الأحد 2023/04/09

آخر تحديث: 07:56 (بيروت)

ذاكرة الستينات-11:تحرر المرأة اللبنانية

الأحد 2023/04/09
ذاكرة الستينات-11:تحرر المرأة اللبنانية
حياة الستينات في وسط بيروت
increase حجم الخط decrease
عندما يكون المستقبل قاتماً، كئيباً إلى هذا الحد، يصبح الترحال في الماضي القريب، علاجاً نفسياً أكثر مما هو تنقيبٌ عن الدروس والعبر. القول إننا كنا هناك، في فترة الستينات، باشراقاتها واحباطاتها، لا يعكس الرغبة بالعودة إلى الوراء. بل مجرد التوكيد على أننا لا نستطيع أن نظل هنا، في عشرينات القرن الحالي من دون ذكريات، يستعيدها الدكتور خالد زيادة، بلغة المثقف، ودقّة المؤرخ، وشغف الباحث... عن مستقبل"... بعد الحلقة الأولى والثانية والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة، والتاسعة، والعاشرة. هنا الحلقة ما قبل الأخيرة.

لو استعرضنا اليوم شريط التطورات في الفترة ما بين سنة 1955 أو 1965، من خلال الصحف أو الصور الفوتوغرافية بالأسود والأبيض، أو الشرائط المصورة، سنلاحظ مدى التغيرات التي شهدها لبنان خلال عشر سنوات بين منتصف الخمسينات ومنتصف الستينات، لقد اختفى الطربوش (عدا طربوشي حسين العويني وتقي الدين الصلح) وكذلك الشروال (إلا من مسرحيات الرحابنة) وتخلّت المرأة عن الحجاب وغطاء الرأس، وحدث تطور ملحوظ في الموضة الرجالية، وخصوصًا النسائية مع موجة التنانير القصيرة.

كان عام 1965 موعد إحالة "ترامواي" بيروت إلى التقاعد، وكان ذلك الإجراء قد اعتُبر في حينه بمثابة قطع الصلة مع أحد رموز عصر مضى، مع التطلّع إلى وسائل نقل أكثر حداثة وسرعة. وكانت ميزة الستينات هي التخلّي والتخلّص مما اعتبر قديمًا وتقليديًا، القدور النحاسية والأسرة الحديدية وأثاث المنزل الموروث، والمكتبات القديمة التي تضم الكتب (التي طُبعت في القرن التاسع عشر وأول العشرين) والتي لا تناسب الأثاث الحديث، كل ذلك ترافق مع الانتقال من الأحياء القديمة إلى المناطق العمرانية الحديثة، مع هجرة كثيفة من الريف إلى المدينة وخصوصًا إلى العاصمة بيروت.

كانت أبرز عوامل التغيير هو التعليم واتساعه وشموله لفئات اجتماعية وسطى ودون الوسط، مع انتشار "أيديولوجية" تعتبر بأن التعليم سبيل إلى الترّقي الاجتماعي، بما يسمح لأبناء الحرفيين والفلاحين وصغار الموظفين أن يصبحوا أطباء، ومهندسين، ومحامين، وأساتذة. أما العامل الآخر فهو اتساع الطبقة المتوسطة إن عن طريق ازدهار الأعمال وتدفق المال الخليجي عبر السياحة العربية أو عبر هجرة العمالة إلى المملكة السعودية ودولة الكويت. ومن عوامل التغيير أيضًا ازدياد ملحوظ في المؤسسات ذات الخدمات الحديثة من المصارف إلى الفنادق والملاهي والمطاعم.

وكانت المرأة اللبنانية أكبر تجليات هذا التطور خلال العقد بين منتصف الخمسينات ومنتصف الستينات، فعدا عن المظهر الخارجي الذي عبّر عن اكتسابها لحرية اجتماعية واسعة، فإن المرأة اللبنانية قد أصبحت جزءًا أساسيًا من نهضة التعليم مع ازدياد أعداد الطبيبات والمدرسات والعاملات في القطاع المصرفي والفندقي والوظيفي. كل ذلك أدّى إلى زيادة في حالات الزواج المختلط الناجم عن المساحات المختلطة التي تجمع اللبنانيين من الطوائف والمناطق المتعددة. وقد ازدادت هذه المساحات، من الجامعات وخصوصًا الجامعة اللبنانية إلى الوظيفة العامة إلى المؤسسات الخاصة.

ونشطت الجمعيات النسائية وحقوق المرأة وبرزت أسماء مثل ليندا مطر ولور مغيزل، وترشحت منيرة الصلح إلى الانتخابات النيابية منذ عام 1960، وأول امرأة دخلت إلى المجلس النيابي هي ميرنا البستاني (1963) خلفًا لوالدها اميل البستاني لمدة سنة واحدة فقط.

في منتصف الستينات كانت الفرصة متاحة لولادة اللبناني الجديد، الذي لا يوحي مظهره بطائفته والمنطقة التي أتى منها، بالرغم من أولئك الذين يصرّون على رسم هويتهم على وجوههم عبر لكنتهم التي يتمسكون بها، فقد ولدت لهجة لبنانية محايدة ساهم التلفزيون في نشرها وتعميمها، وقد اكتسبها ابن المدينة، وكذلك الريفي الذي غادر قريته وسكن المدينة ولم يعد يزور مسقط رأسه إلا في المناسبات وموسم الانتخابات.

(لبنان الجديد)

هذا اللبناني الجديد هو ابن الطبقة الوسطى التي كانت في طور الاتساع، تعرفه من هندامه فهو حريص على اتباع خطوط الموضة وقصة الشعر الشائعة. يحب فيروز في الصباح ويسمع أغاني صباح في الظهيرة ويسهر مع صباح فخري أو أم كلثوم في المساء.


اللبناني الجديد يرتاد المقهى ليشرب القهوة ويقرأ الجريدة ابتداءً من صفحتها الأخيرة ليطّلع على كاريكاتير بيار صادق في جريدة "النهار" ومشعلاني في جريدة "لأنوار". ويتحدث بالسياسة المحلية والعربية بعد أن يتصفح أوراق الجريدة ويتعقب أخبار لبنان والعالم، يصل إلى صفحة الثقافة ليتعرف إلى أفلام الأسبوع. ويتابع ما تنتجه السينما العالمية من إيطالية وفرنسية وأميركية هذا اللبناني حريص أن يرتاد دور السينما مرة أو مرتين في الأسبوع.

كانت ساحة البرج بمقاهيها ومتاجرها ومكتباتها ومواقف سياراتها، ملتقى اللبنانيين الذين يأتون من كل المناطق وهي الحد الفاصل بين الشرقية والغربية، أما علامات الحداثة فكان مسرحها منطقة الروشة بمطاعمها وفنادقها والوافدين إليها من البلدان العربية، أما شارع الحمرا فكان أيقونة الستينات مع افتتاح مصرف لبنان ومبنى جريدة النهار في أوله. ودور السينما والمقاهي خصوصًا الهورس شو، حيث يلتقي الصحافيين بالسياسيين والفنانين والكتّاب. أما فنادق شاطئ البحر فكانت موئلاً للجواسيس على ما يُقال.


في تموز عام 1968، فزت بشهادة البريفة، وكان نظام الامتحانات يقتضي أن نجري امتحانًا شفهيًا في العاصمة بيروت في مدرسة سلمى صايغ بالأشرفية، أنهينا الامتحانات قبل الظهر. وكان لا بدّ لنا نحن الذين صرنا نحمل شهادة تؤهلنا أن ندخل سلك الدرك أو سلك التعليم الابتدائي، من أن نعمّد فوزنا بالجلوس في أحد مقاهي الحمرا لنشرب القهوة. كان ذلك يوم 17 تموز 1968، اليوم الذي أطاح فيه حزب البعث بحكم عبد الرحمن عارف في العراق،  وهذه قصة أخرى من انقلابات العالم العربي في الستينات.

 (*) الصور الأولى في النص جورجينا وفيليسينا رزق وموضة الستينات

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها