السبت 2023/10/14

آخر تحديث: 10:35 (بيروت)

غـــزّة "الخروج من الهامش"… أو الموت

السبت 2023/10/14
غـــزّة "الخروج من الهامش"… أو الموت
القطاع المقطوع تماماً عن العالم يدفع اليوم ثمناً ثقيلاً لحربٍ لا يُمسك أهله بزمامها.(Getty)
increase حجم الخط decrease
الفقراء وحدهم يدفعون ثمن الحروب، بدءاً بثمن نبال الرصاص وحشوات الصواريخ وبدل أتعاب مطلقيها، وصولاً إلى الموت بحديدها ونارهاجروحٌ ودماءٌ وجوعٌ وعراءالفقير هو حلقة الكوكب الأضعف.

الأثرياء والنافذون لا يدفعونلا يموتونلا يُهَجَّرونهم يتنقّلون بين مآمن هنا وهناكحتّى في أقسى مساحات النزاعات وأشدّها دموية، أحدٌ منهم لا ينام ببطن خاوٍ، أو في العراء.

في غالب الأحيان، أولئك الذين يقرّرون الحروب ليسوا هم من يحاربونربّما لو أنتجت الحضارات باكراً تعويذةً ما، ألزمت صانعي قرارات الحروب بالقتال فيها، لما حوى التاريخ هذا الكمّ الهائل من النصال والنار والدموع والدماءالأثرياء والنافذون يكذبون ويقرّرون والفقراء يصدّقون ويحاربون... فيموتون.

ليست غزّة استثناء للقاعدة القاتمة تلك، بل هي مثال غيّور عليهاالإستثناء الوحيد فيها هو أنّ الغزّاويّين أمسوا كلّهم فقراءهناك لم يبق إلّا الفقر والقهرغزّة هجرَها الثراءيبدو أنّ نظام الغازي الإسرائيلي للفصل العنصري ليس كتيم ثرواتفالتفقير هو مرحلة مبكرة وجوهرية من شرّ مشاريع الجهات المتمَكِّنة في الثراء والنفوذمرحلة يليها عادةً سلبُ سعادة وسلامة وحرية، أو حتّى تاريخ وجغرافيا مجموعة ما من الناس، بعد أن يزيحهم الفقر إلى هامش الإهتمام.

الوقوع في الهامش هو أمرٌ مفرط الخطورةلا عدالة هناك ولا مساواةلا حقوق ولا حقائق ولا قواعد ولا مسلّماتهناك فقط، تسقط حجّة ملكيّة البيت والبستان والذكريات المذيّلة بختم رسميّ عريض، وإرث علنيّ مديد أمام حجّة توراتية مذيّلة بوعدٍ بريطاني وانحيازٍ أميركيهناك يُسلب ابن الأرض حقّ الدفاع عن نفسه ويُهدى لِغازِيههناك أيضاً يُقتل القتيل ثمّ يُقتل مَن يمشي في جنازتهيُجرَح الطفل ليقضي تحت أنقاض مَشفاهفي الهامش، تُقصف المدرسة ثمّ يُعيَّر التلامذة بالجهليُهدم البيت ليُعيَّر قاطنه بالتشرّدويُهجّر وطن بأكمله ثمّ يُعيّر بهشاشة العبّارات وضيق المخيّمات وثقل اللجوء وحلم العودةفقط في الهامش، ترقّ قلوب الأمم جمعاء للبُكاة أمام حائط معبد من التاريخ، وتقسو على بكاء الأطفال خلف آخر حائطٍ للفصل العنصريّ في التاريخ.

القطاع المقطوع تماماً عن العالم يدفع اليوم، مُتخماً بفقرائه، ثمناً ثقيلاً لحربٍ لا يُمسك أهله بزمامهاهم أُغرِقوا فيها بِلا فرصة نفسٍ أخيرٍ ليقاتلوا فيها حتّى نفسهم الأخيرالفلسطينيون عالقون في دوّامات قتل وإبادة مقتدرةٍ ومتوحّشةٍ يستحيل كسرها قبل الخروج من الهامش. قد لا يكون ذلك أقلّ تعقيداً وصعوبة بكثير من تحرير فلسطين، لكنّه مفصليّ.

إمّا الخروج من الهامش… وإمّا الموت الحتميّ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها