الأربعاء 2015/01/21

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

مسرحية "الأيام الخوالي".. الزمن لعبة الذاكرة

الأربعاء 2015/01/21
مسرحية "الأيام الخوالي".. الزمن لعبة الذاكرة
العرض يناقش من خلال ثلاث شخصيات ديلي الزوج وكيت الزوجة والصديقة آنا حالة الفراغ التي يعيشها المجتمع الغربي،
increase حجم الخط decrease
قدم المعهد العالي للفنون المسرحية (*) مسرحية "الأيام الخوالي"، من إخراج عمار منيف محمد (خريج قسم الدراسات المسرحية) عن نص للكاتب البريطاني هارولد بنتر...

العرض يناقش، من خلال شخصيات ثلاث، "ديلي" الزوج و"كيت" الزوجة والصديقة "آنا" (كامل نجمة، رنا كرم وهلا بدير)، حالة الفراغ التي يعيشها المجتمع الغربي، فمن خلال الحوار الذي يدور بين الشخصيات، نتتبع مسار حياتهم الفارغة حيث يتداخل الزمن والذكريات ليصبح الحوار مجرد تداعيات وتذكر أقرب الى سرد أفقي خالٍ من الانعطافات الدرامية كتجلٍّ لصراع بين الأفكار والشخصيات وتناقضاتهم، تقع المسرحية في فصلين الأول غرفة الجلوس والثاني في غرفة النوم.

المسرحية خالية من أي حدث... الحدث الوحيد هو قدوم زائرة (صديقة) الى منزل الزوجين ضمن لعبة مسرحية، فهي لم تأت من الخارج كما هو من المفروض واقعياً، بل خرجت أو تجلت كوهم كان في الماضي واقعاً لذلك هي تدخل في الحوار والى غرفة الجلوس وكأنها بالأساس موجودة بين الزوجين..

في بداية المشهد الأول، يتساءل الزوج عن الضيفة القادمة التي عاشت يوماً ما مع زوجته وهما شابتان صغيرتان (الشخصيات تظهر أنهن في الأربعينات من العمر)، وتحكي الزوجة كيف كانت "آنا" تسرق ملابسها الداخلية، لكنها لا تتذكر تفاصيل مهمة أخرى عنها إن كان في مظهرها أو عاداتها في الأكل والشرب والسلوك... رغم أننا نعرف من خلال حوار الزوجين بأنها كانت صديقة كيت الوحيدة بينما آنا كانت متعددة الصداقات.. وفي سياق الحوار الهادئ بين الشخصيات الثلاث نعرف كيف تم التعارف... حيث يأخذ الحديث عن الفيلم المصري "الكيت كات" وبطله محمود عبد العزيز، حيزاً كبيراً نسبياً، من الفصل الأول لكونه شكل حدثاً مهماً للثلاثة، فالزوج يعتبر أن محمود عبد العزيز كان عبقرياً في دوره فهو مستعد لأن يرتكب جريمة من أجل محمود عبد العزيز... وهو من كان السبب في تعارف الزوجين... في النص الأصلي بطل فيلم "الرجل الغريب" هو روبرت نيوتن، يستبدله المخرج بمحمود عبد العزيز في فيلم "الكيت كات"، كما يتركز حديث الشخصيات عن المقاهي التي كانوا يرتادونها وخاصة المقهى الخاص بالفنانين والكتاب والشعراء والمشاهير.

تتحدث آنا من ذاكرتها، كيف عادت من الخارج فوجدت رجلا غريبا في الغرفة يدفن رأسه بين يديه ويبكي وقبالته جلست كيت مع قهوتها... لم يحفل بها أحد من الجالسين لذلك تمضي الى فراشها.. تستيقظ آنا من نومها فتجد الرجل وقد وضع رأسه في حضن كيت...

ينتهي الفصل الأول فتظلم الخشبة ويتبدل الديكور لنجد أنفسنا في الفصل الثاني في غرفة نوم بسريرين وكل من ديلي وآنا تجلسان على سرير بينما كيت في الحمام.. يتحدث الاثنان عن حمام كيت وكيف تنشف جسدها، تقول آنا: تبقى قطرات من الماء على جسد كيت فهي لا تنشف جسدها تماما. وتسأل ديلي: هل تساعدها في تنشيف نفسها؟ يأخذ الحديث عن حمام كيت وقتا وندخل في تفاصيل وذكريات هامشية لا قيمة لها في الحياة...

يشرح ديلي لآنا عن غرفة النوم عبر ثرثرة فارغة "نحن ننام هنا. هاتان هما الفرشتان، الشيء العظيم في هاتين الفرشتين هو أنهما قابلتان لأي عدد من الأوضاع". وبعد الدخول في متاهات وتفاصيل صغيرة عن حياتهم الماضية نرى الثلاثة في مشهد النهاية، ديلي تكور كالجنين على نفسه وآنا تستلقي على السرير وكيت جالسة على أحد السريرين ويسبقه مشهد ديلي وهو يدفن رأسه في حضن كيت...

حافظ المخرج عمار محمد على توجيهات الكاتب الإخراجية ولم يحاول قسر النص على مستبقات ما في ذهنه أو استعراضات لا تتآلف مع النص السهل الرتيب، فالعرض يتشكل من تهويمات ذاكرة ثلاثة أشخاص تتداخل فيها الحقيقة والوهم عبر تكنيك لعبة الزمن فلا ندري إن كان ما يتحدثون عنه ماضيا أم حاضرا، لذلك تبقى الإضاءة طوال العرض شبه ثابتة وكذلك الديكور. ففي الفصل الأول ثمة نافذة في العمق وأريكتين وطربيزات وبعض الإكسسوارات القليلة، في حين لم تتنوع حركة الممثلين ضمن الكادر (الميزانسين) فقد كنا أمام بعض الخطوات والجلوس والوقوف أحيانا، وصيغة الحوار الهادئة والرتيبة فرضت هدوءا في حركة الممثلين... وكذلك في الفصل الثاني حيث تغير الديكور الى سريرين منفصلين بينما استمرت الإضاءة بالثبات وكذلك إيقاع الممثلين، فالنص وطبيعته الخالية من الأحداث فرضت إيقاعا بطيئا على العرض رغم أن المخرج استطاع إضفاء بعض الغموض على الشخصيات، مما شحن النص بقليل من التشويق، جعل المشاهد ينشد الى العرض ويتابعه في محاولة لاكتشاف هذه الشخصيات بماضيها وحاضرها.. أي استطاع عمار محمد تقديم قراءة عميقة لنص هارولد بنتر العادي والممل وخاصة في تجسد الشخصيات وإسنادها لثلاثة ممثلين موهوبين هم كامل نجمة ورنا كرم وهلا بدير، اذ قدموا أدوارهم بهدوء وعفوية تناسب تركيبة الشخصيات النفسية والجسدية الصعبة، فليس هناك من مساحة لعب للممثل أو تنويع صوتي وحركي ونفسي لكون شخصيات المسرحية سطحية عادية وحتى حوارها لا يتضمن أي موقف أو فكر ما... فكل الحوار مجرد تداعيات لذكريات وسرد لتفاصيل شخصية تحدث مع كل الناس وفي أي زمان...

(*)قدمت بالتعاون مع مؤسسة "مواطنون فنانون" التي تديرها الدكتورة ماري الياس، في مسرح سعدالله ونوس. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها