الجمعة 2022/11/25

آخر تحديث: 08:21 (بيروت)

التسوية وسط التشققات

الجمعة 2022/11/25
التسوية وسط التشققات
ظهر اليوم أن المشكلة التي تقف في طريق انتاج رئيس تتصل أولا بحليف حزب الله جبران باسيل
increase حجم الخط decrease

لم تكن النتيجة التي انتهت اليها الانتخابات النيابية الأخيرة نتيجة عابرة او مؤشرا ضعيفا او خفيفا، بل كانت بالفعل إشارة قوية ان فسيفساء القوى النيابية هي بمثابة انعكاس للواقع السياسي المسيطر في البلاد.

 صحيح ان قوى سياسية اساسية ما تزال تحتفظ بتكتلات واجسام كبرى وقوية، ولكنها في الوقت عينه تثبت كل يوم ان تشرذما ضرب الاجتماع السياسي اللبناني بشكل قوي، وقد أتت الانتخابات الأخيرة لتعبر عنه وتعكس صورته بوضوح وقد كانت خريطة توزع القوى في مجلس النواب الحالي خير دليل على ذلك.

على العكس من مجلس النواب السابق حيث كانت الأكثرية بيد حزب الله ومحور الثامن من اذار، فان مجلس النواب الحالي تحول الى ارخبيل جزر متفرقة ليس من السهل جمعها او توحيدها وهذا ما يظهر في جلسات ونقاشات مجلس النواب واعماله ونتائج قراراته.

ظن البعض ان غياب تيار المستقبل عن الساحة السياسية قد يفسح في المجال امام قوى أخرى لتعبئة الفراغ الذي خلفه غيابه بطريقة سهلة، لكن التجربة اثبتت ان عدوى الانقسام والتفرق او التناثر قد اصابت الجميع.

صحيح ان تحالف الثامن من اذار قد نجح في إيصال الرئيس نبيه بري ونائبه الى قيادة مجلس النواب، لكن التجربة باتجاه مناصب أخرى وعلى وجه الخصوص باتجاه رئاسة الجمهورية تبدو معقدة وصعبة وليست بالأمر الهين او السهل.

حتى ان تكتل نواب التغيير الذي كان يفترض ان يكون أكثر تجانسا من غيره باعتباره ممثلا حديثا لموجة الاعتراض الشعبي على القوى المسيطرة، فقد اثبت انه أصيب بوباء الفرقة والتفرق مع اول احتكاك مع الاجسام السياسية الأخرى، فتحول بالرغم من صغر حجمه الى مجموعتين او ثلاث مجموعات.

مقابل تلاشي محور الرابع عشر من اذار لأكثر من اعتبار وسبب فان التشقق ومعالم التباعد سرعان ما ظهرت وتظهر لدى محور الثامن من اذار.

حزب الله ما يزال يتمتع بالقوة والقدرة على السيطرة والتحكم في صفوف القوى المنضوية تحت جلبابه، لكن تجربة الأيام الماضية تؤشر على بداية تشققات وارتباكات كبيرة بين صفوف القوى المحيطة به والمحسوبة عليه.

يبدو ان حزب الله قد بدأ يدفع وان على شكل أقساط مزعجة ومتأخرة وكبيرة، ما تسبب به هو وأسس له من تفضيل و"تطميع" زائد لحليفه النهم والمتطلب التيار الوطني الحر والمنعكس بمطالب رئيسه الشره جبران باسيل والتي لا تتوقف او تعرف حدودا.

ما من شك ان حزب الله يتحمل المسؤولية بشكل كبير عن ما أصاب البلاد من فشل متعاظم بسبب تأمينه التغطية السياسية المستدامة ومن دون حدود لشريكه الفاشل في إدارة الملفات التي تولى ادارتها، أي باسيل وفريقه وتحديدا في ملف الطاقة وملف الكهرباء تحديدا، وهو الملف الذي ارهق ويرهق البلاد على مختلف المستويات الاقتصادية والمالية خصوصا انه قد تمت تلبية اغلب مطالبه ومتطلباته والتي كانت من لحم الخزينة الحي.

المؤكد ان حزب الله يعرف أكثر من غيره نقاط الضعف الأساسية في إدارة ملف الكهرباء فقد كانت لممثله في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الوزير محمد فنيش تجربة جدية ومحترمة في وضع أسس انتشال هذا القطاع من السقوط في حفرة العتمة الشاملة لكنه ولأسباب سياسية تحالفية غض النظر عن فشل وارتكابات باسيل وفريقه وما يزال.

اليوم جاء أوان الامتحان حيث يكرم المرء او يهان. فقد ظهر بوضوح ان المشكلة المتعاظمة والتي تقف في طريق انتاج رئيس للجمهورية تتصل أولا بحليف حزب الله "المدلوع" جبران باسيل والذي لا يتوقف او يتورع عن الاعتداء على أي طرف لايعجبه حتى لو كان من صلب تحالفه وخطه السياسي.

هل سيستمر حزب الله بسياسة تامين حاجات ومطالب الحليف المتقلب والمتزايدة طلباته واحتياجاته، حتى على حساب باقي الأطراف الحليفة وعلى حساب مصالح مجموع المواطنين الذين نزل اغلبهم الى ما دون خط الفقر؟

في اخر خطاب له حدد السيد حسن نصر الله المواصفات التي يعتبرها مطلوبة للرئيس المقبل وأبرزها عدم طعن المقاومة في ظهرها او التآمر عليها. في المقابل حدد البيان الثلاثي الامريكي الفرنسي السعودي الذي صدر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع من أيلول الماضي، المواصفات التي يجب ان تتمثل بالرئيس المقبل للبنان أيضا وهي الالتزام بالإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي و"الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان".
لا تبدو المطالب متباعدة او مستحيلة التحقق.

في عالم السياسة اللبنانية وكما دلت التجارب، يمكن الجمع والتوفيق بين المطلبين، اي الوصول الى رئيس يأتمنه حزب الله على ظهره، في الوقت عينه رئيس يلتزم اتفاق الطائف!
ليس مستغربا ادعاء تحقيق هذا الهدف.

هل التسوية ممكنة وسط التشققات والتداعيات المتفاعلة وكم سيدوم الانتظار والترقب؟
هذا هو مربط الخيل وبيت القصيد.     

  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها