السبت 2024/04/13

آخر تحديث: 09:10 (بيروت)

نيسان اللبناني: داخل افتراق ينتظر الخارج

السبت 2024/04/13
نيسان اللبناني: داخل افتراق ينتظر الخارج
لا فئة ناجية من تهمة التلاعب بالكيانية اللبنانية (Getty)
increase حجم الخط decrease
تقدم الوضع اللبناني خطوات على طريق نزع أغلفته التجميلية، فبان التزوير الحقيقي، الذي يشكل أساس بنيته، ويغطي بالديماغوجيا والإيديولوجيا والثقافة، كافة المجالات الحياتية و"الوطنية". المقصود بالتزوير هنا، كل العناوين الكبرى، لأنها مطروحة في أسواق البيع الأهلية، على غير حقيقة "قماشتها"، ولأن سعر الطرح بخس، ولأن بورصة الأثمان محكومة بالمؤشرات الطائفية والمذهبية فقط، وعلى وجه الحصر والتحديد. على منهج الإجمال، الوطنية اللبنانية العامة، إسم مزوّر للفئويات الأهلية الخاصة، إذ ليس صحيحاً البتة، أن الطائفة أو المذهب، أو ما لفَّ لفهما وانتسب إليهما، يرقى إلى مستوى مخاطبة المدى الوطني الفسيح. تحت سقف التزوير بالجملة، هناك تزوير بالمفرّق، من الضروري استعراضه، وطرحه وإشاحة البصر، خجلاً، عنه، وهذا أضعف "الإيمان الأخلاقي"، وأول إعمال النظر السياسي، في ما يخالفه بداية، وفي ما يقترح بدائله، في نهاية المطاف. النظام اللبناني الفريد، أي الذي يتصف بالفرادة المحمودة، هو المعادل المزور للنظام الغرائبي، الذي يكثر أهله من الثناء على صفاته، لأنه ميت، وفي مقام الموت، لا بديل من ذكر "حسنات الموتى".

الديمقراطية، على الطريقة اللبنانية، هي الاسم المزور الآخر للاستبداد الأهلي، وللديكتاتوريات الطوائفية المتعددة الرؤوس، التي تخنق براعم التغيير في مياه أوانيها الآسنة، وتقيد الأيادي والعقول والأبصار، بقيود وغشاوات من فتاوى واقتراحات وسياسات، يختلط فيها ملمس الحرير بفتاوى التجهيل والتكفير.

الدولة، أو فكرتها أو بنيانها، ورغماً عن كل الأوصاف التي تقترح لها، من قبل الأهليات المتشنجة، هي المرادف المزور لبناء الدويلات وسيادة منطقها، الذي يقضي بشل المؤسسات الرسمية وتعطيلها، ويحيل مواردها إلى خزائن نهب، تجدد بواسطته الولاءات الزعاماتية والحزبية.

يلحق بالدولة اسم الوطن، الذي يشكل قناعاً مزوراً لكل الأوطان اللبنانية المتناحرة. وطن "اللبناني" طائفته، فإذا تحركت الحدود، صار وطنه مذهبه، لا يتقدم التعريف الأهلي إلى الأمام. وجهة الطائفيات الوراء، ذلك هو عمر الكيان اللبناني، ومن شاء البحث عن علّة وجود هذا الكيان، لن يتوه عن التاريخ الحقيقي الذي نهض عليه هذا الوجود. العيش المشترك، هو نظير للتواجد الديمغرافي المفترق، ولأن الأمر كذلك، فالتواجد يستبطن قلقاً، ويغلف تزويراً، مضمونه السعي الدائب إلى تحقيق الغلبة على "الشريك"، وإلى إدامة استلحاقه واستتباعه، ودفعه إلى الدرجات الأدنى في سلم التراتبيات الطائفية. لا يطمئن الطائفي أو المذهبي، إلا إذا تثبت من عدم طمأنينة "جاره"، وتحقق من عجزه عن تغيير معادلة الاطمئنان – القلق، المفروضة، بالغلبة، والمحروسة بكل وسائل الإكراه.

ولأن سلسلة التزوير طويلة، فإنه لا يمكن إغفال جملة من القضايا الشعارية، بعد أن مرّ الحديث على عينة من المسائل "البنيوية". في المقام الشعاري، يحضر التزوير السياسي بدينامية عالية، وبحركية مبالغ فيها، تسهم في إنشائها حركات انفعالية، تتولاها الأعين والألسنة والأيادي والأرجل، وقليلاً ما تتدخل في صناعتها العقول. ثمة "فطرة غرائزية"، تقود التعبير السياسي الطائفي والمذهبي، تستكملها استجابة "جماهيرية" غرائزية هي الأخرى، يعبر عنها بالصراخ وبالهتاف، وبالقبضات المرفوعة!!

عينات باتت تنتسب إلى التزوير، من المفيد الإدلاء بها، وإحالتها إلى مرادفاتها الأهلية، أي إلى ما يضمره القول، وليس إلى ما يعلنه القائل. اسم المقاومة في لبنان، صار الندّ التزويري لفرض تصور أحادي على كيفية إدارة الصراع ضد إسرائيل، ولإجبار "الجسد اللبناني" على لبوس منطلقات منظومة صراعية، عنوانها وطني، ومضمونها تحول تدريجياً، إلى فئوية واضحة، تعاظمت منذ تاريخ التحرير في العام ألفين، وما زالت كرتها تتضخم حتى تاريخه.

مطلب السيادة، المندد بإلحاق لبنان بالمحور الإيراني الخارجي لم يتأخر عن الوقوع في استعصاء العصبية الخاصة، فصار بدوره، مساوياً لتزوير السعي إلى استعادة التفوق الداخلي وتكريسه. لجأ "السياديون" إلى نفس ما اعتمده "المقاومون"، فاستعانوا "بخارجهم" المختلط، وجيّشوا الداخل، وأقاموا المتاريس النفسية، وأعلوا جدران اللاتفاهمات الحقيقية، وكل ذلك، من وراء شعارية الوطنية الجامعة، وحماية البلد، وصيانة الاستقلال، والاحتكام إلى الدستور، والرضى بشروط الديمقراطية، والنزول على أحكام علاقاتها السلمية!!

اليوم، يعيش اللبنانيون في كنف دفعة من نتائج التزوير الأولية. يردّدون أقاويلها، ويحفظون، عن ظهر قلب، تعليلاتها وتحليلاتها. وهم إذ يفعلون ذلك، يعتقدون، بل يوقنون، أنهم يمارسون سيادة لا يشوبها استتباع، ويدافعون عن استقلال لا يخالطه استلحاق، وعن حرية لا يدانيها هذر، يحيلها إلى ثرثرة فارغة. وبعد ذلك، يؤمن اللبنانيون إياهم، أنهم بصدد صياغة وطنية جديدة، ولبنانية متجددة، وعروبة ذات نكهة خاصة، ونضالية تفوّقت على سابقاتها من النضاليات، وأنهم في كل الأحوال، أمناء على سيرة أجدادهم وتاريخهم وشهدائهم، رغم استحالة التوافق على تعريف "الشهادة"، وصعوبة الوصول إلى معنى تاريخ داخلي، يكون حالاَّ فعلاً، في مدى زمني معروف، وفي إطار جغرافي معلوم.

لأن الوضع ما هو عليه، لا مناص من معارضة نظام التزوير الطائفي، الذي لا ينتج إلا التزوير، ولا مفرّ من القول أن المَزوِّرِين موحّدون في الدفاع عن نظامهم، ولو بدا أنهم يعارضونه بلهجات مناطقية مختلفة، ومن الضروري الإشارة إلى أن كل هؤلاء يأخذون الانقسام اللبناني المتجدِّد، إلى ما يلامس طلب الافتراق ضمن الداخل، من خلال اعتماد "فيدرالية" مموّهة بمطلب اللامركزية الموسعة، وقد يكون المضمر اللامركزي، إجراءً مؤقتاً، ما دام الافتراق "الكياني" الجغرافي متعذِّراً في الراهن السياسي العام، هذا الافتراق، يحتاج إلى القرار الخارجي، الذي يرعاه ويحميه، بعد أن توفَّرت له معطيات أهلية داخلية، جعلته مزاجاً غالباً في بيئته، وأنزلته منزلةً مناوئة، لأمزجة غالبة في بيئات أهلية مقابلة.

لكل مزاج أهلي إسم معروف حالياً، وفي دائرة الأمزجة، الشيعية والمسيحية والإسلامية... ولا فئة ناجية من تهمة التلاعب بالكيانية اللبنانية، وحسبَ تراتبيةٍ يعرفها الأهليون، حق المعرفة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها