الخميس 2015/12/24

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

طلاب "المجالات الأكاديمية" يبحثون في الحياة والهوية

الخميس 2015/12/24
طلاب "المجالات الأكاديمية" يبحثون في الحياة والهوية
التخصص في العلوم الإستدلالية أو المجالات "الأكاديمية" ليس سهلاً (أرشيف: علي علوش)
increase حجم الخط decrease
من بين الإشكاليات المرتبطة بتحديد الهوية عند الشباب، تبدو "المهنة" الأكثر تعقيداً، أي تصنيف المرء وحصره في خانة راكدة نسبةً إلى مهنته. ومن بين هؤلاء، الشباب المتخبطين بحثاً عن الهوية، هناك أفراد اختاروا أن تكون "المهنة" هي البحث عن الهوية.


ليس سهلاً التخصص في العلوم الإستدلالية أو المجالات "الأكاديمية"، خصوصاً في هذا المكان من العالم. ورغم سؤال "ليش طلعتي هيك؟" الذي يطرحه عليها مجتمعها، مقارنةً بأشقائها الذين اختاروا مجالات كإدارة الأعمال والتصميم الغرافيكي، لا تزال نور تنير متمسّكة بإختيارها التخصّص في مجال الفلسفة. لم تُشجّع تنير لتختار ما اختارته، إلّا أن أحداً لم يردعها عنه أيضاً. لكن "الجلوس وحيدة في الصفّ كطالبة سنة أولى فلسفة، لم يكن شيئاً يُطمئن البال" كما تشير، بحيث أنها كانت الطالبة الوحيدة التي دخلت إلى مجال الفلسفة بداية السنة الدراسية الحالية في "الجامعة الأميركية" في بيروت.

"أنا لا أعلم ما أريد، لهذا اخترت الفلسفة، لكي أفهم نفسي، أريد أن أعرف أكثر"، تردّد تنير، معرّفةً المجال بأنّه "طريق للوصول إلى الحقيقة. وإن حصل ووصلت إليها، أنتقل إلى الشك بماهيتها". تُدرك تنير أنها لن تتخرّج من المجال وبيدها مفتاح المعرفة، لكن الإنخراط في مجتمع الفلسفة المصغّر في الجامعة، من طلاب المراحل المتقدمة والأساتذة، ساعدها كثيراً على أخذ فكرة عمّا ستكون عليه سنواتها المقبلة، خصوصاً من ناحية "النجاة في العالم الخارجي مع شهادة فلسفة". لا تفكّر تنير اليوم بالمهنة، بل هدفها الوحيد اليوم هو الإنخراط في المجال والتخرّج بفهم واسع فيه.

مثل تنير، لم يكن رامي الخليل (إسم مستعار) واقعياً بالنسبة لما ستكون عليه مهنته بعد التخرّج من الجامعة، اذ "كنت أعتقد أن الوضع أسهل مما هو عليه في الواقع"، كما يقول. واليوم، وهو متخرّج حديث في مجالي علم النفس والفلسفة يرى أن "لديّ صعوبة مضاعفة مقارنة بالصعوبة التي يواجهها غيري من اللبنانيين، لكوني طالباً سورياً مقيماً هنا".

في البدء، دخل الخليل إلى "الجامعة الأميركية" للتخصّص في علم النفس، إلّا أنه لم يجد فيها "السحر" الذي كان يتوقعه، فتسجل في صف الفلسفة، ليقرّر بعدها أن يتخصّص في المجالين معاً. "الفلسفة قرّبتني من علم النفس والعكس صحيح، وبعد التخصّص في المجالين معاً بت متأكداً أكثر من خياري، وسعيداً به"، وفق الخليل. أما أكثر ما دفعه للدخول إلى الفلسفة، فهي الأسئلة الأخلاقية، شارحاً "كان أول الأسئلة لديّ يتعلّق بسوريا، فمثلاً هناك حاكم دكتاتوري، وهناك مواطنون أرادوا إزالته، وإضطروا إلى إستخدام السلاح، فقام الحاكم في المقابل بفرض عقاب جماعي على المدن. فما الموقف من المقاتل الذي حارب الحاكم؟ هل أخطأ بتصرفاته أم لا؟".

 المتوقع من طالب متخصص في علم النفس هو أن يصبح معالجاً نفسيّاً، "لكن هذا ليس ضرورياً أبداً"، يفسّر الخليل ويضيف أن هدفه المثالي هو أن يكون لديه منصبٌ أكاديميٌ في الجامعة والتفرّغ للتدريس والبحث. حالياً، يعمل الخليل مع بروفسور له في الجامعة على بحث ومن دون أيّ مردود مالي، شارحاً أهمية أن يكون لديه منشور بإسمه، إضافة إلى تدريس اللغة الإنكليزية في مدرسة للاجئين السوريين في لبنان. ورغم أنه غير مكتف بما يقوم به، إلّا أنه مدرك أنه عمل مؤقت، بإنتظار قبول طلبه لإكمال دراساته العليا والتخصّص بـ"Cognitive Science أو علم الإدراك" في احدى الجامعات خارج لبنان.

أمّا جاد الحاج، وهو طالب علم الاجتماع في "الجامعة اللبنانية"، فيعاني من مشاكل مختلفة عن تلك التي تقلق طلاب "الأميركية". يسلّم الحاج بأن إختياره لإختصاصه هو تحدٍ، ولكن المعضلة الأساسية، وفقه، "التهميش الذي يحصل في حق طلاب هذا الإختصاص من قبل الجامعة، فلا اهتمام بكليتنا (فرع الروشة)، وبمجرد مقارنتها مع مجمّع الحدث، سيظهر الإهمال الذي نعاني منه. فالمبنى سيئ، وغير مجهّز إطلاقاً، لا مكيفات ولا تدفئة، رائحة الحمامات تصل إلى الصفوف الدراسية..".

ويرى الحاج أن التقصير في حق هذه المجالات ليس إلّا صورة عن كيف ينظر المجتمع اليها، فهي "لن تنتج مهناً تَدخل السوق وتحصّل أموالاً"، مشيراً إلى عناصر تُبيّن عدم أخذ الإختصاص على محمل الجدّ من قبل الكثير من الطلاب، فـ"خلال الشرح يكون عدد الطلاب لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وفي الإمتحانات نكتشف أن لدينا حوالى 40 أو 50 زميلاً. بالإضافة إلى أن العديد من الطلاب يدخلون المجال لأنهم يعتبرونه سهلاً، ساعين وراء أيّ شهادة جامعية". ورغم ذلك، فإن الحاج يؤمن بخياره لما يقدّمه له من معلومات ترضي إهتماماته في المجال الفكري، طبيعة الإنسان، التاريخ والإقتصاد.

بعكس الجميع، كانت نور مخلوف مدركةً لما تطمح إليه مهنياً قبل دخولها في اختصاص العلوم السياسية في "الجامعة اليسوعية". فـ"منذ صغري وأنا أحلم بمهنة في الأمم المتحدة، وهذا كان حافزي للدخول إلى الإختصاص". لكنّ مخلوف تعاني أيضاً من سوء فهم لاختيارها للإختصاص، والذي يُترجم أحياناً بالضحك أو الاستهزاء بعد قولها إنها تدرس العلوم السياسية، مؤكدة أن لا مخاوف كثيرة لديها لجهة إيجاد عمل، فـ"دوماً نرى أوراقاً معلّقة في الكليّة تحمل فرص عمل لطلاب اختصاصنا". أمّا المعضلة الوحيدة بالنسبة لها، فهي أن دروس الجامعة ترتكز بشكل كبير إلى النظري بدلاً من العملي، فـ"خلال تدرّبي في جمعية سكّر الدكانة خلال الصيف، طُلب مني كتابة تقرير، وفي الجامعة لم نكتب تقريراً من قبل، فكانت لديّ صعوبة في إنجازه، وهذا ما يقلقني بعد التخرّج، أي أن تكون كل معلوماتي معتمدة على الحفظ والنظريات، لا الممارسة".

من وجهة نظر أخرى، يؤكد مدرس الفلسفة في "الجامعة الأميركية" عمر تلحوق على صعوبة الإنخراط في المجالات الأكاديمية مختصراً رأيه في جملة واحدة: "لن يكون طالب علم الرياضيات فاشلاً إن أخطأ في حلّ معادلة ما، اذ انه سيتعلّم حلها بطريقة أخرى. ولكن إن أخطأ طالب أكاديمي بشرحه لمفهوم الحياة مثلاً، ستكون النتيجة أن مفهومه للحياة فاشلٌ، وهذه كارثة لن تكون وطأتها سهلة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها