السبت 2022/07/30

آخر تحديث: 11:11 (بيروت)

لبنان أمام الأسئلة المصيرية

السبت 2022/07/30
لبنان أمام الأسئلة المصيرية
ما حقيقة الوطنية اللبنانية؟ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لبنان الكبير مطروح على طاولة مصيره. تقاذف التهم، وتبادل الاقتراحات، بين النظام والحاكم، وبين الأطراف التي تعارضه من داخله، يضرب في تَيْهِ اللغة، ويضلُّ سبيله إلى القول الصائب، في واقع الأحوال اللبنانية.

على المنوال النظامي الرسمي ذاته، تنسج الجُمل الاعتراضية والمعترضة، التي تدلي بها الأحزاب، والتي تتناسل بطريقة عجيبة في بيئات الجمعيات المُدُنيّة المختلفة. تنجلي المشهدية اللبنانية عن فريقين، أحدهما، النظام الذي ينضوي الفرقاء تحت رايته، والثاني، الأهلي اللا المنظّم والمتشظّي الذي لا راية معروفة تدُل عليه، أو ترشد السالكين والعابرين إليه.

النظام المختلف المؤتلف
ربما صارت كلمة "نظام" مفارقة لواقع حال الممسكين بخناق البلد، فالكلمة تتضمن معنى الانتظام، ومعنى التنظيم، ومعنى الانضباط والضبط، والبرمجة والاستباق والتخطيط، وحسن التدبير.

لا يحمل النظام اللبناني الحالي، معنى من المعاني التي ذُكِرت، بل هو واقف على الضفة المتناقضة معها. من شاء تعداداً، سيجد التسيّب والتفلت والارتجال والفوضى والتشرذم... أي كل ما يؤكد لا نظامية النظام على صعيده المؤتلف، وعلى صعيده المختلف، سواء بسواء. هذا الأخير، يسترخي في ظلال ادعاء المعارضة، ويفيء إلى دغدغة شعبوية معارضاتية، تكتفي من ممارسة الاعتراض، بطهرانية إعلان الخلاف، وتتدرّع بخطاب الابتعاد عن المشاركة بالحكم، درءًا لاتهامها بالعجز عن تقديم اقتراح واقعي مقبول، ودفعاً لضبطها متلبّسة "بجرم" ابتكار سياسة تسوية، لأن هذه الأخيرة لا تفيد في استنفار العصب الطائفي، ولا تجدي في النفير الاصطفافي المذهبي، الذي بات السياسة التي تتقدّم أولويتها، على كل السياسات.

علاقة النظام المؤتلف المختلف، يمكن تلخيصها بمعادلة من طرفين، الأول، إقدام النظام الحاكم على تنفيذ ما يراه مناسباً من سياسات، من دون أن يضع في حسبانه رد فعل شريكه في النظام، والشريك هذا، الذي هو الطرف الثاني، يبني سياسته على ما يدلي به شريكه الأول من سياسات. واحد يفعل ما يريد، والآخر يقول ما يريد، وما بين الممارسة والقول، ينحدر الوضع اللبناني تباعاً، من دون عراقيل تحدّ من اندفاعة مركبته المتسارعة. تقوم شواهد كثيرة على هذه المعادلة، وهي شواهد معروفة، ولها أصحاب وأسماء ومقامات... يديرون لعبة التذاكي والتباهي والتباكي، بعيداً من كل الأسئلة المصيرية اللبنانية.

الاعتراض المختلف غير المؤتلف
الاعتراض الراهن، هو نسخة الحركة الشعبية اللبنانية عام 2022، فهذه ترث نسخة ماضية خَلّفَت آثار يختلف أبناء الاعتراض على ضرورة معاينتها، ولا يرون جدوى من ضرورة قراءتها. القطع مع الماضي الشعبي، لا يتجاوز حالة الانقطاع والقطيعة، والحالة تستمر بقوّة إرثها الثقيل، وبعجز تجاوزها إيجابياً، من قبل المفترض أنهم وَرَثَتُها.

حصدت نسخة الحركة الشعبية الحالية، مساوئ إنكار الما قبل، فخسرت من جرّاء هذا الانكار مقومات جذب وتأييد، من قبل أفراد وجماعات، اكتفوا باتخاذ موقف نقدي، متفاوت في عمقه، ممّا كان لهم من تراث وسياسات. حصيلة إنكار القديم، وإقصائه، والتخبّط في مسالك البحث عن جديد، كانت نتيجته شرذمة قوى، وتكاثر فطر جمعيات، وتقديم "المخاطبة والمناشدة"، والنصيحة، للطاقم الحاكم الكلّي، واستبعاد السياسة التي صارت لوثة تلطخ سمعة المُدُنيّة، وتسيء إلى حداثتها، وتنتقص من علمانيتها...

حركة شعبية خارج السياسة؟! كيف يستقيم الأمر في مقام الحديث عن تغيير النظام؟ حركة شعبية لا تهتدي إلى بناء أحزابها، إذن أين أدوات الانتظام؟ وأين مصادر البرنامج، وأين أساليب القيادة؟ وكيف يواجه النظام الراسخ المتجذر بالانتظام واللا انتظام؟

السياسة، هي المسألة المطروحة على جميع حالات وجهات الاعتراض، هي مطروحة بالقدر ذاته من المسؤولية والمساءلة، على الأحزاب العتيقة، وعلى مشاريع الأحزاب الجديدة، وعلى "المُدُنيّة" التي لن تستطيع فكاكاً من "الحزبيّة" التي يجب أن تفصّلها على مقاسها، وحسب رؤيتها، بعيداً عن كل أحكام مسبقة، أو استباقية.

مسائل السياسة اليوم
في الواقع اللبناني المعلوم، تتراجع الشعارية "الاستراتيجية"، وتتقدّم اليوميات المعيشة. جردة الإعلانات البعيدة المدى لا تستقطب جمهوراً، ولا تحشد قوىً. "الشعب يريد إسقاط النظام" مثلاً. ليس أمراً راهناً، وهو ينطوي في حدّ ذاته على خطأ تعريفي، فالشعب ليس شعباً، والنظام ليس نظاماً واحداً. الواقع، نحن في إزاء "شعوب لبنانية". لكل شعب منها "نظامه". على الأقل، هذا ما تؤكده الحقائق اللبنانية. خلاصة المثال، أو المراد منه، التأكيد على ضرورة البعد المعرفي التحديدي، لمسائل الواقع المطروحة، ومن ثمّ البناء على الخلاصات "النظرية"، ما يلائمها من برامج عملية. إذن، نحن أمام طلب المعرفة الواضحة، وإليها يضاف مباشرةً، طلب الوضوح في تحديد المواقف من المسائل الخلافية اللبنانية، التي اكتسبت في الآونة الأخيرة صفة المصيرية، هذه التي أُقْصيَت ظرفياً، بعد اتفاق الطائف، الذي صار دستوراً للبنانيين.

في وجه التعمية التي يمارسها النظام المختلف المؤتلف، وفي مواجهة أدائه التدميري الممنهج، يصير مطلوباً مواقف واضحة مسؤولة، تتقدم بها "كيانات" من الحركة الشعبية الراهنة، تتجاوز ما هو معروض على الجمهور، من قبل النظام، ومن قبل خصومه الشعبيين. قد يقال هؤلاء هم من النخبة، أو من المتقدمين بين أقرانهم، أو من المبادرين المستنيرين... لن يكون الإسم مهمّاً، وسيظل المهم، والأهم، قول آراء في عيّنة مختارة من المعضلات السياسية، التي تتقدمها عناوين مثل: السيادة اللبنانية، استرداد الدولة، انفراد حزب الله، الصراع العربي الإسرائيلي ولبنان فيه، لبنان وسوريا، لبنان وإيران، لبنان والسياسات الدولية، الأحزاب والحركة المطلبية، الحركة الشعبية والاقتصادية، النوازع الأهلية المتجددة، انغلاق الخطاب "الكياني" مجدّداً، اختلال التوازنات الأهلية، الانقسام اللبناني وخطر القسمة، مصير التساكن اللبناني، حدود الفرز الواقعي، حدود الدمج الوهمي، ما حقيقة الوطنية اللبنانية... هذه العيّنة من المسائل، تعود لتطرح ذاتها بصفة تكوينية كيانية، ينتظمها الاختلاف الذي يتعمق يوماً بعد يوم، فيكتسب جرّاء ذلك صفة الخلاف، الذي يعيد لبنان إلى مربّع نشأته الأولى. ما ذكر أعلاه، ليس تعداداً مبهماً، ولا طرحاً من دون مشاريع أجوبة، فالوفاض ليس خالياً، لذلك فمهمة التعداد الأساسية، ضخّ الصوت والقلق، في المسكوت عنه، وفي المقصي من الساحة، وفي المتخيّل الذي كفّ عن أن يكون "صورة" لبنانية جامعة.

لبنان البشر، والحجر، والتراب.. صار على قارعة السؤال. خطير جداً التلكؤ عن صياغة مشروع الجواب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها