السبت 2024/03/30

آخر تحديث: 09:40 (بيروت)

معركة الفلسطينيين السياسية

السبت 2024/03/30
معركة الفلسطينيين السياسية
فلسطين هي المحور الإنساني والأخلاقي لمن أراد المؤازرة وليست جزء اً من أي محور ... للمتاجرة.
increase حجم الخط decrease

يسيطر المشهد القتالي على اليوميّات الفلسطينيَّة الحالية، وتتركز المتابعة على تطورات الميدان العسكري. الأمر طبيعي ومفهوم، هذا لأن الخلاصات السياسية، والنتائج العملية النهائية، تقرّرها المعارك المحتدمة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، في حالتي الربح والخسارة.

لكن، وفي سياق وجاهة الاهتمام بالتطورات الميدانية، يجب إعادة الاعتبار إلى الموقع السياسي، فهذا الأخير يعود إليه أمرُ اتخاذ القرار بشنّ الحرب، وإليه تعود بنود تعيين أهدافها، وتحديد موعد بدئها، ومواكبة إدارتها، واعتماد الأساليب والمناورات السياسية، اللازمة والضرورية، التي تقتضيها تطوراتها. . . وفي النهاية تعود إلى "السياسي" حَصْرًا، صلاحية إعطاء القرار بوقفها.

الموازنة بين السياسي والعسكري، تتحققُ في العادة، في حالة القتال النظامي، أي في حالة الاشتباك بين دولةٍ ودولة، وحيث يكون للدول جيوشٍها النظاميّة ذات التراتبية الواضحة، في الإمرة وفي القيادة، وذات العلاقة الواضحة والمرسومة بدقّة، مع النَسَقِ السياسي الذي تُنَاط به مسؤولية الإشراف على الأعمال الحربية، من منظور المصالح الوطنية العليا لكل دولة من الدول المعنيّة.

في الحالة الفلسطينية، موضوع المواكبة والمتابعة، نحن في إزاء فريقين من "طبيعتين" انتظاميَّتين مختلفتين، فالمقاومة ليست جسمًا تنظيميًّا واحدًا، بل هي، وفي حالة الحرب، كناية عن إئتلاف شعبيّ مقاوِم، لكل فصيل من فصائله، قيادته وخطّته وأهدافه. . . هذا الائتلاف يواجه الجيش الصهيوني المحترف، الذي يقوده اليوم مستوى سياسيّ محترف، يتابع سيرة المستويات السياسية السابقة، التي قادت الآلة الحربية في حروبها العدوانية في فلسطين، وفي مواجهة عدد من البلاد العربية. واقع الأمر المعلوم أعلاه، يقرّر حالة تفوّقٍ للعدو، لجهة وحدة القرار، ووحدة الإمرة، ووحدة الإدارة الميدانية، ووحدة صياغة الخطاب السياسي والإعلامي بشقّيه، الموجّه منه إلى الخارج الدولي، والذي يخاطب الرأي العام الداخلي. . .

سَدُّ هذه الثغرة، يكتسبُ أهميّة عالية، وإمكانيةُ تحقيقِ ذلك مُتَاحَة، إذا ما وَضَعَتْ المقاومة نُصْبَ أهدافها، الحفاظَ على المصالح الوطنيّة للشعب، وَسعَتْ في مناكب تحقيقها.

في البحث السريع عن المستويات السياسية التي توجب ملء فراغاتها، أو تدعو إلى استقامة أدائها، تبرز في الواجهة أربعة عناوين مترابطة ومتكاملة، تشكّل مجتمعة التتمة الضرورية للعملية القتالية المستمرة في غزّة، وفي سائر الأجزاء المحتلّة من فلسطين.

هذه العناوين تشمل وحدة المرجعية السياسية لذات النقاط التي يتقن إدارتها العدو، أي، تكرارًا النقاط التي تُوْلِي أهميّة استثنائية، لخطاب الداخل، ولخطاب الخارج، ولمخاطبة المجتمع الاسرائيلي، ولصياغة المبادرات السياسية والعملية، الضرورية، التي من شأنها تحسين شروط العملية العسكرية، وتقريبها، ما أمكن، من تحقيق بعض أهدافها.


خطاب الداخل:
يفرض الواقع الفلسطيني الحالي، تجاوز حالة الانشقاق السياسي المتمثل في توزع القرار الوطني بين رام الله وغزّة، والتصرف على قاعدة أن الحرب هي حرب مصيرية ستنال نتائجها من مستقبل كل فلسطين. تتوفر لدى الشعب الفلسطيني بدائل تمثيل وتعبير جاهزة، أهمها منظمة التحرير الفلسطينية التي يمكن، بل يجب، أن يناط بمجموعها تحمل مسؤولية اتخاذ القرارات الوطنية الحاسمة. هذا ليس تصرّفًا تنظيميًّا فصائليًّا، بل هو سلوك وحدة الجهد، ووحدة الأدوات، في المعركة التي تدور في غزة وفي الضفة الغربية المحتلة.

وحدة النطق السياسي، تُوجِبُ وحدة النطق العسكري، فلا يبدو الأمر سباقًا في ميدان الإعلان الفصائلي عن العمليات، ولا تنافسًا على تأكيد تفوّق أداءٍ هذا الفصيل على آخر، هذا لأن ليس في الحوزة ما يستدعي سباقًا، ولا يلوح في نتائج الميدان غنيمة تقتضي التدافع إلى نيل حصص منها.

في ركاب ذلك، يجب ضبط اللغة، وضبط الأوهام، وفرض الانضباط على سياسة المزايدة، ومحاصرة بيانات التنصّل ومطالعات الاتهام.

سيكون الأجدى، والأصوب، أسلوب تنوع اللغة وتكاملها، ولا بأس، بل من المفيد، أن يكون للسياسة الفلسطينية "صقورها وحمائمها"، مادامت المصلحة الوطنية الشعبية، هي الأفق، وهي الدليل.

 

خطاب الخارج:
تُقَدِّم يوميّات الميدان الدليل تلو الدليل على جرائم الاحتلال في فلسطين، ممّا سهَّل ويسهّل على المستوى السياسي الفلسطيني، تظهير صورة الشعب الضحيّة، ويساعد على وضع العدو حيث هو حقيقة، أي في إطار المعتدي "الجلّاد"، منذ احتلاله لفلسطين سنة ١٩٤٨.

لقد" انتفضت" حالات شعبية دوليّة، شعاراتها الأساسيّة الدفاع الإنساني عن حق الفلسطيني في الحياة، وقد تركت أصوات المعارضين والمحتجين على العدوانية الصهيونية آثارها على المستويات الرسمية في أكثر من دولة.

تثمير الاعتراض الدولي، ووضع السياسات الكفيلة برعايته وتطويره، مهمة فلسطينية عامة لكل الفلسطينيين، في الداخل المحتل، وفي بلاد الانتشار.

ملاقاة النزعة الإنسانية الدولية، بمثيلتها فلسطينيًّا، يلزمها تنقيح خطاب "الأصولية" بشقيها، النضالي والاعتقادي، ويلازمها إعادة تقديم القضية الفلسطينية كقضية سياسية وطنية إنسانية، بما ينطوي عليه ذاك من حق تقرير المصير، وحق استقرار الشعب في دولة مستقلة ذات سيادة، وحقه في معاودة كتابة تاريخه الوطني كتابة هادئة، تنتمي إلى الأرض الخاصّة، مثلما تنتمي إلى الأفق العالمي العام. من شأن ذلك، أن يعيّن المسألة الفلسطينية كقضيّة قائمة بذاتها، وليس كغطاء سياسي لنفوذ هذه الدولة أو تلك، ولا ذريعة توظيفية لغطاء النضالية أو الجهادية... التي تقفز فوق فلسطين، وتحيلها إلى منبر تطلق من فوقه شعاراتها وتهديداتها. فلسطين هي المحور الإنساني والأخلاقي لمن أراد المؤازرة، وفلسطين ليست جزءاً من أي محور أو تجمع أو تجميع... للمتاجرة.

وضوح الصورة هكذا، بالأسود والأبيض، هو ما يجب أن يعرض على المنابر العالمية، بأسلوب واحد، وبإرادة فلسطينيّة موحّدة.

 

خطاب المجتمع الإسرائيلي:
مخاطبة المجتمع الإسرائيلي باتت من لزوميّات الخطاب الفلسطيني العام، بعد توقيع اتفاق أوسلو، وحديث مستقبل فلسطين كلها، صار حديث "شراكة" بين كيانين مجتمعيين قائمين، تربطهما خيوط حركة متداخلة في أكثر من ميدان.

الانطلاق من هذا الواقع الملموس، ضروري للتمييز بين السياسات التي تحاول تهميش الفلسطيني وإقصاءه، وبين السياسات التي تُضْمِر مَنْعَ انبعاث شخصيّته، كتمهيد لإقامة الدولة اليهودية، غير المنازعَة في هُوِيَّتِها التي تجمع بين الأسطوري والتاريخي.

التمييز السياسي، يذهب إلى مقارعة السياسة بالسياسة، والتمييز الفكري، يهتمّ بتفنيد الرواية "المخيالية"، التي يُوظّفها اليمين اليهودي الديني المتطرف، لأسباب دنيوية.

في لحظة الاشتباك الحالية، لن تفوز البيانات السياسية، ولا المباحث الفكرية، بشدّ انتباه الجمهور الإسرائيلي، لذلك لا بديل من خطوة عملية محسوبة، تقع موقع رضى لدى جمهور اسرائيلي واسع، وتضيِّق الخناق على رئيس حكومة المتطرفين، بنيامين نتنياهو، وتسحب ورقة مهمّة من أيدي غُلَاةِ العسكريين والتلموديين.

الأسرى لدى المقاومة، هم موضوع الخطوة - المبادرة، التي يجب أن يقدم عليها المستوى السياسي الفلسطيني. مضمون المبادرة، إطلاق دفعة من المحتجزين الأجانب، والإفراج عن دفعة من الأسرى الاسرائيليين المدنيين، خاصة المرضى وكبار السن، والاحتفاظ بالجنود، الذين يكفي عددهم لتحقيق صفقة مبادلة واسعة.

إن مبادرة من هذا القبيل، هي الوسيلة الأنجع لإذكاء سياسات الاعتراض الاسرائيلي على الإدارة الحكومية، وهي في الوقت ذاته، الطريقة الأصوب التي تذكي الخلاف السياسي الخارجي، مع الرؤوس الحامية المتمسّكة بتحقيق "النصر المطلق" على الشعب الفلسطيني. في سياق ذلك، وانسجامًا مع منطق السياسة، يجب تغليب الرؤية التي ترى في هكذا خطوة، مصلحة فلسطينية أكيدة.

هل في ما تقدم تجاوز على الواقع؟ الأرجح أن ميزان القوى مازال يفسح في المجال أمام سياسة مبادرة شجاعة، من شأنها أن تساهم في تدعيم الصمود البطولي في الميدان...وهذا من باب التحسّب العقلاني، الذي يستبق المفاجآت الميدانيّة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها