الثلاثاء 2014/08/05

آخر تحديث: 15:07 (بيروت)

"خارج السيطرة".. مجتمع مهزوم ومسرح حيادي؟!

الثلاثاء 2014/08/05
increase حجم الخط decrease
عرضت أخيراً على خشبة المسرح الدائري في المعهد العالي للفنون المسرحية (مسرح فواز الساجر)، مسرحية "خارج السيطرة"، وهو عرض التخرّج لطلاب السنة الرابعة في المعهد. النص لوائل قدور (خريج الدراسات المسرحية 2005) الذي وجده المخرج وعميد المعهد سامر عمران، مشرف الدفعة، مناسباً لمشروع تخرّج كونه يتضمن عدداً كبيراً من الشخصيات التي يمكن تقديمها على الخشبة بما يسهم في إتاحة الفرصة لطلاب الدفعة لاظهار مهاراتهم وقدراتهم كممثلين في باية طريق الاحتراف.

عمران اشتغل على النص مع طلابه لاعداده كي يناسب هدف العرض كمشروع تخرج من خلال ضبطه درامياً وإعادة صياغته بما يتوافق مع مجموعة العرض وهذه هي المرة الأولى التي، كما أعتقد، يعتمد عرض تخرج في المعهد على نص محلي محض خصوصاً أنه لكاتب شاب.

يتحدث العرض عن "عزيز" (كنان حميدان) القادم من قرية نائية ليغسل شرف عائلته وقريته الذي "وسخته" أخته "عليا" (ولاء العزام) بزواجها من شاب من خارج طائفتها. بوصوله إلى المدينة، يواجه "عزيز" مونولوج السائق "أبو هيثم" (ريمي سرميني) الذي يروي بلا كلل قصصه ومشاهداته لبنات هذا الجيل العاطل و"قلة شرفهن". هذه الصورة التي تعزز عند الشاب صوابية سعيه لقتل اخته. فما يرويه أبو هيثم هو تكثيف لمدينة الضياع و"الفسق" المفترض انها دمشق... في حين تعيش "عليا"، في قلق وخوف من أي حركة قرب الباب كما لا يفارق القلق زوجها "وسام" (مهران نعمو)، الذي يحاول تهدئة خوف الزوجة من طيف شقيق يلاحقها، ويحاول الزوج اقناع زوجته بأن دمشق تحمي من يلجأ إليها وتخبئه في حاراتها الحميمة. أما "لبنى" (مي السليم)، فتعيش شكلاً آخر من القمع، إذ يحرمها تعصب أخيها "علاء" (مغيث صقر) من اكمال دراستها الجامعية. ومن خلال مرافقة أمها المريضة في المشفى، تقع في حب أستاذ الفلسفة "فراس" (حسن دوبا) الذي يتحدث بصورة غريبة (فيها الكثير من الفذلكة)، وهو شخص له عالمه الخاص المصنوع من الشعر والمقولات والمتأثر بقراءاته. إنه شخص يعيش بهلام وأوهام تنقذه من عالم واقعي قاس، وينتهي به الأمر مردداً بسخرية مأساته أمام "لبنى" التي تنتحر فوق سرير أمها المريضة.

وفي صورة أخرى للمرأة المسحوقة، يقدم العرض شخصية "سلوى" (هلا بدير) العاهرة التي يعاشرها "عزيز"، وتقع في حبه بعد مرضه، فتعتني به، فهي تسعى إلى الحب والاستقرار والرضوخ للمجتمع في صورة الرجل الشرقي الآمر الناهي هرباً من حياة هي فيها مجرد متعة لعابري الأسرّة. في مَشاهد "عزيز" تتكثف ازدواجية الرجل الشرقي وفصامه، فهو يبحث عن أخته ليغسل عاره الآتي من زواجها خارج القبيلة، وفي الوقت نفسه يعاشر عاهرة، ثم يحبها وينصحها بالعودة الى الشرف والفضيلة.

شخصيات العرض خائفة، مهزومة. كل منها يختبئ داخل نفسه. المجتمع المنقسم إلى قبائل وطوائف، مع سلطة تسعى إلى تأبيد هذا الانقسام بقوانين تتواطأ مع القتلة (جرائم الشرف). هذه الشخصيات المأزومة نتاج طبيعي لإرث ديني سياسي اجتماعي لا يعترف بأي حرية فردية ولا يقيم أي وزن لخيارات الافراد وتنوعهم وغناهم. فهم مجرد قطيع مطيع للراعي. هذه البنية التي تنتج سلطة سياسية أدت إلى كل ما نشاهده الآن من خراب وتفتيت للمجتمع، كان تماسكه السابق مجرد قشرة رقيقة متماسكة بفعل السيطرة الأمنية. إنه مجتمع قابل للإنفجار في كل لحظة وباتجاهات ماضوية مجهضة لأي مشروع تنويري ديموقراطي...

في العرض، تنقل لنا شاشة في عمق الخشبة تركيز الكاتب على أوراقه. فما يكتبه يتجسد مَشاهد أمامنا، حيث يتم الربط بين ما تشاهده العين من لعبة أمامها، وبين ما يقوم به قلم الكاتب وورقته. إذن، نحن أمام تداخل بين واقع قاس ومخيلة كاتب. هذا التداخل بين المستويين يدخلنا في لعبة العرض والإيهام بأن ما نراه هو مزيج من خيال وواقع...

العرض، وفي كل مشهد فيه، يقول لك إنه من صنع سامر عمران. روح عرضه اللافت "المهاجران" مبثوثة في المسرحية، إن كان في الحوار أو الفضاء العام، أو في مدة العرض (أكثر من ساعتين) ووقوعه أحياناً في مطب التطويل والثرثرة بلا هدف درامي واضح. ومع ذلك، كان عرضاً متقناًن بدءاً من إعداد النص وحتى المشهد الأخير، حيث الانتقال السريع بين المَشاهد والحوار الرشيق الكوميدي الشيق، وبساطة الديكور وتعبيريته المميزة في كل لوحات العرض، والاستخدام الذكي للشاشة وتقنية الفيديو المتواشجة مع العرض.

الملفت في مسرحية "خارج السيطرة"، الازدحام الشديد للجمهور في صالة المخرج فواز الساجر. فالكثيرون حضروا العرض وقوفاً، وكأن ما يجري خارج القاعة يحدث في بلد آخر، ما يشي بأن مسرحنا أقرب في كل عروضه إلى الحيادية، رغم ما تطرحه العروض من أفكار تنويرية حداثية وسعي المسرح كفنّ إلى تكريس ثقافة الحياة والفرح والمتعة...
increase حجم الخط decrease