بيانات إضافيّة بشأن مواعيد دخول اللاجئين السّوريين ومناطقهم الأصليّة وأوضاعهم السّياسيّة والأمنيّة.  وقد أكدّت المفوضيّة أنها مستعدة للتعاون تحت مظلة القانون الدوليّ . وكذلك الطلب من الاتحاد الأوروبيّ تفهم أي قرار لبنانيّ بترحيل اللاجئين الذين لا يملكون أوراق إقامة سارية المفعول في لبنان.

ودفع لبنان نحو هذا الطرح يأتي ضمن مسارٍ منهجيّ للضغط على الاتحاد الأوروبيّ وإحراجه، للحصول على مزيدٍ من المساعدات. فالجانب اللّبنانيّ يعلم أن  أوروبا غير مُستعدة لفتح باب النقاش مع دمشق ولا إقامة علاقة دبلوماسيّة مع الأسد في الوقت الراهن، ما لم يُشارك بشكلٍ فعّال في الحلّ السّياسيّ وفقًا لقرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 2254. وهذا ما عبّر عنه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبيّ ونائب رئيس المفوضيّة الأوروبيّة جوزيف بوريل في الفعاليّة الأولى لمؤتمر بروكسل منذ أيام.

لكن دول أوروبا، بالمقابل، غير مستعدة أيضًا لاستقبال المزيد من المهاجرين غير الشرعيين، حيث تسعى إلى اتخاذ إجراءات لتقييد وصول المهاجرين إلى قبرص من لبنان من جهة، وتقليل عدد طالبي اللجوء على أراضيها من جهة أخرى. تماشيًّا مع التّوجه الأوروبيّ الجديد المندرج تحت مظلّة "ميثاق الهجرة" والسّاعي إلى معالجة الشوائب في سياسة اللّجوء الأوروبيّة الحاليّة، أكان بضبط الحدود والحؤول دون عمليات الدخول غير النظامي، فضلًا عن تنظيم إدارة اللجوء وخصوصًا أثناء الأزمات، ذلك بالتزامن مع صعود اليمين المتطرف.

الحملة العنصريّة ما قبل مؤتمر بروكسل
ناهيك بالضغط الدبلوماسيّ، تسعى السّلطات اللّبنانيّة حاليًّا، لشدّ العصب الحقوقيّ وابتزاز المانحين لتحقيق هذه المآرب. فاستجلاب المزيد من العطاءات الماليّة من المانحين الدوليين في هذا الوقت، وبعد 13 عامًا على الحرب السّوريّة، بات صعبًا. وخصوصًا بما يشغل العالم مؤخرًا من تداعيات إنسانيّة للصراعات الأخيرة في أوكرانيا وغزّة والسّودان. لذلك، عمدت إلى مفاقمة السّخط الشعبيّ تجاه اللاجئين بالمواقف السّياسيّة المبثوثة تارةً، بإشاعة الرسميين لأرقام مبالغ بها عن تكلفة بقاء اللاجئين في لبنان، أو تهديد أوروبا بفتح المنافذ البحريّة كما أعلن وزير المهجرين عصام شرف الدين، والإجراءات "التنظيميّة" المخالفة للقوانين اللّبنانيّة والدوليّة طورًا.

بدا هذا في إطلاق شرارة ترحيل اللاجئين في السّجون اللّبنانيّة، بما يحمله ذلك من انتهاكات للقوانين اللّبنانيّة والتفاف على الموجب الدوليّ، ومثابرة على تعميق التواصل بينها وبين نظام الأسد ومساعدته في مخططه لإعادة تعويمه سياسيًّا (راجع "المدن")، ومن ثمّ الخروج بقرار مؤخرًا، لعرقلة تواجد السّوريّين بصورةٍ نظاميّة في لبنان -لاجئين كانوا أم لا- بعدما ألغت المديريّة العامة للأمن العام نظام الإقامة المؤقتة للسّوريّين، أي نظام الكفالة الشخصيّة، بصورةٍ غير رسميّة ومن دون صدور قرار مُعلن بشأن نظام الإقامة الموقتة تحديدًا.

هذا فيما يستمر تضييق الخناق الأمنيّ والمداهمات وعمليات الترحيل القسريّ للمسجلين في المفوضيّة كما المقيمين بصورة غير نظاميّة (تمّ ترحيل ما يفوق300 لاجئ في غضون الأسابيع القليلة الفائتة، حسب المصادر الحقوقيّة). وفي 25 نيسان الجاري، أعلنت المديريّة العامة لأمن الدولة، في بيان، عن بدء عملية إخلاء للاجئين السّوريّين من بعض المناطق في شمال لبنانز وذلك بعد "استفحال الإشكالات الأمنية" الّتي تسبب بها بعضهم. ووفق البيان، قامت دوريات من أمن الدولة بتبليغ اللاجئين غير المستوفين لشروط اللجوء أو العمل أو السكن بصورة قانونية بضرورة إخلاء المنازل والأماكن الّتي يشغلونها، تنفيذاً لقرار محافظ الشمال. وقد تم تبليغ اللاجئين السّوريين في كفيفان وكوبا بذلك، وجرى إخلاء القاطنين في بساتين العصي بعد أن تم إبلاغهم بضرورة الإخلاء منذ فترة. وأشار البيان إلى أن هذه الإجراءات تأتي متابعة لقرارات الحكومة ومجلس الأمن المركزي والمحافظين في مختلف المناطق اللبنانية، وتهدف إلى "الحفاظ على الأمن والاستقرار".

منظمات حقوقيّة تطالب باحترام القانون الدوليّ
وفي سياقٍ متصل، طالبت ثماني منظمات حقوقيّة عربيّة ودوليّة، السّلطات اللّبنانيّة والاتحاد الأوروبيّ باحترام التزاماتها بموجب القانون الدوليّ، وعدم إعادة اللاجئين قسرًا إلى سوريا، طالما لم يتم استيفاء شروط العودة الآمنة والطوعيّة والكريمة. جاء ذلك في بيان مشترك، وقعت عليه كل من منظمات: "العفو الدوليّة"، "هيومن رايتس ووتش"، "الحقوق الأورومتوسطيّة"، "باكس"، "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، "المركز اللبناني لحقوق الإنسان"، "مركز وصول لحقوق الإنسان". وذلك عقب زيارة رئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون لاين، إلى لبنان، وتوقيع اتفاق الهجرة مع الحكومة اللبنانيّة.

وقالت المنظمات الحقوقيّة في بيانها إن "هذه الصفقات تعرض الأفراد لمخاطر حقوق الإنسان، وتقوض حماية اللجوء وتقوض نظام الحماية الدوليّ ككل"، مضيفةً أن هذه الاتفاقيات "تتهرب من الرقابة العامة والبرلمانية والقضائية في الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة، وتفتقر باستمرار إلى آليات المراقبة والرقابة الكافية لضمان عدم تواطؤ الاتحاد الأوروبي في انتهاكات حقوق الإنسان". وشدّدت المنظمات على أنه "لا توجد أجزاء من سوريا آمنة للعودة"، مشيرة إلى أن "مساعدة الاتحاد الأوروبي الموجهة نحو تمكين العودة إلى سوريا أو تحفيزها قد تؤدي إلى عودة قسرية للاجئين، مما يجعل لبنان والاتحاد الأوروبي متواطئين في انتهاكات مبدأ القانون الدولي العرفي المتمثل في عدم الإعادة القسرية". وأشارت إلى أن "دعم الاتحاد الأوروبي للأجهزة الأمنية اللبنانية بهدف الحد من تحركات الهجرة إلى أوروبا، يمكن أن يؤدي إلى لجوء السوريين إلى طرق أطول وأكثر خطورة لمحاولة الوصول إلى شواطئ أوروبا، لتجنب الترحيل القسري إلى سوريا، مما يجعلهم يعتمدون على شبكات التهريب وعرضة للاتجار بالبشر".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها