السبت 2022/12/17

آخر تحديث: 10:40 (بيروت)

حزب الله: الوفاء للشعب

السبت 2022/12/17
حزب الله: الوفاء للشعب
مسؤولية إنقاذ الجمهورية العليلة (الأرشيف، عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease

التوجّه إلى حزب الله بكلمات، مصدره معرفة الجميع بأنه مسؤول أول عن تراتبية الصعوبات التي قُذف إلى دوامتها اللبنانيون. ومن دون تعداد الأسباب التي تضع "الحزب" على الدرجة الأولى من السلّم، لأنها معلومة لدى الجمهور، يجب تذكير أهل المقاومة، بأنّهم نفّذوا مهمّة وطنيّة عامة، باسم كتلة أهلية عامة، وبتغطية ورضى وغضّ نظر ومساندة.. من كتل أهلية عامة، لذلك، فالمهمّة الوطنية العامّة، تقتضي خلاصات تتوجّه إلى العموم، وتأخذ في الاعتبار مصلحة الجمع، وهي وإن "تَكْتَكَتْ" بالمفرّق، ملزمة بالالتزام عمومياً في ميدان الاستراتيجية الوطنية الداخلية.

المأساة العامة
المعادلة بسيطة، ولا تحتاج إلى تفسيرات ذوي الحجى، لقد أخذ حزب الله من البلد، وعليه أن يعيد ما أخذه إلى البلد. ولأن البلد ليس لفئة، وليس حليفاً أوحد، وليس فئة أهلية معينة، يصير الحزب مجبراً، على الخروج من كل زاروب فئوي، إلى جادّة مقتضيات "الفئويات" المشتركة.

لقد سار الحزب على درب تراجعي فئوي طويل، بعد إتمام إنجاز المهمة الوطنية الكبرى، مهمة تحرير الأرض، واستعادة أمل اللبنانيين باستئناف مسار حياتهم الوطنية بهدوء وباطمئنان.. لكن ما حصل وطنيّاً كان معاكساً لهذا الأمل، واليوميات الراهنة شاهدة على ذلك، واللبنانيون الذين انتظروا منذ عام 2000، شهود على المأساة العامة التي قادتهم إليها تشكيلة الحكم والتحكّم، التي يحتل حزب الله موقعاً متقدماً فيها.

للتذكير..
ولنذكّر، ونذكِّر، لأن ما صار إليه الجميع ليس أقلّ من اهتزاز الثقة بإمكانية استمرار لبنان، بلداً جامعاً للبنانيين، أو مكاناً هادئاً لإعادة بناء المشتركات القليلة التي جرى تبديدها الممنهج، منذ ما بعد اتفاق الطائف الذي لم يُكتب له التنفيذ، بقدرة قادرين متحكّمين.

نذكرُ، إن مهمّة القتال ضد العدو المحتل، أسّس لها من سبقوا حزب الله إلى القتال، هؤلاء كانوا من وطنيين لبنانيين جمعتهم أحزاب عديدة. سيقال إن الأمر معروف، والجواب، إن الأمر المعروف لم يعمل بمقتضى ما عُرف عنه، بل إن الإقصاء كان من نصيب المقاتلين السابقين، وإن الحصريّة والامتلاك، كانت من نصيب المقاتلين اللاحقين، الذين لم يفرزوا لمن سبقهم خانة عرفان ووفاء.

ونذكر، أن من لم يكن على اتفاق تام مع وجهة حزب الله السياسية والقتالية، لم يبادر إلى مناصبته خصومه السجال قبل التحرير، لكنه رفع صوت المخالفة بعد 25 أيار 2000، لأنه اعتقد، وعن حقّ بالاعتقاد، أن ما قبل تحرير الأرض المحتلة، ليس كما بعده. هذا الفريق الذي منح الصمت السياسي لعمل المقاومة، أقصي أيضاً في الداخل، وجرى اتهامه وتصنيفه وتوصيفه لاحقاً، فلم يدرج في خانة الذين يستحقون التفاتة وفاء.

ونذكر، إن المدى العربي احتضن المقاومة اللبنانية، لأنها وطنية لبنانية، كما اعتقد جازماً، ولأنها لبنانية عربيّة، كما فَهِمَ حاسماً، ولأنها ضد العدو الصهيوني، العدو الأوحد للعروبة وللقومية العربية، التي وحسب الأكثرية الساحقة من العرب، ما زالتا تشكّلا اللحمة العامة التي لا توفّرها الانتماءات الدينية والمذهبية، ولا تحصّنها إعلانات "الهويّات" التراثية، الفولكلورية. هؤلاء العرب، لم تخصّص لهم المقاومة الظافرة، مساحة وفاء.

معادلة الوفاء
ومن دون استرسال في تعداد، ومن دون شرح وتعليل، كان الوفاء في مكان آخر، وفاءً مفصّلاً على قياس نظرة سياسية أحادية، ومشيّداً على أساس برنامج فئوي واحد، ومستجيباً لمشروع إقليمي بذاته، ومسترشداً بأحكام تأتي من خارج الحدود. هذه الخارجية ما زالت السّمة الأساسية في سياسات حزب الله، فأين الوفاء للداخلية؟ وأين الوفاء للخارجية العربية؟ وبكلمات، أين معادلة الوفاء في الداخل وفي الخارج، ما دام الحديث حديث وفاء؟

غَلَبة الخارجية على الداخلية لدى حزب الله، رافقتها سياسة تغليب الداخل على الداخل، فالميزان المائل إقليمياً، في صالح الإقليم، يتطلب تثقيله بأوزان داخلية، تمكيناً للاختلال، واستدامة له ولمندرجاته. لكن ما هو مشهد التغليب الذي نرى فصوله داخلياً؟

في السياسة، اعتمدت منهجية استنبات "شخصيات"، ومن ثمّ فبركة حيثيّات حضور تكفل الالتفات إليها. ما دور هذه الشخصيات؟ فقط اعتمادها كوسائل منافسة ومناكفة وتشويش على ساسة وعلى رموز سياسية، لها حيثياتها وأوزانها التمثيلية ضمن بيئاتها الأهلية.

في الثقافة، التي يجب أن ترفد السياسة، احتلَّ الشاشات والأثير، كلام مستقدمين من الصفوف "الابتدائية" الأولى، يحسنون ترداد أنشودة الصباح، مثلما يجيدون تكرار عبارات المعلّم، في ساعات الدرس، أو في ساعات الموسيقى والغناء الطفولي "العذب".

في التحالفات السياسية، يقف اللبنانيون في إزاء "ما علمتم وذقتم"، من أداء زعامات مصنّعة، ومن التحاقات منمّطة. أمام هذه الزعامات، التي تحمي "ظهر المقاومة"، تُفتح السُبل، وتعبّد الطرقات، وتذلل الصعوبات. يحدث أن ذلك التسهيل يحصل على حساب تصعيب حياة اللبنانيين، وما المشهد الرئاسي اليوم، والمشهد الرئاسي الذي أتى بميشال عون رئيساً، سوى دليلين فاقعين على ما أشير إليه في السياق. يكرّر السؤال ذاته، لمن الوفاء؟ وما ثمن هذا الوفاء؟ وأين سيقف هذا الوفاء؟

وقائع ومفردات
من واقع الحال الصعب، ثمّة ما يجب النظر إليه، طَلَباً لبَديله. من الوقائع والمفردات التي يجب تبديلها، تقتضي الإشارة إلى ما يلي:

أولاً: تبديل عنوان مدخل الوفاء السياسي، الذي يمثّله اسم كتلة الوفاء للمقاومة، فالمقاومة ليست عنواناً "متعالياً" أتى الشعب من خارجه، ولا طائراً حلّق بجناحين فوق البيئة الوطنية الداخلية التي "أطلقته". من قاوم قام بواجبه الوطني من أجل شعبه، والشعب هو الأول والأخير المستهدف بكل سياسة، لذلك لا يطلب من الشعب أن يكون وفيّاً لحزب من أحزابه، بل يطلب من كل حزب أن يكون وفيّاً لشعبه. إذن، لتكن كتلة الوفاء للشعب، ما دام الشعب نقطة البداية، وإليه "المصير".

ثانياً: يقتضي الوفاء للشعب، الإقلاع عن سلوك ما يعرقل حياته، ونزع الغطاء عن المعرقلين باسم الوفاء لهم. من قبيل التسمية، لا يستطيع حزب الله أن يقف صامداً خلف التيار العوني بغطاء مسمّى الوفاء، وهو على دراية وعلم أكيد، بما مثله هذا التيار، وعلى علم "بالمقّت" الذي تحمله أكثرية اللبنانيين حيال رئيس التيار الأصيل ورئيس التيار الوكيل.

ثالثاً: على حزب الله، الوفيّ لأهله، أن يتقدّم بهواجسه السياسية، وأن يدلي بحسابات الهواجس واحتمالاتها. هذا وضوح ينقل المسائل إلى ساحة نقاشها الجاد والعمومي. نعم، مسائل حزب الله، بما هي مسائل الشيعية السياسية، ومسائل الكتلة الشيعية الأهلية، أمر حساس ودقيق وحقيقي، وما يدور في رحاب "الشيعة" جزء من مما يدور في رحاب الكتل الأهلية الأخرى، والمسائل مجتمعة تشكل سمات لحراك البنية اللبنانية التي تعرّضت لتبدلات متوالية منذ الاستقلال وحتى يوميات الفراغ الرئاسي، الراهنة.

في هذا المعرض، يصير الوفاء متبادلاً، أما المضمون فهو الوفاء لشروط نقاش المرحلة الحالية، والوفاء لجدارة مسؤولية نقاشها، والوفاء لإعلاء شأن العمومية "الوفائية" الوطنية، فوق كل شؤون التحزّب الوفائي، من قبل كل الداعين إلى إنقاذ الجمهورية العليلة.

وبعد، كل وفاء عمومي، هو في الوقت ذاته وفاء خصوصي، هذا حسب النكهة اللبنانية، وشرط كل عام أن يبدأ من مكان خاص، وليس صدفة، بل من الواقع، أنه بينما تعطّل المارونية نظامها، أي عندما تخلّ بوفائها لاستقامة نظامها، يكون مطلوباً من الشيعية أن تُقْدِم وفاء لعدم اهتزاز وتعطيل الكيان. هذا من الحقيقي الذي يعيد الوفاء إلى مسقط رأسه الشعبي، ومن هذا الموقع، وفوق أرضه، لتكن كل الحسابات التي لا تسقط لبنان من الحسبان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها