السبت 2020/03/28

آخر تحديث: 16:22 (بيروت)

كورونا مصر: ملايين العائلات تغرق في الفقر

السبت 2020/03/28
كورونا مصر: ملايين العائلات تغرق في الفقر
© Getty
increase حجم الخط decrease
اضطر مصطفى لفتح سنتراله الصغير، صباح الجمعة، رغم قرار حظر التجول الكامل المفروض في عموم البلاد؛ لأن أوضاعه المالية لا تتحمل إغلاق مصدر دخله يومين متتالين.

ويقول مصطفى، وهو صاحب سنترال بإحدى قرى صعيد مصر، إن تداعيات فيروس كورونا أثرت بشكل كبير على عمله حيث بات مضطراً لإغلاق سنتراله منذ الخامسة مساء في الأيام العادية، لافتاً إلى أن المشروعات الصغيرة لا تتحمل تبعات هذه القرارات.

وضربت تداعيات انتشار فيروس كورونا اقتصاد المصريين في مقتل بعدما قلّصت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة مداخيل البعض وأفقدت البعض الآخر مصدر رزقه بشكل كامل.

وتواصل السلطات المصرية تطبيق إجراءات صارمة للحد من انتشار الفيروس الذي بات يمثل هلعاً للمصريين بعدما بلغ عدد المصابين 495 إصافة إلى 24 وفاة وفق الإحصاءات الرسمية.

ومع بدء سريان حظر التجول الجزئي الأربعاء 25 آذار/مارس حيّز التنفيذ فقد كثير من عمال اليومية جزءاً كبيراً من مداخيلهم بسبب تقليص ساعات العمل، فيما جرى تسريح عدد كبير من العمال.

ولم تقتصر تداعيات الأزمة على عمال اليومية فقط لكنها امتدت إلى المزارعين والتجار والعاملين في الشركات أو المؤسسات المملوكة لأفراد، بسبب قرار الحظر.

ويقول مصطفى ل"المدن": "أخشى التعرض للغرامة (4 آلاف جينهاً) لكنني أحاول توفير مصروف اليوم قبل وصول دوريات الشرطة إلى القرية".

مصطفى ليس وحده الذي يعاني تداعيات الوباء، السائقون أيضاً يواجهون أزمة كبيرة بسبب إجراءات الحظر؛ فالسيارت تتوقف تماما عن العمل يومي الجمعة والسبت وتعمل نصف يوم في بقية الأسبوع.

رضا، يعمل سائقاً على سيارة أجرة، يقول ل"المدن": "السيارة كان يتناوب عليها سائقان في اليوم، كل سائق 12 ساعة. الآن السيارة تعمل وردية واحدة بسبب الحظر الجزئي وتتوقف تماما يومي الجمعة والسبت. أنا أعمل يوماً وزميلي يعمل يوماً أي أنني أصبحت أعمل 11 يوماً في الشهر وهذا يعني خسارة ثلثي دخلي الشهري".

سلامة (31 عاما)، سائق آخر، يعمل داخل القاهرة يقول ل"المدن"، إنه "كان يعمل على سيارة ميني باص، وإن العمل توقف بشكل شبه كامل بسبب تعطيل الدراسة من جهة وحظر التجول من جهة أخرى". ويضيف "صاحب السيارة عرض علي العمل يوماً والتعطيل يوماً مقابل خمسين جنيهاً في الوردية (12 ساعة)، أي العمل 11 يوماً في الشهر بـ550 جنيهاً. هذا الأجر لا يغطي تكلفة السكن حرفيا".

واضطر سلامة للعودة إلى بلده حتى انتهاء الأزمة لكنه مطالب بتسديد التزامات شهرية، كما أنه لا يستحق الدعم الحكومي لأنه يملك رخصة قيادة مهنية، أي أنه يعتبر موظفاً.

الأمر نفسه ينطبق على باعة متجولين وعمال يومية وعمال مقاهي ومطاعم كلهم اضطروا للجلوس في منازلهم بسبب عدم قدرة أصحاب العمل على دفع مرتبات شهرية لهم في ظل ساعات عمل محدودة، وهلع من الوباء دفع الناس لالتزام بيوتها ما أثّر سلباً على هذه القطاعات الصغيرة.

وتحاول الحكومة تطمين ملايين المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأنها ستتخذ إجراءات تعوضهم عما تعرضوا له من خسائر جراء الأزمة، لكن حتى الساعة لم يروا شيئاً.

وتطبق أجهزة الدولة حظر التجوال بصرامة حتى في القرى الأمر الذي لا تفلح معه أي محاولة للتحايل. فيما فتحت الحكومة باب التسجيل على الانترنت لمن هم دون عمل تمهيداً لصرف إعانة بطالة قيمتها 500 جنيه (35 دولاراً).

غير أن هذه الإعانة لا تفي بتوفير الحد الأدنى من سبل العيش للأسر الفقيرة كما يقول كثيرون؛ ففضلا عن زيادة الأسعار التي ترتبت على تعويم الجنيه قبل ثلاث سنوات، فقد ارتفعت الأسعار مجدداً بسب كورونا. وقفزت أسعار اللحوم من 90 جنيهاً إلى 120 جنيهاً للكيلو، كما ارتفعت أسعار الدواجن من 26 جنيهاً إلى 35 جنيهاً للكيلو. وارتفعت أسعار الخضر بشكل طفيف.

على الجهة الأخرى، يعاني أصحاب المشاريع الصغيرة أيضا حالة كساد كبيرة بسبب الأزمة، واضطر كثيرون لإغلاق أعمالهم جزئياً أو كلياً بسبب تراجع المبيعات. وتعاني كثير من محال البقالة نقصاً في السلع بسبب عدم وفرة العمالة لدى تجار الجملة؛ الأمر الذي أثر سلباً على نسبة المبيعات وعلى هامش الربح.

وقال أحد تجار الجملة ل"المدن"، إن التأثير يطال الجميع بلا استثناء لأن ساعات العمل تقلصت بنسبة الثلثين عملياً، الأمر الذي لا يمكن معه تحقيق أي ربح. وأوضح أنه كان يشغّل 30 عاملاً اضطر لتقسيمهم إلى مجموعتين كل منهما تعمل نصف شهر؛ منعاً لانتشار الوباء والتزاماً بقرارات الحكومة؛ لأنه لا يستطيع حشد هذا العدد داخل المخازن في وقت واحد.

لكن هذا الأمر، كما يقول، أدى إلى تراجع المبيعات لديه من جهة ونقص السلع عند المحلات المتعاملة معه من جهة أخرى، لأن ساعات العمل لا تكفي لتلبية كافة الطلبيات بسبب تقليص ساعات العمل.

في السياق، لجأ كثيرون من أصحاب المقاهي إلى الإغلاق الكامل بسبب تراجع المبيعات فيما لجأ آخرون إلى تقليص العمالة بمقدار النصف لمواجهة الركود. وقال صاحب أحد المقاهي بالقاهرة ل"المدن"، إنه خفّض العمال إلى النصف بدايةً، لكن العمل في ظل خوف الناس من المرض جعله يغلق المقهى بشكل كامل لأن المبيعات متدنية جداً ولا تسد نصف النفقات.

وأضاف أن "الأجور وتكلفة التعقيم المتواصل واستبدال الفناجين الزجاجية بأخرى ورقية يجعلني أخسر أكثر من 500 جنيه يومياً؛ لأن ذروة العمل تكون في المساء كما أن الشيشة (تم حظرها) تمثل نصف دخل أي مقهى على الأقل".

يعوّل المصريون اليوم على آمال بأن تنتهي أزمة فيروس كورونا قريباً. العودة إلى الانتاج هي ما يشغل بالهم في ظل وجود ملايين العائلات التي لن تجد قوتها اليومي إن لم تعمل. وفي محاولة من الحكومة لتخفيف وطأة الأزمة لا تبدو أمامها أي فرص للنجاح.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها