السبت 2015/12/19

آخر تحديث: 12:19 (بيروت)

غلاف الكتاب العربي.. استهلاك المستهلك

السبت 2015/12/19
غلاف الكتاب العربي.. استهلاك المستهلك
يفترض بالغلاف أن يكمل معنى عنوان الكتاب لا أن يكرره (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

كنت أحمل كومة كتب بيدي اليسرى، وباليد اليمنى أبعثر الكتب المرتّبة على الرف بحثاً عن كتاب "لا تنبت جذور في السماء". لا طبعات جديدة للكتاب. أخبرني صاحب المكتبة أن عليّ أن أفتش في الكتب القديمة علّي أجده. لم أجد الكتاب، لكنني وجدت آخر لونه أبيض، عنوانه مكتوب بخط يشبه الخطوط العربية القديمة، وأسفله رأس صغير لماعز مرسوم باللون البني، وهو كتاب سليم بركات "أرواح هندسية". لم أقرأ بعد لبركات، ولم يكن هو من أبحث عنه. إلّا أن الغلاف الذي وجدته لم يتبعثر كغيره من الكتب. الرأس الصغير في أسفل الغلاف، المساحة البيضاء التي لمعت بين الكتب المزدحمة بالألوان، والخط العربيّ القديم، كلها عناصر جذبتني لأحمل الكتاب، ويصير ملكاً لي.

بدا واضحاً أن مصمم الغلاف لم يكثر من العناصر ليعبّر عمّا يسرده الكتاب، بل أبرز عاملاً واحداً قويّاً. وكان غموض الغلاف نتيجة لخليط هذه العناصر القليلة. بالإضافة إلى أن استعمال هذه العناصر ليس عبثاً، فتبدو كأنها مقتطفات من الماضي، كالخط المستعمل لكتابة العنوان وأسلوب الرسم. فكلّ ما يملك رائحة من التاريخ، لا بد أن يحمل أسراراً. وهذا ما بدا كما لو أنه استثناء، اذ غالباً ما يطغى على تصاميم أغلفة الكتب أسلوب موّحد، تملّ منه العين حين تمر أمامه، وهو يركن إلى تكرار مميت لعنوان كبير في أعلى الغلاف، اسم الكاتب، ثم صورة أو رسمة داخل مربّع أو دائرة في الوسط. أو صورة مركبة أدخل اليها العنوان واسم الكاتب عنوةً، من دون أيّ تناغم بين عناصر التصميم.

وتشير رانيا المعلّم، مسؤولة قسم التحرير في "دار الساقي"، إلى انه من النادر أن تلفت انتباهها أغلفة الكتب العربية، متحدثةً عن الكتب المنشورة في "الساقي" وغيره، مضيفةً: "كثيراً ما نضطر إلى إعادة تصميم بعض الأغلفة لفشلها في جذب انتباه القرّاء". فـ"الكتب في نهاية الأمر سلعة، طبعاً نتحدث من الناحية التجارية والتسويقية"، تقول المعلّم، وتؤكد على ضرورة أن يكون غلاف الكتاب فعالاً قبل أن يكون جميلاً. "قد يكون هناك تصميم جميل، أو لوحة جميلة، إلّا أن هذا التصميم أو اللوحة قد لا يكونا نافعين لغلاف كتاب. ذلك أن الغلاف يجب أن يكون واضحاً، منظّماً، وتبرز فيه عناصر أساسية مثل عنوان الكتاب واسم كاتبه".

أمّا التحدي الأكبر، بالنسبة للمعلم، فيطرح عند نشر الدار لكتاب كاتب جديد. "اذا كان الكاتب مشهوراً، فالقارئ سيطلب كتبه قبل النظر إلى الغلاف، أمّا في حالة الكتّاب الجدد، فعلينا الإهتمام أكثر بالتصميم وكيفيّة إبرازه بين الكتب المصفوفة على الرف".

في المقابل، يرى عمرو الكفراوي، وهو فنان تشكيلي ومصمم مصري، أن اللوم يقع بنسبةٍ كبيرةٍ على دار النشر في ما يخص سوء تصميم أغلفة الكتب. فيشير إلى أنه "مراراً ما تم رفض تصميم جميل عملت عليه، حيث يطلب مني أن استبدله بآخر أضعف منه، أو التعديل على التصميم نفسه وتحويله إلى غلاف سيئ، بحجّة أن الناس العاديين لا يقدّرون الفن". هكذا، تبدو كثير من دور النشر، وفق الكفراوي، عالقة في "الصورة النمطية في حكمها على ذوق القراء والمهتمين بالكتب، إضافةً إلى رفضها لأي تصميم تجريبي يقدم أسلوباً جديداً، أو يخرج عن الأسلوب الكلاسيكي في التصاميم".

وبالرغم من وجود الكثير من الفنانين والمصممين البارزين في العالم العربي، إلّا أن الكفراوي يرى أن "العوالم غير مترابطة". أي أن لا علاقات مشتركة بين الكتّاب والمصممين، ما يجعل إنتاج الغلاف مسؤولية دار النشر وحدها. لكن في المرحلة الأخيرة، على ما يلاحظ الكفراوي، "بدأ الكتّاب الشباب يتدخلون في إنتاج تصميم غلاف كتابهم، أو حتى اختيار فنان معين ليصممه لهم". مع ذلك، يمكن القول، وفقه، أن "السنوات العشر الأخيرة حملت تطوّراً ملحوظاً في أغلفة الكتب العربية، وذلك يعود إلى تطوّر إهتمام دور النشر بأغلفة الكتب لتأثيرها على المبيعات".

بعكس الكفراوي، تفضّل جنى طرابلسي، وهي فنانة ومصممة لبنانية، الأسلوب القديم في تصميم الكتب، السابق على سيطرة "فن الديجيتال"، والذي كان يعتمد على الرسم والكتابة يدوياً، ما يخلق هوية خاصة لكل كتاب، مذكرة بأعمال الفنان المصري محي الدين اللباد. تقول طرابلسي: "قديماً، كان من يُنتج أغلفة الكتب هم الفنانون، أمّا اليوم فلا حاجة لأن تكون فناناً، اذ يكفي أن تملك مهارات استخدام برامج التصميم مثل فوتوشوب وغيره، لتتمكن من تصمّيم غلاف كتاب. وهذا ما ساهم في فقدان التميّز بين غلاف وآخر، وإلى خلق سوق استهلاكية لأغلفة الكتب، ترتكز إلى استخدام الترتيب نفسه، والخط نفسه حتى".

وتشير طرابلسي إلى أن "سوق الكتب اليوم يريد الأغلفة المزدحمة بالعناصر، لهذا نرى كثيراً من الأغلفة تُضيِّع العين حين ننظر إليها. والمشكلة لا تكمن بالضرورة بكثرة العناصر، بل بسوء ترتيبها وعدم الإنتباه إلى أبسط قواعد الإدراك البصري". لكن أكثر ما يزعج طرابلسي هو التكرار، فـ"نحن لسنا بحاجة إلى تكبير حجم العنوان إلى نصف الصفحة حتى نبرزه، اذ هناك أدوات (خدع بصرية) أخرى يمكننا استخدامها، لكن غالباً لا نجدها في الأغلفة المنتشرة في السوق، مثل الإبراز من خلال اللون، الموقع والتضاد بين العناصر".

وتنتقد طرابلسي غياب الترابط بين العناصر المكتوبة والصورة (الرسمة)، فـ"اذا كان العنوان يتحدّث عن الموت، لا ضرورة لوضع صورة مقبرة على الغلاف، فالعنصر الصُوري يفترض به أن يُكمِّل العنوان، أو يضيف إليه معنى، لا أن يكرره".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها