الخميس 2015/03/12

آخر تحديث: 14:35 (بيروت)

"قهوة مرّة" لحازم حداد: حرب السلالم طولاً وعرضاً

الخميس 2015/03/12
"قهوة مرّة" لحازم حداد: حرب السلالم طولاً وعرضاً
أقرب إلى عروض الحكواتي منه الى المونودراما، حيث غاب العمق عن رسم الشخصية وصراعاتها
increase حجم الخط decrease
يستهل الفنان حازم حداد عرضه المسرحي، في مسرح الحمراء-دمشق، بأغنية الفنان التونسي لطفي بوشناق: "أنا مواطن وحاير.. أنتظر منكم جواب/ منزلي في كل شارع. وفي كل ركن وكل باب/ واكتفي بصبري وصمتي. ثروتي حفنة تراب/ ما أخاف الفقر لكن كل خوفي من الضباب/ ومن غياب الوعي عنكم. كم أخاف من الغياب/ أنا حلمي كلمة وحدة يضل عندي وطن/... لا حروب لا خراب لا مصايب لا محن/ خدو المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن"...

تشدّ الأغنية الجمهور بينما الصالة معتمة، في حين يسيطر الصوت الرخيم القوي لبوشناق على تركيز الجمهور فتشي الأغنية بموضوع العرض قبل المشهد الأول.

ينتمي العرض إلى المونودراما، ويستعيض الفنان حداد، بالإكسسوارات والديكور والإضاءة، عن الشخصيات الأخرى باستخدام المخاطب الغائب في محاولة لإشغال فضاء الخشبة الواسع. فخشبة مسرح الحمراء تبدو في "قهوة مُرّة" كلباس واسع على جسد نحيل، لذلك لجأ المخرج والممثل حداد إلى وضع قطع ديكوره واكسسواراته في مقدمة الخشبة مع ترك العمق فارغاً ومعتماً ليبقى الحدث وحركة الممثل أقرب ما يمكن إلى الجمهور. كما لجأ الممثل إلى الرقص الحلبي والغناء والنزول إلى الجمهور في الصالة والصعود إلى الخشبة لدعم عناصر العرض، التي تبدو فقيرة إن لم تُزيّن بالفن الحلبي خاصة، إلى جانب أن فن المونودراما يحتاج قدرات استثنائية في التمثيل، إن كان في الحركة أو الصوت أو القدرة التلوينية في الأداء، ليقنع الجمهور. ويكثف الممثل الواحد تعدد الأصوات بصوته، ليقنع الجمهور باستطاعته التعويض عن غياب الممثلين المجسِّدين للشخصيات الأخرى. هذا الفن المسرحي كما هو معروف برع فيه كممثل الفنان زيناتي قدسية، خصوصاً بالنصوص التي كتبها الراحل ممدوح عدوان (1941-2004) مثل "حال الدنيا" و"الزبال" و"القيامة"...

تروي "قهوة مرّة" قصة أبو سمعو، المواطن السوري الحلبي، بائع القهوة المُرّة في الأعراس والشوارع، الذي عايش تفاصيل الحرب السورية في مدينته حلب، حيث يتنقل من حاجز إلى حاجز ومن دمار إلى دمار، وفي سياق البحث عن ملاذ آمن يفقد أبو سمعو زوجته برصاصة قناص ويموت ولده الصغير وتتزوج ابنته من دون علمه لتقيم في أحد مراكز الإيواء، وليجد نفسه وحيداً وحزيناً، فيقرر العودة إلى بيته المدمر رغم كل الأخطار والاشتباكات التي من الممكن أن يتعرض لها وهو في حيّه.

يتحدث أبو سمعو عن جيرانه (متعددي الطوائف) والعيش المشترك والحب والوئام الذي كان بينهم قبل الأحداث. ثم يستعرض صراع الأطراف ولغة التخوين المسيطرة عند كل طرف، وكيفية تعامل الحواجز العائدة لكل الأطراف. فيعرف - عند سؤال ابنه عما تعني كلمة موالاة أو معارضة - أن المعارضة هي التي تحمل السُلَّم بالعَرض، أما الموالاة فهي التي تحمل السُلَّم بالطول. بينما الشعب هو السُلَّم في سعي واضح من خلال السرد إلى إدانة أطراف النزاع ومسؤولية الجميع بما حل بالبلد، وكأن الشعب هو الطرف الثالث الخاسر في هذه الحرب المدمرة.

تسيطر المباشرة على حكاية العرض، في شكل أقرب إلى ما نراه في نشرات الأخبار والصحافة الالكترونية والوسائط الاجتماعية، أي لم يستطع الفنان حداد الغوص في عمق (الأزمة – الأحداث) واستشفاف مآلاتها، وإنما بقي في حالة وصف ما جرى ويجري، مع الدعوة إلى الحب والتضحية والعودة لحضن الوطن (يجسدها في مشهد عودته إلى بيته رغم دمار أغلبه)، هذه الدعوة الرومانسية تحاكي الخطاب الحكومي الرسمي الداعي للعودة إلى الصراط المستقيم وجادة الصواب... وعفا الله عما مضى..

ثمة عروض مسرحية حاولت تقديم مقترح فني مسرحي يوازي الحدث المأسوي، خلال السنوات الأربع الماضية، لكن قلة منها استلهمت الحدث بعمق فكري وبلغة فنية تقترح حلولاً بصرية ملفتة تتجاوز الواقع العياني من خلال استخدام متقن لأدوات المسرح من سينوغرافيا ومؤثرات وإضاءة وتمثيل.

ورغم الفكرة البسيطة والنص العادي المباشر في "قهوة مُرّة"، إلا أن حازم حداد كمخرج وكممثل، استطاع إشغال الخشبة بحركته وبتعامله الذكي مع الديكور والإكسسوارات، من خلال تمكّنه من الشخصية الحلبية الشعبية، إضافة مثلاً إلى توظيف ذكي لحبل الغسيل والثياب المعلقة عليه والتي "أدّت" أدوار شخصيات غائبة. إلا أن "قهوة مرة" ظلت أقرب إلى عروض الحكواتي منها الى المونودراما، حيث غاب العمق في رسم الشخصية وصراعاتها النفسية والتشظي الروحي الذي نتج عن الأحداث في كل فرد سوري. استطاع حازم حداد توظيف أدواته من صوت وجسد وحركة، ليكون بأدائه متفوقاً على باقي عناصر العرض، خصوصاً النص الذي بدا هو الأضعف في "قهوة مرة".


(*) "قهوة مُرّة" إنتاج: مديرية المسارح والموسيقى
نص وتمثيل وسينوغرافيا وإخراج: حازم حداد
دراماتورغ: أسامة السيد يوسف
الإضاءة: نصر سفر
الديكور: ممدوح عباس
الإعلان: زهير العربي
الصوت: فؤاد عضيمي
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها