السبت 2022/04/23

آخر تحديث: 11:45 (بيروت)

الاقتراع للفيدرالية

السبت 2022/04/23
الاقتراع للفيدرالية
في غياب الوحدة، ينشطر البلد إلى خيارات متضادة، كما هي حال الشعب المقيم اليوم (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
تحفل اليوميات الانتخابية اللبنانية بشعارية وشعارات، لا تترك مجالًا للظنّ بالنفس الفيدرالي الذي تحتويه، ولا تترك تأويلًا يخالف تأويل حقيقة الانقسام اللبناني العميق، الذي ازداد عمقًا، والأهل يتبادلون على حافته، وعلى ضفافه، إعلانات اللبنانية، وبيانات شرح أي بيان يريده كل فريق منهم.

مخادعة شعارية
يخدع المختصمون اللبنانيون جمهورهم، وهم على بيِّنة من حقيقة الخداع الذي يمارسونه. ولا ينخدع كل فريق بمناورة الفريق الآخر، بل يبادله الأسلوب بالأسلوب، والمناورة بالمناورة، بهدوء الموضوع، وحدّة اللهجة. فالجمع المناوِر مدرك أنه سيلتقي تحت قبّة مساكنه واحدة، بعد أن ترتاح أوراق الاقتراع في هواء النسيان.

تبادل المخادعة، بين من يشكلون "التوليفة" الحاكمة والمتحكِّمة، يشترك في قبولها أولئك الواقفون على أبواب المُدنيّة، ومعهم المتسمّرون على أرصفة الحزبيّات المتفرقة. 

تتجلى مظاهر القبول في جمود الشعارية "التغييرية"، وتظهر واضحة في الانكفاء عن ميدان العمل اليومي الذي يُفترض أنه المكان الطبيعي لمراكمة موازين التغيير. إذًا، يقف اللبنانيون فوق أرض مكشوفة، حيث الكلام واضح المقاصد، وحيث الوعود واضحة الزيف، وحيث الدعوة إلى تغيير الأحوال، واضحة الضعف والهزال.

تغيير التعريفات
آن أوان إعطاء تعريفات مغايرة للتعريفات التي تعتمدها التوليفة الرسمية، ولتلك التي تطرحها القوى الاعتراضية المختلطة.

لقد سبق القول، ومنذ سنوات، بتعريف "الطقم" السلطوي، بأنه الحاكم المتحكّم، في إشارة إلى من يملك القرار الأول في تحديد خيارات "الجمهورية"، وإلى من يشاركه في الاستفادة من ملكيته، ومن يروّج لحصته في الحكم بفذلكات طائفية ومذهبية خاصّة.

تعريف أول يتعلّق بتعريف الممانعة، هذا الذي أُعطيَ للنظام في سوريا، ثم توسّع إطاره ليشمل حلفاء النظام ومحبّذيه في لبنان. لقد انتقل الوضع، وخلال سنوات خَلَت، من الممانعة إلى المهادنة. فالنظام في سوريا، وحلفاؤه في لبنان، وعمق الحلفاء والنظام الإقليمي، يقيمون على حال المهادنة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إقامة عملية، لا تنتقص من عمليتها الواقعية، كل ادعاءات الكفاح والصمود والتصدي والاستعداد الاستراتيجي... المنبرية.

إذًا، في لبنان، ومداه العربي والإقليمي قوى مُهَادَنَة. هذه ليست موضوعًا للازدراء، أو للتسخيف، بل موضوع للنقاش، خصوصًا أن مشروع "الكفاح الصراعي" الآخر، غائب ومغيَّب، ولا يبدو أن أحدًا حريص على تذكّره، أو على استحضاره.

تعريف ثانٍ يتعلق بمفردة السيادية، ينبغي الوقوف أمام حيثياته، للتدقيق في حقيقة سياديته، وفي ما ينطوي عليه من معنى السيادية. ما يقدّمه الأطراف "السيّدون"، غير السائدين أو المسيّدين، في مجال سياديتهم، يلائمه تعريف اللبنانية الخاصة. وفي معرض فتح النقاش حول هذه اللبنانية، يمكن القول باللبنانية الجديدة، أو المتجدّدة، لتبيان صِلَة الوصل التي ما زالت تربط لبنانية اليوم "السيادية"، بلبنانية أمس الحرب الأهلية التي لم تكن دائمًا سيادية.

إذًا، وفي مواجهة قوى المهادَنَة، تقف لبنانية مختلطة، تلتقي حول شعار عام سيادي، وتجتمع على التصويب أحاديًا، أو اختزاليًا، على ما تصنّفه خصمًا للسيادة... ثم لا تلتقي اللبنانية هذه، عندما تتفرق عُصبتها "عيدانًا" وأغصانًا.

تعريف ثالث أُعْطيَ لقوى الاعتراض، تختصره كلمة "الثورة". لقد قدّمت التطورات المتتالية، منذ عام 1915، مرورًا بالعام 1919، وما بعدها، ما يخالف كلمة الثورة. لذلك يظلّ الأقرب إلى واقع ما حصل بالأمس، وما زال مستمرًّا اليوم، تعريف المحتجّين المعترضين بجملة: الحركة الشعبية. هذه الجملة تتضمن معنى الحركة في الشارع وخارجه، وتحمل معنى الإطار الجامع الذي لم يتحدد ولم يتأطّر بعد، وتشير إلى الأفق المتحرّك، فتْحًا أو إقفالًا، أمام المجموع الذي يضمّه الإطار الشعبي الجامع.

وإلى ما تقدم، تظلّ معاينة واقع الحركة الشعبية مهمّة دائمة لمن شاء تغييرًا عمليًا واقعيًا، بحيث تواكب الأساليب والشعارات والطموحات والأهداف... التطورات العملية الواقعية التي تحدث ضمن بنية الحركة الشعبية الواسعة.

سِماتُ المشهد
تعريف كل فريق سياسي اجتماعي بما ليس هو عليه، يقود إلى اقتراحات تتناقض مع الواقع اللبناني بما هو عليه. فأن يقول فريق المهادنة، إنه يسعى لخوض "حربه" النيابية ضد أعداء الخارج وحلفائهم في الداخل، فإنه يُسقِط بذلك موضوع استقامة حربه الدفاعية عن البلد، وهو يخاصم، أو يستعدي كتلًا اجتماعية وازنة راسخة في تاريخ البلد. مناعة البلد، وصيانته، تؤمنهما وحدة اللبنانيين. وفي غياب الوحدة، ينشطر البلد إلى خيارات متضادة، كما هي حال الشعب المقيم اليوم. صمود وازدهار وتقدم وحرية، عناوين لا تتسق مع الاتهام والإقصاء والتشطير والتجزئة التي تخاض في المناطق والأحياء.

سياديًّا، يشترك صاحب "السيادة" في الاستعداء، مع صاحب المهادَنة. للاستعداء السيادي مضمونه ومفرداته، لكنه يصل إلى ذات الإقصائية التي وصلها خطاب المهادنة. نقطة الاشتراك، الاستبعاد من سياق الدولة، بتصنيف الآخر خارجًا على هذا السياق، ومعيق لحصوله، ومانع لتكوّن معطياته.

وعلى جبهة الارتباط بالخارج، أو التنسيق معه، أو الوقوف خلف متراس مصالحه، نجد السيادي، مثلما نجد المُهادِن. فهذا وذاك، مُرتبط جوهريًا، وملتحق موضوعيًا، وينتمي إلى خيار سياسي يتداخل فيه الخارج والداخل... وهذا من المواضيع الخلافية التي لا يلغيها الشعار العام المعلن على لسان المتجابهين.

المشهد الحقيقي
من دون افتراء على الواقع، يعيش جمع اللبنانيين حالة فيدرالية متخاصمة. الكل خصم للكل، والجزء خصم للجزء، والسلوك متشابه في ميدان ممارسة الخصومة.

الحالة المشار إليها، فيدرالية المخاصمة، لامست حدودًا خطرة، تجاوزت ما هو معهود من "فولكلور" المواسم الانتخابية، فبات المتوقع عدم التئام الجراح الطائفية والمذهبية، بعد "بلسم" إقفال صناديق العملية الانتخابية. الحقيقة المرّة، هي أن المجموع الأهلي، يحصد اليوم جنى تدهور شامل أصاب انتماءه والتعبير عنه. وما هو مرير أيضًا أن أطراف المجموع الأهلي، يبذرون في تربة الأرض المشتركة، ما جنوه من حقول خيباتهم المتلاحقة.

أين البوصلة؟
تشير إبرة البوصلة إلى اختلاط مرتقب جديد، هذا مُستَقى من حالة لا تذهب إلى العدمية، وقد يكون الاختلاط الجديد، مناسبة لتنظيم شروط وأصول مساكنة شعبية ممكنة... أما في غياب ذلك، فالأمر أمر غياب كل البوصلة، أو في أحسن الأحوال "تعطّل" إبرتها... هذا، حتى تعود البوصلات الخارجية، فتأخذ لبنان إلى أكثر من اتجاه... أو تقولبه ضمن سجن اتجاه واحد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها