الخميس 2015/02/05

آخر تحديث: 20:29 (بيروت)

مجندون سوريون عن حملة "عيشها غير": سرّحونا لنلحق نعيش!

الخميس 2015/02/05
increase حجم الخط decrease

فيما يتواصل الصراع العسكري في سوريا، وتخضع المعركة لـ"توازن الضعف"، بحسب تعبير الاستراتيجيين، و"توازن الرعب" بالنسبة إلى المواطن السوري، أطلقت جهات غير رسمية (مدعومة حكومياً) مخيلتها للبحث عن سلاح جديد، ربما يبدل مشهد الركود السياسي والاقتصادي ويقلب موازين القوى، وذلك بتعديل مزاج الجمهور التواق للحظة أمان لا يسمع فيها أصوات الهاون ولا أزيز الرصاص أو أصوات الطائرات..

السلاح الجديد، هو حملة إعلانية، تحمل رسائل طمأنة، لعبة التفاؤل، حيث الإيهام بالفرح ومحاولة الفصل بين عالمين داخلي نفسي، وخارجي واقعي، وهو بمثابة اللعب على المشتهى بعيد المنال للمواطن السوري. فمنذ بداية العام الجديد 2015، ضخت الآلة الإعلامية في شوارع دمشق لوحات كبيرة ومضاءة وبمختلف الأحجام، كتب عليها: "2015 عيشها غير" مع مشاركة مقاطع الفيديو المتلفزة والبرامج الإذاعية ومواقع التواصل الاجتماعي..!

شاركت غالبية المؤسسات الحكومية في هذه الحملة لصنع تفاؤل، ولو كان كاذباً، بالعام الحالي، علّ التفاؤل يغيّر من واقع مقيم منذ بداية الأحداث- الأزمة، أي تغطية الواقع المر بوهم الفرح لنسيان الموت والغلاء وندرة المواد وهدير الاشتباكات في كل مكان. وما أشبهه بتحريض طفل جائع على التفكير بالعصافير والفراشات واللعب لإسكات صرخات أمعائه الخاوية؟!!

ولم تكد حملة التفاؤل تبدأ، حتى شوشت الحكومة على نفسها وعلى خطتها النفسية عبر إطلاق حزمة أسعار جديدة لمشتقات الوقود في خطة جديدة لرفع الدعم عن بعض المواد، والتي بدأت قبل سنوات (المازوت- الخبز- الغاز...)، مترافقة مع شح في المحروقات. فالسيارات شكلت طوابير طويلة على محطات الوقود تصل أحيانا لأكثر من كيلومتر! وقرب هذه المحطات، إنتشرت اللوحات التي تحمل عبارات "عيشها غير" و"بتقدر تعيشها غير"، و"هيك كنا وهيك لازم نضل"، و"متل ما قدرنا بتقدر انت".

الحملة التفاؤلية، وبهدف زيادة فعاليتها، دُعِمت بآيات قرآنية وبمقاطع من الإنجيل. ففي كل معركة، لا بدّ من الاستناد الى الدين لإعطاء أي خطوة بُعد إيماني يقطع الطريق على أي متشكك مخلخل النوايا. إذ نقرأ على لوحات إعلانية عملاقة "من يعمل مثقال ذرة خيراً يره.. صدق الله العظيم"، وتساندها عبارة أخرى من إنجيل يوحنا: "لا يكون من الله من لا يحب أخاه". هنا تلجأ الحكومة للنص الديني لتضفي على حملتها مصداقية، هي نفسها تشكك فيها!

وتناغما مع "عيشها غير"، قدمت مؤسسات وجهات حكومية وخاصة عروضاً وحسومات على خدماتها، لكن هذه "التنزيلات" كانت مدعاةً للسخرية من قبل متابعيها. إذ تقدم قناة "سما" الفضائية، على سبيل المثال، فرصة تدريب 50 طالب من كلية الإعلام، والكثير من الجمعيات الأهلية والمدارس بدأ بتنفيذ حملات نظافة داخل المدن وإزالة الأنقاض المتراكمة وأطلق حملات تشجير الغابات المحروقة.

كما بدأ اتحاد المصدّرين بمبادرة لتأمين المازوت للمصانع لمدة شهر.. وتحاول مؤسسة "سندس" (المؤسسة العامة لتوزيع المنتجات النسيجية) إقامة مهرجانات تسوق في عدد من المدن، بينما تحضر غرفة تجارة ريف دمشق عدداً من المبادرات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي وتشارك وزارة النقل بالحملة من خلال التسهيلات التي تقدمها للمواطنين والمتضمنة تخفيضات على تذاكر الطيران ومنح سندات تمليك السيارات مجاناً، وإعفاء المتجاوزين على أراضي المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية والخط الحديدي الحجازي من غرامات الإشغالات التي لا تضر بها!

كما أعلنت وزارة الإعلام انضمامها إلى الحملة عبر تقديم دورات مجانية في معاهدها ومؤسساتها ومحطاتها، وحسومات كبيرة على الإعلانات وتغطية شاملة لكل فعاليات الحملة، وشاركت صحيفتا "تشرين" و"الثورة"، في الحملة عبر حسم بنسبة 20% على المطبوعات التجارية، وحسم 15% على الإعلان لمدة 6 أشهر، وحسم 20% على الإعلان لمدة سنة مع اشتراك مجاني طيلة فترة الإعلان. وأعلنت وكالة سانا للأنباء عن إقامة دورات تدريبية لحوالي ثمانين طالب من كلية الإعلام حول الصحافة الالكترونية، تشمل التدريب على الكومبيوتر ICDL  والتعامل مع وسائل الإعلام باستخدام الانترنت والتدريب على تحرير الأخبار ونشرها في المواقع الالكترونية.

ومع هذا الواقع الذي يعيشه المواطنون، جاءت حسومات الجهات الداعمة للحملة مدعاةً للسخرية من قبل المواطنين؛ وأطلق مَن قدّموا أنفسهم على أنهم مجندون في الجيش، عبر "فايسبوك"، دعوات طالبوا فيها بتسريحهم "ليعيشوا غير"، حملت عنوان "سرحونا.. ممكن تعيشها غير". ونقرأ في تعليق آخر: "أصحاب مبادرة عيشها غير.. عيشوها إنتو غير بالأول... شعبنا مو عايش ليعيشها غير... سرحونا بالأول ممكن نلحق نعيش... بعدين منفكر نعيش غير". وجاء في أحد التعليقات أيضا: "أي مسؤول أو فروعه وأصوله... يولد في مشافي خارج البلد، يدرس خارج البلد، استشفاؤه خارج البلد، سياحته خارج البلد.. الشيء الوحيد الذي يفعلونه في البلد، سرقة البلد... عيشها غير"! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها