السبت 2022/05/28

آخر تحديث: 10:36 (بيروت)

نواب التغيير: من الشعارية إلى الواقعية

السبت 2022/05/28
نواب التغيير: من الشعارية إلى الواقعية
الأجدى لنواب "التغيير" هو خوض معارك الملفات الحياتية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
سيكون غير واقعي إغراق النواب "الشعبيين" الجدد بشعارية الحركة الاعتراضية، وسيكون غير مفيد إلباسهم لبوس الأسماء الفضفاضة التي خلعها الإعلام، وسواه، على حركة 17 تشرين، فصارت الأسماء "ثورة" جرى توظيفها في التراشق بين صفوف" الثوار". وهؤلاء كانوا موضوع محاصّة بين قوى الشارع المختلطة، وبين القوى المتباينة التي تنافست على تبني الشارع، وعلى حقها في إلحاقه بشجرة عائلتها السياسية.

ولأنه حسب المثل الشعبي "أول الرقص حنجلة"، ينبغي لفت الانتباه إلى أن الأداء القليل لعدد من نواب "التغيير" يفتح على التعثر في الحنجلة، فقد تضيع فرصة الرقص هباء.

شعارية سياسية
لقد ارتضى النواب الجدد صفة الجمع التي نُسِبَتْ إليه، بينما واقع الحال لا ينبئ بأكثر من كونهم مجموعة على شيء من المشترك العام بينهم. التدقيق أكثر، يفصح عن توزع بين هؤلاء النواب، مصدره تنوع رؤاهم ومرجعياتهم السياسية. وهذه قد تفضي إلى التباعد عند الانتقال من الشعارية إلى الممارسة العملية.

ينبغي منذ الآن تعريف النواب الجدد قبل المبادرة إلى الشعارية الوصفية التغييرية، مثلما ينبغي تحديد ما هو الجديد المرتجى منهم، وكيف يمكن تحديد هذا الجديد، وما المقترح عملياً، حيال هذه الوجوه النيابية الوافدة إلى البرلمان.. باختصار، المطلوب قراءة متأنية في كتاب الحصيلة الانتخابية، ليكون متاحاً الخروج بحصيلة واقعية حول العمل الممكن المطلوب من قبل "نواب التغيير"، وليكون واضحاً الإطار السياسي الشعبي العام الذي سيندرج النواب في سياقه، ليكونوا، ما أمكن، صوت الشارع داخل النسق الرسمي، بالاستناد إلى النسق الشعبي الذي يشكل ركيزة استنادهم الصلبة الأساسية.

البدء الواقعي
تواجه الحالة الاعتراضية مسؤولية مباشرة، هي مسؤولية خوض معركة الدفاع عن مصالح الأكثرية الشعبية، التي باتت أكثريتها الساحقة عاجزة عن تأمين كفاف يومياتها الحياتية الأساسية.

البدء من المعركة المطلبية الإنقاذية، هو عود بالتشتت الاعتراضي إلى مسقط رأسه التشريني، الذي كان مطلبياً في أساسه، ثم أخذته "الرؤوس الحامية" إلى سياسة فجائية، بطريقة القفز، وليس بطرق التراكم السياسي العملي المتنامي.

من جديد، سيكون الأجدى خوض معارك الملفات الحياتية. وهذه معلومة للقاصي السياسي وللداني الشعبي، من الكهرباء إلى الدواء، ومن انهيار القدرة الشرائية إلى حجز ونهب المدخرات، ومن الثبات الصعب في الداخل إلى الهروب الأصعب صوب الخارج.. هذه الملفات، هي مادة عمل النواب الجدد الأولى. والملفاتنفسها هي مادة تعبئة وحشد الفئات الشعبية المصابة بأعراض الملفات الكارثية. في هذا المجال، تتحمل الأحزاب السياسية مجتمعة مسؤولية الدعوة إلى التحرك في الشارع. ومع الأحزاب، تتحمل جمهرة جمعيات العمل المدني مسؤولية إطلاق النداء والانخراط العملي في سبيل تنفيذه. وفي هذا المجال، يلعب النواب الجدد دورهم المطلبي السياسي، بما يفيد في توسيع قاعدة الاحتجاج الشعبي، وبما يسير به على طريق تعاظم ضغطه. هي عملية دعم متبادل، وعملية توزيع أدوار، بين "المعارضة" ونوابها. هذا إذا أرادت الأحزاب والجمعيات بناء معارضة فعلية، وإذا كان النواب الجدد جديرين بالانتساب إلى هذه" المعارضة"، وجديرين أيضاً بحمل المساهمة في المسؤولية عن الدفاع عن مطالبها.

السياسية والمطلبية
البدء من المطلبية ليس قطعاً مع السياسية ولا انقطاعاً عنها، لكنه في اللحظة اللبنانية الراهنة، يشكل المهمة الملحّة التي لا تنتظر سواها، ولا تلغي السياسة السياسية، التي هي المآل الأبعد لكل سياسة.

تَرْك المطلبية الآن والانصراف إلى سواها، هو ترك للممكن العملي الواقعي واللحاق بشعارية غير واقعية بعيدة. لنقل أن الواقعي هو الذي يقع ضمن الإمكان المباشر، بناء على حساب القوى والإمكانات، وبناء على الملاءمة والاستجابة المتوقعة من جانب الأوساط الشعبية. وفقاً لهذا الاعتبار، الاستعداد الشعبي للاستماع وللاستجابة متوفر مطلبياً. هنا يصبح السؤال المعارض: كيف ستتصرف القوى المعارضة في ظل هذه القراءة الشعبية.

في مقابل ذلك، هناك شعارية سيادية وشعارية استقلالية وشعارية مقاومة ونزع سلاح وحياد.. هذه كلها تقع موقع تذمر منها، لكنه تذمر مشتت، على نحو تستفيد من ذلك القوى المذهبية والطائفية الموزعة على الشعاريات. لنلاحظ، إن الالتفاف حول مطلب حفظ حقوق المودعين أوسع من تبني شعار نزع سلاح المقاومة. ولنلاحظ أيضاً، أن مطلب تأمين الدواء يتفوق على مطلب استعادة الدولة من الدويلة. ولنلاحظ، أن المطلبي جامع حتى اللحظة، وأن السيادي عامل تجزئة حتى لحظات مقبلة. هل نخلص من ذلك إلى إلغاء السياسي؟ كلا بالتأكيد، لكن نتدرج صوبه من ضمن حالة شعبية متنامية، فيتقدم الأهم العاجل على المهم الآجل. وهذا الأخير لن يصير الأهم العاجل فوراً مهما علا صوت الشعارية السيادية، ومهما نفخت في الأبواق أصوات شعارية" اللفظية الثورية".

انسجاماً مع ما تقدم، ليس مطلوباً من النواب الجدد، الانخراط العجول في معركة شعارية خاسرة. وسيبقى موقعهم على جبهة الصراع الشعبي اليومي، ليكونوا، تكراراً، صوتاً من أصوات الموجوعين في الشارع، الواقفين بعجز وفاقة من دون الحصول على الحاجات.

الاستقرار مهمّة أولى
لا يخفى أن الشعارية السائدة، المعتمدة من قبل أهل التوليفة الحاكمة، تشكل عامل اهتزاز أساسي للاستقرار "الأهلي" العام. سياسات التصعيد التوظيفية تغذي وتفاقم سياسات النهب الحياتية. والأمران يفتحان الوضع اللبناني على منوّعات من الأخطار.

على هذا الصعيد، ينتمي جهد المعترضين وجهد "نوابهم"، إلى معركة الحفاظ على استقرار لبنان، الأهلي والعام. وليس غريباً القول إن المستفيد من اللااستقرار هم أبناء التوليفة ذاتها، المتنابذين بألقاب الخيانة والعمالة، الرابضين على أكتاف الراضين بالخطاب وبالفتات من أبناء جلدتهم المذهبية.

معركة المعترضين تقع خارج "العسكرة" التي يدفع الطائفيون إليها. العسكرة تفيد "الطغمة" لبنانياً، كما استفاد منها الاستبداد في الديار العربية. عليه، لا بديل للمعارضين، نواباً وقوى، من خوض المواجهة على جبهة إطفاء نبرات وممارسات العسكرة. ففي هذه الأخيرة إصابات قاتلة لكل حركة شعبية.

وفي موازاة رفض العسكرة الآتية من جهة "النظام"، يجب رفض ما يشبه العسكرة الطالعة من بين الصفوف الداخلية للاعتراض. العسكرة التي تعتمد صيغة التعميم، على شاكلة "كلّن". والعسكرة التي تعتمد التاريخ فتسجن الحاضر ضمنه، فترفض اللقاء والتفاهم والتعاون والتنسيق مع من يظل موصوماً "بلعنة" تجربته التاريخية.

في هذا المضمار، يتوجه الجهد إلى جعل النواب جمعاً، عدداً وممارسة، وإلى اعتماد الجبهوية المرنة الواسعة، اللحظية والمرحلية والبعيدة، مع كل الذين أصابتهم حرب النظام الطائفي بأفدح الخسائر.

خلاصة القول
هي لحظة لمباشرة العمل من اليومي، ولاستكشاف سبل العمل، شعارات وأساليب وأطر تنسيق جبهوية، ولتأسيس تكامل واضح بين جبهة البرلمان "الاعتراضية" وجبهة التحركات الشعبية.. مما يسهم في صيانة الاستقرار الداخلي، ويؤسس بهدوء للتصدي لمواضيع السياسة السياسية، التي عنوانها الأهم هو إعادة بناء الدولة الوطنية، بكل ما ينطوي عليه مفهوم الدولة من عناصر ومن مقوّمات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها