الإثنين 2023/03/06

آخر تحديث: 11:51 (بيروت)

من أين تؤكل الكتف؟!

الإثنين 2023/03/06
من أين تؤكل الكتف؟!
مواجهة سطوة السلاح حاجة وطنية ملحّة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يهدر المبتدئون وقليلو الخبرة، غالباً، جهودًا وافرة في غير مكانها، فيما يصيب مراكِمو التجارب والدراية عين الهدف بسهام مشحوذة ومناسبة. لا يتلهّون بالقشور والمخاتلة. هم يعرفون من أين تؤكل الكتف. الخبرة مفيدة في كلّ مجال. في الحياة والأعمال، في التخطيط والمواجهات الحامية والباردة وأيضًا، في السياسة.

ليس نقص الدراية عند القوى الخارجة عن منظومة النهب والقتل، خفيًّا. فالمواجهة تتطلّب إرادة وحنكة وتجارب لا يتّسع الوقت لجمعها. الغول رشيق ومفترس والسهام كليلة. مراكَمة التجارب مسار مضنيّ وطويل، والخطر داهم، والوقت على شفير النفاد. هم يخفقون تارةً للنقاء والأخلاقيات، ويسقطون في البراغماتية تارةً أخرى. أسقطت سذاجة النقاء السياسي خيارًا براغماتيًّا يقتضي تقديم "صلاح حنَين" مرشّحًا يحرج كامل الطَّيف المعارض، فيما عرقل البراغماتيّون مبدئيّة ترشيح الدكتور "عصام خليفة"، في وجه خيبة هتافات الشوارع. اللعبتان جيّدتان، لكنّهما اصطدمتا في وجه بعضهما البعض، بدل مواجهة أكَلة الأكتاف. اصطدمت البراغماتية والنقاء وضيق الحيلة ببعضها البعض، فهزلت الخطط من الألف إلى الياء، مرورًا بالباء. اللعبتان جيدتان، لكنّ اللاعبين لا يعرفون من أين تؤكل الكتف. تبقى إيجابيّة يتيمة في ضيق حيلتهم هذا، وهي أنّهم لن يأكلوا أكتافنا.

يرى كثيرون في لبنان أنّ المرحلة لا تحتمل قلّة الخبرة. يفضّلون وضع أوراقهم في أيدي مخضرَمي السياسة، من أحزاب وزعامات تقليديّة معارضة. يفضّلون المضيّ خلف من يعرفون كيف تؤكل الكتف. سار النوّاب وضّاح الصادق ومارك ضوّ ونجاة صليبا ورامي فنج في خيار ميشال معوّض. لا تكمن الإشكالية الأساس في الأخير، إنّما في إعادة المراهنة على الفشل القيادي لتجربة 14 أذار، رغم "جمال" نفَسها الشعبيّ، في وجه الخطر الأدهم؛ سطوة السلاح. ليس خيار النوّاب الأربعة شرّيرّا، لكنّهم أُحرِجوا بدل أن يُحرِجوا.

مواجهة سطوة السلاح هي حاجة وطنية ملحّة، بحاجة إلى عمق أكاديميّ وسياسيّ، وفوق كلّ شيء، تاريخيّ. التاريخ يقول أنّ سقوط كارتيل إسكوبار إلى الجحيم كان نعيماً لكارتيل كالي، لا للكولومبيّين. شتّان ما بين إحراج الطّيف المعارض في وجهة جحيم السلاح، وبين الإنمحاء في البازار السياسيّ المزمن في لبنان. انمحاء لوحة التغيير هو المنتج الوحيد، حتّى الساعة، للمناورة الرئاسية المعارضة.

كيف تؤكل الكتف؟ نحن لا نعرف. نعرف فقط أنّهم يعرفون. كلّهم يعرفون كيف تؤكل الحرّيّة والسيادة، كيف تؤكل الإرادة والإدارة والمقدّرات الوطنية. ومنهم من يعرف، بمنتهى الحِرفيّة، كيف تؤكل الأرواح، وأكتافنا شهودٌ على ذلك. لم يبق على أكتافنا لحم يسدّ جوع قطّة، ولا دم يروي ظمأ بعوضة. الأجدى بنا أن نسأل: من أكل أكتافنا؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها