السبت 2023/04/08

آخر تحديث: 09:14 (بيروت)

حرب الفصائل القصيرة الأمد

السبت 2023/04/08
حرب الفصائل القصيرة الأمد
الصواريخ "الجهادية" استغلّت الوقت الفلسطيني، وأهملتْ الحسابات اللبنانية(Getty)
increase حجم الخط decrease
 

الصواريخ "الجهادية" التي انطلقت من الأرض اللبنانية، استغلّت الوقت الفلسطيني، وأهملتْ الحسابات اللبنانية. هو تكرار لنظرية "فلسطينية" قديمة اعتمدت أسلوب التوريط، لكنه تكرار في غير زمانه، ولو أنه دار في لبنان، الذي ما زال ساحة يتشارك العبث في أرجائها، صاحب البرنامج الخارجي، وشريكه، صاحب المصلحة الداخلية.

من الماضي
عندما عصفت الهزيمة بالأنظمة العربية سنة 1967، أنتعشت نظرية الرّد على العدو الغاصب الإسرائيلي، من خلال الحرب الشعبية الطويلة الأمد، تأثّراً بالتجربة التحرّريّة الصينية، واقتفاء لأدبياتها ولتكتيكاتها. يومها، كان القتال الشعبي، على طريق تحرير الأرض واستعادة فلسطين، حاجة لجماهير عربية واسعة، فقدت الثقة بقدرة أنظمتها على الرد على الهزيمة، وكان القتال حاجة نظامية لتنفيس الاحتقان الشعبي، من خلال احتضان مضبوط بدقة للعامل الفلسطيني الناهض، ومن خلال إعلان الاستعداد قتاليّاً "لإزالة آثار العدوان".

كان الضبط والانضباط، قاعدة الأنظمة في التعامل مع الحركة الوطنية الفلسطينية المسلّحة، في مصر وسوريا والعراق، ولم يتأخّر الأردن عن ضبطها، ثم طردها، بعد معارك أيلول عام 1970، أما عرب ما بعد "دول الطوق"، فقد اكتفوا بالدعم المالي النقدي، واللوجيستي العيني، فاشتروا بذلك "سلامة ونفوذاً"، في غرف العمليات الفلسطينية، السياسية منها والعسكرية.

خارج الضبط العربي العام، كان لبنان ساحة الحريّة العملانية والسياسية للحركة التحرّرية الجديدة، بأجنحتها الفلسطينية، وبأحزابها اليسارية والقومية اللبنانية. اجتمعت في لبنان وبتلازم وثيق، الضرورة الملحة لحرية العمل الفلسطيني، والاستفادة القصوى لليسار، الذي سارع إلى إعلان شعار فتح كل الحدود أمام الثورة الفلسطينية، وإلى اعتناق مبادئ وأساليب حرب الشعب الطويلة الأمد... لقد بات معلوماً اليوم، أن رحلة الحرب الشعبية لم تعمّر طويلاً، بل كسرتها الحرب الأهلية في لبنان، ثم وضع الاجتياح الصهيوني الأرض اللبنانية سنة 1982، نقطة ختام تلك الرحلة القصيرة.

من الحاضر
انتقل الفلسطينيون وحركتهم الوطنية إلى الداخل الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو الشهير، فاوضوا، أَمِلُوا، ثم انقسموا، ثم اقتتلوا، فبات لهم اليوم "كيانان"، أحدهما اسمة "السلطة"، في جزء من الضفة الغربية، والثاني اسمه "السلطة" في قطاع غزة، وبين السلطة والسلطة، اختلاف وخلافات، يبدأ من الخلفية النظرية، ويتمدّد فوق كل المساحة العملية، ويتجاوز الداخل الفلسطيني إلى تحالفات وارتباطات خارجية. ولأن الأمر أمر سلطات، يدور الصراع، المعلن والمكتوم، حول امتلاك القرار الفلسطيني، والتحكّم بإدارة دفّة سياساته، وفي حين يتنامى عجز "السلطة الوطنية"، التي ورثت الحركة الوطنية الفلسطينية، ممثلة بمنظمة تحريرها، فإن "الحركة الإسلامية"، ممثلة بحركة حماس وحركة الجهاد، تجمع أوراقاً عديدة، وتكرّس مواقع نفوذ متنامية، وهي في هذا السبيل لم تتورّع عن الالتحاق بالخارج، فاستقوت به، وسهَّلَت له عملية إلقاء القبض على قسم وازن من أوراق القضية الفلسطينية.

وفي لبنان
لقد فرضت تطورات ما بعد انتقال الثقل الفلسطيني إلى الداخل نفسها على منظمة التحرير الفلسطينية، فأعلنت هذه الأخيرة احترامها للسيادة الوطنية اللبنانية، وإلى النزول تحت سقف القوانين الوطنية، وإعلانها تجنّب كل ما يسيء إلى مصلحة "الأشقاء" في لبنان. لقد تعاملت "السلطة الوطنية الفلسطينية" تعاملاً "دولتيّاً" مع لبنان، من خلال أطرها الرسمية، ومن خلال الهيئات التمثيلية لشعبها الموجود في لبنان.

في المقابل، لم يكن ذلك أسلوب "الحركة الإسلامية" التي صارت سلطة، فهذه اعتمدت المزاوجة بين قشرة سياسية ديبلوماسية، تكتفي من علاقاتها مع النسق الرسمي اللبناني بإعلان حسن النوايا اللفظي، وتنسق تحالفاتها وخطواتها وسياساتها، مع "المقاومة الإسلامية"، أي مع حزب الله في لبنان، ومع مرجعيته في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. حصيلة هذا النهج، أن "الحركة الإسلامية الفلسطينية" بجناحيها "الحماسي والجهادي" نقلت مفهوم الساحة الخاص بلبنان، من أدبيات فلسطينية فات أوانها، إلى أدبيات "سياسية إسلامية، يجدّد "الإسلاميون" زمانها. والحال يقع الموضوع الساحاتي المتجدّد، موقع خطأ سياسي كبير، لا يخفّف من وطأته حشد الأسباب الداخلية التي دفعت "الحركية الجهادية" إلى إطلاق صواريخها من لبنان، في اتجاه فلسطين، ومن ذات المواقع التي كانت تستخدم في حقبات نضالية تعود إلى حقبات القرن المنصرم.

الآن اللبناني
توجّس الرأي اللبناني الغالب، من التجاوز على الوضع اللبناني الصعب، ومن فقدان حسّ المسؤوية "التضامنية"، لدى الفصائل التي قامت بالقصف الصاروخي. جرى التعبير عن التوجّس بإعلان الخوف المشروع من ردّات الفعل الإسرائيلية، وبإعلان استنكار التصرف وإدانته، لجهة التوقيت، ولجهة الأسلوب، ولجهة إسقاط "اللبنانيين" من حسابات السياسات الفصائلية. على أكثر من صعيد، قوبل العمل الصاروخي بالعزلة السياسية والشعبية، ولم يخفف من ذلك الربط بين العملية "الإسلامية" الفلسطينية، والمقاومة الإسلامية اللبنانية، فحزب الله، العالم بالأمر، أو المسهّل له، أو المحبّذ لحصوله، نأى بأدبياته عن التصريح الداعم، أو المبرّر، وهو وإن فعل ذلك، لم يقلّل من صفة العزلة التي أحاطت بالعمل، فتأييد "المقاومة" هنا، "للمقاومة" هناك، هو حديث ضمن البيت الواحد، أي أن الداعم والمدعوم "أمّة واحدة". نورد استطراداً، ومن خلاصات الحالة اللبنانية، إن المقاومة اللبنانية خسرت من "جمعها الوطني"، عندما سادت نسختها المذهبية، فهذه صارت صَنوَ الفئوية الأهلية، تصنيفاً وتوصيفاً. والقضية الفلسطينية بدورها، وعلى ذات الخط، خسرت عندما "تأسلمت" على يد "جهادييها"، فصارت فئوية لا تشبه "تكوينية" السردية الفلسطينية، ولا تشبه شعبها المتعدّد الأطياف، فكراً وثقافةً، وسياسات داخلية وقومية وأممية.

رأي
من منطلق المصلحة الوطنية اللبنانية، نقف ضدّ التجاوز "الحركي الجهادي" على هذه المصلحة ومن منطلق تهديد الاستقرار الداخلي، الذي يحتاجه لبنان، على كافة الصعد.
ندين اللعب بهذا الاستقرار، وفي خضم البحث عن مسائل تعيد جمع اللبنانيين حول مشتركات للخروج من مأزقهم الصعب، نستنكر كل عمل يفاقم المصاعب بمصاعب فئوية ضيقة.

يحتاج لبنان إلى استعادة هدوئه، بعد حقبات من البذل إلى جانب الحركة الوطنية الفلسطينية. استعادة الهدوء في لبنان، واستقامة شؤون دولته، دعم أساسي للشعب الفلسطيني، من موقع الشراكة في القومية وفي الإنسانية، وفي العدالة، وفي حق انبعاث وتكريس الشخصية الوطنية المستقلة، في دولة ذات حدود وذات علم، وذات سيادة وطنية.

ليس للبنان ما يقدمه إضافة الآن. ليس "لجهادي" أن يزايد على الوطنيين اللبنانيين في هذا المضمار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها