الإثنين 2021/06/14

آخر تحديث: 19:14 (بيروت)

مهندسو الشمال: شمولية السلطة تهزم ديموقراطية الثورة

الإثنين 2021/06/14
مهندسو الشمال: شمولية السلطة تهزم ديموقراطية الثورة
دفعت الثورة فاتورةً غياب الأطر التنظيمية وتعثّرها القاتل بحصر إرث مرشّحها الراحل رياض غزالة (المدن)
increase حجم الخط decrease
تُفصِح الشاشة العملاقة في مركز اقتراع مهندسي طرابلس والشمال، الأحد الماضي، عن أكثر بكثير من معدلات حصاد المرشحّين للناخبين وترتيبهم. العملية الانتخابية هي فصل شاسع في كتاب علم السياسة. والأقوى ليس حصراً من يعلو الشاشة بأرقامه، ولا اللائحة التي تُضاء أسماء نزلائها بالأزرق هي، بالضرورة، المُثلى. قراءة شاشة النتائج على ضوء خافت لشمعة المنطق تختلف كليّاً عن قراءتها على ضوء مشعٍّ لمصابيح العاطفة والغريزة والخبث.

اصطياد النقيب
يُجمع السواد الأعظم من أهل النقابة الشمالية على أنّ الفرحة العارمة للائحة رجل الأعمال "بهاء حرب" بالفوز ليست فرحة نقابية. يتهامس كثيرون، حتى من ناخبي الرجل، بأنّه ليس نقابيّاً البتة. ويمازح آخرون أنّه استعان بخاصية "share location" للوصول إلى مبنى النقابة في منطقة الضمّ والفرز في طرابلس عند انطلاق رحلته لاصطياد مركز النقيب فيها. يمثّل "النقيب" بهاء حرب كل ما ترفضه ثورة 17 تشرين، بدءاً من عهده الرديء على رأس بلدية تنورين والتراخيص العشوائية التي أصدرها وفقاً لمحسوبيات سياسية ومصلحية، مروراً بتراخيص عديدة  لمقالع في نطاق محمية أرز تنورين يوم كان مؤتمناً على حمايتها. وختاماً بالرِشى المذلّة للمهندسين المتعثّرين بالتزاماتهم المالية تجاه النقابة، ناهيك عن انتحال صفة المستقل الثوري فيما حَبَك كل أشكال الصفقات مع كافة قوى السلطة والفساد في الشمال.

نكبة المهندسين
وصل النقيب الجديد على متن بساط سحريّ لتوليفة هجينة أقرب إلى المسخ فرانكنشتاين منها إلى تحالف سياسي. وقفت خلفه القوى الحزبية الأكثر انتشاراً في الشمال؛ تيار المستقبل والقوات اللبنانية وتيار المردة. وكان التيار الإصلاحي، المنشقّ عن الجماعة الإسلامية، حبة الكرز فوق قالب، مقيت الطعم، من الحلوى. في زمنٍ ما، قبل 17 تشرين، كانت هذه التوليفة لتكون تزكيةً شاملة لأي تحالفٍ مماثل، لكنّ الثورة جعلت من ذلك الزمن شيئاً من الماضي. فهي، وعلى الرغم من انقسامها الثلاثي، فرضت معركةً جدّيةً أبقت فرانكنشتاين منهمكاً حتى آخر ثواني فرز الصناديق. قد تكون أحزاب السلطة ربحت القرار في نقابة المهندسين، لكن الأخيرة خسرت فرصة دخول أكفّاء مستقلين على غرار حسّان خليل وسهير ليلا ووائل زمرلي وأنطوني عازار؛ تلك هي نكبة المهندسين.

ديموقراطية قاتلة
دفعت الثورة فاتورةً باهظةً لغياب الأطر التنظيمية فيها، ولتعثّرها القاتل بحصر إرث مرشّحها الراحل رياض غزالة بعد استسلامه لفيروس كورونا. خاضت 17 تشرين الانتخابات منقسمة إلى لائحتين ونصف اللائحة: لائحة انتفاضة النقابة مع الثوار مرسيل منصور وحسان خليل وشربل غصن. ولائحة طوني فغالي المستقلّ الذي لاحقه شبح شقيقته أورور المقربة من الوزير جبران باسيل، حتى نهاية السباق. ولائحة نصف مستقلة برئاسة النقيب السابق فؤاد ضاهر، البعيد تماماً عن الأحزاب، ومعه الثورية سهير ليلا والشيوعي ابراهيم نحال ومنشقّين عن تيار  المستقبل. عاند الضاهر الثورة رافضاً إبعاد مرشح الحزب القومي السوري ألكسي منصور، ودفع ثمن عناده. غرقت مجموعات الثورة في ديموقراطيتها فيما عامت أحزاب السلطة فوق شموليتها. كادت الأولى، وهي غرقى، أن تطيح بالثانية وهي بكامل أناقتها الميليشياوية والشمولية والتنظيمية والمالية.

قالت أرقام الشاشة العملاقة في معرض رشيد كرامي، إنّ عملاق الثورة قزّم أحزاب السلطة على كل المستويات، إذ دفعها مرغمةً إلى رصف تناقضاتها. كادت الثورة أن تطيح بالمستقبل في عكار وطرابلس، وبالقوات في بشري، وبالمردة في زغرتا. الثورة تقضّ مضاجع أحزاب السلطة، كلّ في عقر داره. ليس الفوز للثورة غايةً تبرّر وسائل ملتوية، فالمواجهة هي، في نهاية المطاف، بين الديموقراطية والنقاشات والتعددية وبين الشمولية والميليشياوية والفساد. والغد لناظره قريب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب