الإثنين 2021/04/12

آخر تحديث: 13:52 (بيروت)

إعادة إعمار المرفأ ومحيطه: مشروع "مسرح الجريمة" العقاري

الإثنين 2021/04/12
إعادة إعمار المرفأ ومحيطه: مشروع "مسرح الجريمة" العقاري
ينوي التصميم الألماني قضم ثلث مساحة المرفأ غير السخية أصلاً لصالح التجارة العقارية (المدن)
increase حجم الخط decrease
بعد قرابة 9 أشهر على انفجار مرفأ بيروت، بدأ تباعاً الإعلان عن أفكار إعادة إعمار مرفأ بيروت ومحيطه، إن كان من خلال تصوّرات فعلية، كالتي قدّمها الوفد الألماني أو العروض الشفهية المقدّمة على لسان مسؤولين في شركات فرنسية وصينية وروسية وغيرها.
في هذا الإطار، وبسبب الأهمية الفائقة لمستقبل العاصمة، لا يسع "المدن" سوى فتح النقاش أو حتى السجال حول إعادة إعمار المنطقة المنكوبة، بمرفئها وأحيائها السكنية ونسيجها الثقافي والاجتماعي. فترحّب "المدن" بأي مساهمة في هذا الإطار، من قبل معنيين ومتابعين أو راغبين في التعبير عن رأيهم بهذا الخصوص، وبمستقبل جزء أساسي من عاصمتنا بيروت. 

بلهفةٍ وهلع، يترصّد اللبنانيون  كلّ منفعة وضارة للَقاح من هنا يحميهم من الغزو الكوروني أو عقّار من هناك يرفع معهم، وإن طفيفاً، أهوال العدوى. ناهيك عن مقصلة أسعار وفقدان الغذاء والدواء وشبح انعدام الأمن. وفيما يتضّرعون لخرق ما في السياسة والاقتصاد أو في تطوير العقاقير، أتاهم في تطوير العقارات.

جاء إعلان مشروع تطوير مسرح جريمة انفجار مرفأ بيروت في السفارة الألمانية على شاكلة إعلانٍ تجاري لمسحوق غسيل سحري يزيل أصعب البقع أو لمعقّم خارق يبيد، بكَسرٍ من ثانية، 99% من أعتى الجراثيم. هكذا جزم مقدّمو المشروع بأنه حلٌّ سحري شامل لزهاء 99% من مآسي الوطن المتراكمة. بشّروا بنهايات سعيدة لزمن الدمار والفساد والبطالة والطبقية والتلوث وغياب المساحات الخضراء واحتكار الشاطىء المتوسطي. غالباً ما يميل رواد التسويق إلى التصويب والمبالغة في عرض منافع منتجاتهم. ليست الدقة ولا الصدق، من دون أدنى شك، من سماتهم المفضّلة. وهذا أمر متوقّع ومفهوم؛ لكن بين التصويب والمبالغة وبين الخرافة والخبث شتّان.

عنصرية وتوحّش
صرف رعاة المشروع في مؤتمرهم الصحافي، كمريبٍ يقول خذوني، مجهوداً استباقياً وافراً على استراتيجية طرد شبح الشبه مع جزيرة سوليدير، لا سيّما لجهة الحاجز السوسيولوجي والطبقي الذي فرضه التباين الحاد بين غلواء جمهور وسط بيروت المنشود وبين واقع النسيج المحيط به. تباينٌ رفع جسر الرينغ حدّاً نفسياً سوسيولوجياً ومادياً عنصرياً بتوحّش وبشاعة حائط برلين.
ورغم الكلام الشاعري المطوّل عن توجّه المشروع للطبقات المتوسطة والفقيرة وفتح الشاطئ والمساحات الخضراء أمامهم، إلّا أنّ المجهود اقتصر على النثر السطحي والوعود الفارغة. فلا توحي رسومات المجسم الرقمي للتصميم بتسامحٍ مع ذوي الدخل المحدود، فهي تشبه، إلى حدٍّ بعيد، روحية "الزيتونة باي"، والتي لم تستسغهم يوماً؛ فيما أُلصقت المساحة المخصصة للسكن والتجارة والسياحة، فوق مركز الانفجار، بوسط بيروت، وحُصر المرفأ بناحية أحياء مار مخايل والمدوّر وبرج حمود، وهي المناطق التي يتوق مطوّرو المشروع، حسب ادعائهم، للإندماج معها. تجزم التجربة اللبنانية بأنّ ذلك سيحوّل جسر شارل حلو، كجسر الرينغ، إلى حائطٍ نفسيٍّ جديد للفصل العنصري الطبقي.

قضم المرفأ
رغم الطموح الوافر للمشروع، يبقى المرفأ نقطة ارتكازه الأساس، فهو، في نهاية المطاف، لإعادة إعماره، فيما ينوي التصميم قضم ثلث مساحته، غير السخية أصلاً، لصالح التجارة العقارية. يفسّر ذلك الاستفاضة المفرطة للمسوّقين في الحديث عن التحديث السبّاق والمكننة الذكية ورفع إنتاجية المرفأ وقدرته التنافسية العالمية ثلاث أضعاف.. رغم قضم ثلث أراضيه!

يوقن المختصون بالشؤون المعمارية والهندسية والتنظيم المدني أنّ المشاريع الكبيرة ذا الطابع السوسيولوجي، تتطلّب دراساتها وقتاً طويلاً، لا سيّما تلك المتعلقة باستيعاب الأنماط المجتمعية التي تستهدفها وبجغرافية و"طوبوغرافية" مواقعها. فإذا افترضنا أنّ الفكرة ولدت فور انقشاع الغيمة الفطرية لانفجار المرفأ، لا تبدو فترة 8 أشهر كافية لكلّ هذه الدراسات والمخططات والخرائط والرسومات الرقمية التقنية، ناهيك عن التواصل الرسمي والبيروقراطي "الكافكاوي" في لبنان؛ فمن هو ذلك المتواطئ المحلي المخفي كليّاً والنافذ جداً، والذي جعل كل ذلك قابلاً للتطبيق في مسرح جريمة ما زالت تلفّه شرائط صفراء مكتوب فوقها "ممنوع الدخول - مسرح جريمة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب