السبت 2022/11/26

آخر تحديث: 08:18 (بيروت)

المونديال السياسي اللبناني

السبت 2022/11/26
المونديال السياسي اللبناني
يتبارى اللبنانيون يوميا للفوز بقطعة من حطام كؤوسهم الأهلية
increase حجم الخط decrease
 

في لبنان، مونديال سياسي. في العالم مونديال كروي. لبنان الكروي لا يشبه إلا ملاعبه، فجمهوره فريد، وقوانين ألعابه استثنائية، ومواقيت مبارياته غير منقطعة، ورايات الفِرَق لها خفق مستدام.. ينتظر العالم أربع سنوات ليخوض التنافس على الفوز بكأس اللعبة، لكن اللبنانيين يتبارون يوميا للفوز بقطعة من حطام كؤوسهم الأهلية.

كرة السياسة:
مخالفة السائد الرياضي، بدايتها إنشاء النادي، واختيار مجلس إدارته، وتتمتها تشكيل الفريق، وتسمية قائده ولاعبيه، وختامها انتقاء لجنة التحكيم، التي تتولى شأن ضبط سير اللعبة، وفق قوانين الإرشاد الأهلي التي يقررها فقهاء السياسة الرياضية الأهلية.

وعلى ذات نهج المخالفة، يجمع رئيس النادي الجديد، ذو السنوات الستين مثلا، بين قيادة مجلس إدارة النادي، في المكتب، وبين قيادة فريق اللاعبين، في الملعب، بلياقة "بدنية" سياسية، تقوم مقام ما تتطلبه لعبة كرة القدم من عمر شبابي، ومن لياقة جسدية رياضية.
الرئيس والكابتن، صاحب الرشد الأهلي، يقوم دوره على إجادة حياكة "المؤامرة" في غرفة التشاور الخاصة الفئوية، وعلى دقة إدارة المناورة في ملاعب المباريات الشعبية والشعبوية. المهمتان المجتمعتان في شخص واحد، تتوفر لهما شروط التنفيذ بيسر في الحالة اللبنانية، حيث الخروج عن السائد له أكثر من فقيه "لعبوي" يفتي بجوازه، وحيث الفجور في التلاعب بالإفتاء، له جمهوره الذي يرفع لواء "الحق" الذي أظهره نور عقول "الفقهاء".

جماهير الكرات:
على الطريقة اللبنانية، يتوزع المجموع السكاني؛ المقيم والمهاجر، على جماهير، وعلى كرات، وعلى ملاعب، فليس من شأن المتساكنين على قلق، والمتعايشين على توجّس، أن يكونوا واحدا في اللعب وفي الهدف وفي الاحتفالية...هو ذا شأن هؤلاء، مع منتخبات الكرة في الداخل، وشأنه أيضا، مع منتخبات الدول في الخارج. على سبيل المثال، غالبا ما يقترب إلى حدّ التطابق، الانحياز إلى فريق رياضي داخلي معروف، مع الانتماء إلى فئة أهلية معلومة، وغالبا ما يتكرر تطابق الفئة-الانحياز، عند اختيار تشجيع منتخب رياضي خارجي. هكذا يتم التعرف على الرغبة والراغبين، ويكون معلوما السبب والنتيجة، ولا تقع موقع عدم الفهم، حالات التعبير عن الفوز أو الخسارة، لدى الذين يبحثون عن مثقال نجاح، واقعي أو وهمي، لتوكيد تفوّق الذات الفئوية.

إذن، والحال من واقع الحال، ليس مستهجنا ارتفاع صيحات الغضب إذا ما نزلت الخسارة بفريق جعلته الفئوية "ملكا" لها، كذلك ليس مستهجنا موقف" الشماتة" المتبادل بين الفئويات، فهذه تلبس لبوس الرياضة، لتحجب المبعث الأصلي لشماتتها.

"العصبوية"، بذا نكون أمام متراس إضافي من متاريس الافتراق الأهلي، وكما هو معلوم فالمتراس منشأة دفاعية، عند اللزوم، وقاعدة للانطلاق بالهجوم، عندما تدعو الحاجة، وكثيرة هي اللزوميات والحاجات الأهلية اللبنانية.

النخبة المونديالية:
في حومة الاحتفالية "العصابية" الأهلية، تحاول مجموعات مختلطة، جغرافيا وانتمائيا، تمييز مضمون احتفاليتها عن السائد من الاحتفاليات. تفعل تلك المجموعات ما تفعله، في سياق رؤى اجتماعية وسياسية، معارضة ومعترضة، على ما يدور في الإطار السياسي المحلي العام...لكن، وعلى الرغم من تمييز هذه المجموعات لذاتها عن سواها، فإنها لا تبتعد كثيرا عن تصنيفها الانتمائي المتصل بمنبتها الأصلي، وهي عندما تحاول ابتعادا عن مترتبات ومحمولات المنبت، تواجهها القسمة الداخلية التأسيسية، فتعيدها قسرا، إلى تعريفها بالولادة، وتعتمد حيالها نصّها الخاص التوزيعي، الذي يقضي بالتحاق كل لاعب بملعب أهله، حيث الحدود مرسومة بعناية، وحيث "الفاول" ممنوع، بقوة قانون "العصبة"، وممنوع أيضا بقوة العرف، ومقيد بشروط التفاهمات مع باقي العصائب.
المنع والقسر المشار إليهما، هما فعل انتخاب لمجموعات الخروج على السائد المونديالي. هذا يعني جعل تلك المجموعات نخبة من خارجها، أي من خارج رؤيتها الخاصة لذاتها كنخبة، فالرؤية الخاصة تفرض على صاحبها نظرة خاصة أيضا إلى سائر الأمور، أما تصنيف النخبة من خارجها فيكون من أجل ضبطها، فإن فشل الضبط لجأت الفئوية إلى ما في جعبتها من أسلحة الترغيب والترهيب...

تأسيسا على ما سبق، ليس المقصود بكلمة النخبة، في هذا الموسم المونديالي، ما يحيل إلى تعريف النخبة، ثقافيا وسياسيا، بل المراد والمقصود، الإشارة إلى أن الكتل الأهلية، المنحازة فئويا وخصوصيا، ليست كتلاً صمّاء مقفلة، لكنها كتل قوية وقادرة، على منع الخروج منها وعليها، خروجاً مؤثراً وذا حصيلة، من قبل من ينتدبوا أنفسهم، أو ينتخبوها، لتحريك مياه بحيرة الطقوس الراكدة.

مونديال المحلية العالمية:
لبنان الكثير في الواقع، وغير الواحد بقوة الوقائع، يبدو عالما مصغّرا، وإذا كانت العولمة قد جعلت العالم قرية كونية، فإن المحليّة اللبنانية وخارجياتها المتعددة، تسمح باعتبار لبنان عالماً واسعاً.

من مدخل المونديال الذي تحتضن دولة قطر نشاطاته، لبنان اليوم أي لبنان المجموعات، برازيلي وألماني وفرنسي وأرجنتيني وإيطالي وانكليزي وهولندي.. هذا على صعيد "القوى" الكروية النافذة، وهناك لبنان مجموعاتي أميركي ودنماركي واسترالي، وهذا على صعيد" الحنين" أو الوفاء الانتشاري...
الوجه الآخر للبنان المجموعاتي العالمي، تأسيساً على "هوياته" وعلى هواه، هو الوجه المحلي للقوى الكروية العالمية. هذا يعني أنه، ولأسباب لبنانية فريدة، يمكن القول بلبنانية البرازيل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا... وسواها، فكل هذه الأوطان، وبقدرة الفرادة اللبنانية، ينجح توطينها في فيء الأرز، فتصير لبنانية، مثلما نجحت عولمة المحلية عندما جرى توطينها في بلاد الملاعب الواسعة. خلطة فريدة، أو عولمة مبتكرة تسجل للفينيقية التي كانت جوّابة بحار، فعاد أبناؤها ليكونوا رُسل ابتكار عولمة تجمع بين صدف الموركس، وذرّة الانشطار... . لكن يظل البحث عن حصيلة الخلطة قائما، ويظل السؤال عن حصّة لبنان من الخارج مطروحا، ويظل التساؤل عن مصير المحلية الداخلية متقدما على كل العناوين.

قياساً على السؤال المطروح عالمياً: من الرابح في العولمة، نسأل ماذا ربح لبنان من محليته التابعة، بغطاء الانفتاح، والملتحقة، بغطاء "الجسر بين الشرق والغرب". الحصيلة حتى تاريخه، خسارات لا يحجبها ادّعاء، وقهر وفقر وإذلال للمجموع، وانهيار بنى ومؤسسات، لا تغطيها صيحات انفعال تصاحب نتائج اللاعبين في قطر.... صيحات تذهب في الهواء، لأن اللبنانيين ما زالوا دون درجة الفريق، ولأن المحلية اللبنانية، كانت وما زالت، " قرعة وتتغاوى بشعر بنت خالتها" العالمية.
متى يكون للبنان فريقه؟ متى تكون اللبنانية "الرسولة بشعرها حتى الينابيع"؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها