الأحد 2023/02/12

آخر تحديث: 07:34 (بيروت)

من ذاكرة الستينات- 3..تمدّد حزب الكتائب وصعود الإمام الصدر

الأحد 2023/02/12
من ذاكرة الستينات- 3..تمدّد حزب الكتائب وصعود الإمام الصدر
الامام موسى الصدر
increase حجم الخط decrease
عندما يكون المستقبل قاتماً، كئيباً إلى هذا الحد، يصبح الترحال في الماضي القريب، علاجاً نفسياً أكثر مما هو تنقيبٌ عن الدروس والعبر. القول إننا كنا هناك، في فترة الستينات، باشراقاتها واحباطاتها، لا يعكس الرغبة بالعودة إلى الوراء. بل مجرد التوكيد على أننا لا نستطيع أن نظل هنا، في عشرينات القرن الحالي من دون ذكريات، يستعيدها الدكتور خالد زيادة، بلغة المثقف، ودقّة المؤرخ، وشغف الباحث..عن مستقبل"... بعد الحلقة الأولى والثانية هنا الحلقة الثالثة:

 

 

وسع القانون الانتخابي العائد للعام ستين، عدد أعضاء المجلس النيابي إلى تسع وتسعين نائبًا. إلا أن هذا العدد لم يكن كافيًا لتمثّل كل العائلات التي تعتبر أنها أحق بتمثيل مناطقها المفصلة على قياس المدن، بيروت وطرابلس وصيدا، والأقضية. ومن هنا فإن التنافس في المدينة الواحدة أو القضاء الواحد لم يكن تنافسًا طائفيًا، ولكنه كان تنافسًا وصراعًا محليًا. علمًا بأن بعض الدوائر الانتخابية معقودة لعائلات بعينها، مثل حمادة في الهرمل والمرعبي في عكار والأسعد في الجنوب، وجنبلاط وارسلان في الجبل والخوري واده والسعد الخ.

وبالرغم من أنّ توزيع المقاعد يتم وفق قاعدة طائفية، إلا أن الناخب في منطقته ودائرته الانتخابية، لا يقترع لهذا الوجيه أو الزعيم باعتباره ممثلاً للطائفة بقدر ما يقترع لابن منطقته ووجيهها، الذي يمّت له بصلات القرابة أو المصلحة أو الولاء، ومن هنا لم يكن هناك تنافس على تمثيل الطائفة، بل على تمثيل المنطقة والدائرة. ولهذا فإن ابن الأسعد في الجنوب لا ينافس ابن حمادة في الهرمل وابن سلام في بيروت لا ينافس ابن كرامي في طرابلس، كان التنافس والتخاصم يتم على المناصب الرئاسية، رئاسات الحكومة والمجلس والجمهورية. وكان زعماء هذه الدوائر الانتخابية يفوزون بدون منافسة جدية.

وكانت الطائفة المارونية التي ارتبط اسم لبنان الكبير بها الأكثر تلبية لنداء التحديث: فاعتمدت النظام الحزبي لممارسة السياسة، حزب آل الخوري الدستوري وحزب آل اده الكتلوي، وحتى خمسينات القرن العشرين كانت الطائفية هي طائفية العائلات. وتنحية بشارة الخوري عن رئاسة الجمهورية عام 1952، شارك فيها سياسيون وأقطاب من كل الطوائف، ولم تثر أي نزاع طائفي. فكان أقطاب الموارنة لا يقلّون حماسة عن سائر الأقطاب السياسيين في التعبير عن رغبتهم في عزله عن الرئاسة.

لكن الثورة على شمعون عام 1958، لم تكن كسابقتها قبل ست سنوات، إذ اتخذت طابعًا طائفيًا مغلفًا بشعارات العروبة مع صعود الناصرية، والوحدة المصرية- السورية. وفي سياق الخصومات الناجمة عن تداعيات الثورة على شمعون، أفسح الرئيس شهاب المساحة السياسية لحزب الكتائب الذي كان حزب الفئات الدنيا في الطبقة المتوسطة في الطائفة المارونية خصوصًا، وعلى هذا النحو يمكن القول بأن حزب الكتائب كان أول من أسهم بنقل الطائفية من طبقة الوجهاء إلى الفئات الشعبية، يستمد منها قوته وتمثيله ويعارض بها وجهاء الطائفة التقليديين، وخلال عقد ونصف العقد من الزمن أصبح حزب الكتائب عشية الحرب عام 1975، الحزب الأكثر تمثيلاً للطائفة المارونية.

والظاهرة الأخرى التي شهدتها أعوام الستينات والعهد الشهابي، قدوم السيد موسى الصدر واستقراره في لبنان عام 1959، وسرعان ما أصبح وبالكاد تجاوز سن الثلاثين من أبرز الشخصيات الدينية نشاطًا وانفتاحًا على الطوائف الأخرى، وأسس داخل الطائفة العديد من الجمعيات الخيرية والاجتماعية، وكان المؤسس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عام 1966، والذي أقرّه مجلس النواب عام 1967. وكان للسيد موسى الصدر الدور الرئيسي في إقحام رجل الدين في السياسة، بعد أن كانت مهمات التمثيل النيابي والحكومي منوطة بالعائلات التقليدية في الجنوب، مثل الأسعد والخليل والزين. وصولاً إلى تأسيس حركة المحرومين عام 1974، وحركة أمل عام 1975. وعلى غرار الطائفة المارونية، انحسر النفوذ السياسي للعائلات التي تحتكر التمثيل الطائفي، وأصبح للطائفة حركتها الشعبية التي تضّم جمهورًا واسعًا من الساخطين على الإقطاع السياسي.

وإزاء هاتين الظاهرتين الطائفيتين- السياسيتين، داخل الطائفة المارونية والشيعية. ظهرت الحركة الوطنية التي تشكلت من مجموعة من الأحزاب، أبرزها الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الشيوعي وحركة القوميين العرب، وما كان لهذا اللقاء أن يتم لولا التحولات العقائدية في ستينات القرن العشرين. فمن المعلوم أن حركة القوميين العرب ذات الهوى الناصري، كانت تناصب الشيوعية العداء، ولكن العلاقات بين الاتحاد السوفياتي ومصر التي توطدت بعد مساهمة السوفيات في بناء السدّ العالي، وتبنّي عبد الناصر للخيار الاشتراكي كان له تأثيره على حركة القوميين العرب التي تحولت تدريجيًا إلى الاشتراكية، فصار اللقاء مع الشيوعيين ممكنًا.

وتحولت أحزاب الحركة الوطنية من الشعارات السياسية العريضة إلى المطالب الحياتية، ودعمت تحركات المزارعين في مؤتمر بتخنيه عام 1966، ومزارعي التبغ، وعمال مصانع غندور، وطلاب الجامعة اللبنانية. وعلى هذا شهدت سنوات الستينات تحولاً في الحياة السياسية من الشعارات الأيديولوجية إلى النضالات القطاعية. وكان برنامج الحركة الوطنية حتى ذلك الحين يستهدف النظام الرأسمالي وما سمي آنذاك طبقة "الكومبرادور" دون أن يستهدف بنية النظام الطائفي.

وعلى هذا النحو شهدت الستينات تطورين متعارضين الأول داعم للتحركات العمالية والطلابية والقطاعية، والآخر يعمّق الانتماء الطائفي عبر الخدمات التي تجذر الولاء للطائفة. ودخل الحركة السياسية في السنوات الأخيرة من الستينات مع بروز المقاومة الفلسطينية فعادت الحركة الوطنية إلى الشعارات الوطنية، وضمّت في صفوفها مؤيدين من كل الطوائف إلى الحد الذي دفع مُنح الصلح إلى القول: إن الحركة الوطنية ذات قيادة درزية بجمهور شيعي في الشارع السني بشعارات فلسطينية، بينما حزب الكتائب آنذاك والحلف الثلاثي يعمل على الإسراع في إنهاء التجربة الشهابية والتصدّي للوجود الفلسطيني في لبنان.

وقد استشعر فؤاد شهاب نفسه عمق المعضلة اللبنانية عقم محاولات الإصلاح. ففي البيان الذي أعلن فيه عزوفه عن الترشح لانتخابات الرئاسة عام 1970، رأى بإن: "المؤسسات السياسية اللبنانية والأصول التقليدية المتبعة في العمل السياسي لم تعد في اعتقادي تشكّل أداة صالحة للنهوض بلبنان، وفقًا لما تفرضه السبعينات في جميع الميادين، ذلك أن مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي سعيًا وراء فاعلية الحكم. وقوانيننا الانتخابية التي فرضتها".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها