الثلاثاء 2021/07/20

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

نقابة المهندسين: أول ضربة قاضية للمنظومة منذ نشأة الميليشيات

الثلاثاء 2021/07/20
نقابة المهندسين: أول ضربة قاضية للمنظومة منذ نشأة الميليشيات
وقف جشع ناهبي الأملاك العامة وماسحي الإرث الثقافي وسماسرة السدود ‏(علي علوش)
increase حجم الخط decrease
في المواجهة العنفية مع الخصم، يقول أنطونيو غرامشي، عليك ضرب نقاط ضعفه، أمّا في المواجهة الفكرية معه، فالأجدى أن تضرب أعتى ما لديه. لم تصل المنازلة، حتّى اليوم، بين منظومة الحكم في لبنان وثورة 17 تشرين إلى مناسيب (جمع منسوب) عنفية مفتوحة، أقلّه من ناحية الأخيرة. فالمنازلة هي فكرية فلسفيّة بين مدرستين لا تجمعهما غير حلبة صراع، وإن كانت بلا حكّام أو قواعد اشتباك. تضرب الثورة نقطتي القوة الجوهريتين لحياة أحزاب السلطة: الإنصياع والإحتكار. انصياع الغالبية الشعبية لسطوتها واحتكار كلّ شيء، من التمثيل الطائفي والمناصب والموارد الوطنية وشِباك التنفيعات والرشى والعمولات إلى صروح التعليم والطبابة وفرص العمل.

كسر ائتلاف "النقابة تنتفض" في نقابة الهندسين في بيروت، بالكدّ والديموقراطية ووحدة المعايير، كل المحرّمات التّي كرّستها السُلطة لتقديس وتمكين وتشريع واستدامة سطوتها واحتكارها. قد لا تبدو الضربة القاضية التّي تلقّتها أحزاب السلطة، متكافلة ومتضامنة، أنها أصابت إحدى نقاط قوّتها، لكن هناك في ذلك أبعد ممّا تراه العين. إنّها المواجهة الأولى، منذ نشأة ميليشيات الحكم، التّي يكسر فيها ائتلافٌ شعبي غير منصاع احتكارَها لقوة العدد والتمثيل وحُسن التنظيم وزمام المبادرة، ويغرقها في مستنقع الضياع والعجز والتبرير وردود الفعل الصبيانية والعقيمة.

نقابة وتنظيم مدني
لهزيمة السلطة في النقابة عوارض جانبية لا تقلّ إيلاماً عليها من إذلال الأرقام الضئيلة لناخبيها، إذ باتت تعاني رهاب الائتلافات الثورية قبل مسافة أشهر من الموقعة النيابية الكبرى، مع هاجس فقدان العلاجات الفعالة له. رفعت ثورة المهندسين مناسيب التحدي وأصاب نقيبها، بحجرٍ واحد، مقعداً نقابياً وآخر في المجلس الأعلى للتنظيم المدني، حيث تُعقد صفقات تمرير المشاريع الكبرى لصالح كارتلات مقاولي الفساد والنهب. مجلسٌ لن يُعجب صوت عارف ياسين أحداً من مُجالسيه فيه. لا شكّ أنّ مالكي الإيدن باي وآخرين من ناهبي الأملاك البحرية والنهرية، وماسحي الإرث الثقافي والعمراني لبيروت والمناطق، وحفّاري صخور نهر الكلب وسماسرة السدود والجسور والطرقات، يحمدون القدير أنّ جزءاً من جشعهم مرّ على النقابة وعلى دوائر التنظيم المدني قبل وصول هذا الصوت الجهر، ويتساءلون: ما العمل عندما يبدي أكثر من 60 ألف مهندسة ومهندس، بمظلّة ثورية، رأيهم في ميزان منافع ومضار مشاريعهم؟ ماذا قد يحصل عندما تشرِّح كتلة من خيرة مهندسي النقابة معامل للطاقة تغذّي حسابات مصرفية أكثر بكثير ممّا تغذي شبكة الكهرباء؟ أو عندما يخرج من أبواب النقابة استشارات ومقترحات وخرائط ودراسات، على مستوى رفيع من التخصص والمهنية، توصل للمواطن مياهاً عذبة من دون مجازر بيئية، وطاقة دائمة ومستدامة، وطرقات آمنة ونفايات مدوّرة ومنتجة، تستند إلى الكفاءة والعلم لا إلى صلات القرابة من أمراء الحرب والطوائف.

الفساد بالبيت النقابي
لم تحظ السُلطة بفرصة لملمة فسادها من البيت النقابي، إذ دخلته الثورة، على حين غرّة، لتطلق ورشة تنظيف أرضه ورفع سقفه وإنارته لفتح أبوابه لعائلة المهنة والتغيير والوطن. لم يعد هذا البيت ملهى للأحزاب تغرقه بالداخلين إلى جهازه التشغيلي بتذاكر الولاء الأبدي لها. لم يعد بإمكانها شراء عقارات بمعدلات استثمار منخفض وأسعار مرتفعة كما حصل بعقار الدامور. أقلق حينها المهندس كميل الهاشم راحتهم بالقانون والقضاء. ماذا سيفعلون بعد واقعة 18 تموز حين دخل إلى مجلسي الهيئة العامة والمندوبين العشرات من أمثال كميل الهاشم؟ كيف ستحمي أحزاب السُلطة كوميسيونات الملايين لعقود التأمين التّي اعتادت احتسابها بين مداخيلها الملتوية والثابتة منذ أكثر من ثلاثة عقود؟

حرّر ائتلاف "النقابة تنفض" صرحاً وطنياً من سُلطة احتلال، حوّلته تدريجياً إلى نسخة طبق الأصل عن الدوائر الرسمية التى تعاني من تخمة الموظفين وتدنّي الإنتاجية في آن. وفي ذلك مفارقة غريبة لا تحصل إلا برعاية هذا الـ"establishment" الأسود.
نقابة الثورة هي، دون أدنى شك، نكبة السُلطة، إذ كسرت، بحرفة مهندس، انصياع النقابة  واحتكارها. ضربة قاضية لأعتى نقاط القوة عند المنظومة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب