الجمعة 2024/03/29

آخر تحديث: 11:17 (بيروت)

بين المشاغلة الهدامة والحرب المدمرة

الجمعة 2024/03/29
بين المشاغلة الهدامة والحرب المدمرة
هل ستنجح الضغوط المثارة إعلامياً في لجم إسرائيل؟ (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا يزال السؤال المركزي الذي يشغل بال اللبنانيين، منذ اندلاع حرب طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، هو: هل ستتسع وتتمدد الحرب الدائرة في غزة لتطاول لبنان كل لبنان، وبشكل واسع، ويُلحق هذا البلد بمصير قطاع غزة، الذي دمّر بأغلبه وشرد سكانه نتيجة الإجرام والتوحش الإسرائيلي غير المردوع عالمياً أو غربياً؟

هذا السؤال لا يزال يقض مضاجع أغلب اللبنانيين المتبقين في لبنان، الذين لم يعرفوا الراحة أو الاستقرار، رغم اتفاقهم ونجاحهم بشكل فريد واستثنائي في وقف الحرب الأهلية. لأنهم بالرغم من ذلك، سبق أن جربوا أغلب التجارب المؤلمة لأكثر من مرة، والتي كان آخرها عدوان تموز العام 2006، ناهيك بسلسلة تجارب وغزوات إسرائيلية مدمرة، وقعت بعد إعلان وقف الحرب الأهلية والتوصل إلى قرار اتفاق الطائف في العام 1989.

قبل العام 1975 دفع لبنان ومن دون قرار منه أو من شعبه، و بفعل قوة وظروف قاهرة ومرغمة، بسبب الأوضاع والتوازنات الإقليمية والدولية، فاتورة موقعه الجيوسياسي كنقطة تقاطع بين الشرق والغرب والمشاريع المحمولة والمعدة بين الطرفين والفسطاطين. فاُدخل في الحرب الأهلية والمواجهة الداخلية تحت لافتة العمل الفلسطيني المسلح، ودوره في الصراع العربي الإسرائيلي. حيث انتقل من دولة المساندة المفترضة إلى دولة المواجهة الوحيدة في المنطقة، وتم تدميره وتدمير حصيلة ازدهار وتراكم تعب أجياله طوال أكثر من ثلاثين سنة امتدت من 1943 إلى 1975.

اليوم يكاد يتكرر المشهد السابق وهو يتكرر بالفعل، لكن بعد استبدال عامل السلاح الفلسطيني في مواجهة إسرائيل بالسلاح والتسلط الإيراني الذي يحمله ويلتزم به حزب الله، ويقع تحت إمرته ويؤدي فيه دوره ويحمي مصالحه ويصونها وينفذ أوامره وتوجيهاته.

لم يعد الأمر خافياً أو مستتراً على أحد، الأحاديث تدور على رؤوس الأشهاد، واجتماعات التنسيق والتدبير تتم أمام عدسات التلفزة، ولبنان تحول إلى نقطة تلاقٍ بين عناصر وأعضاء محور المواجهة، لتنفيذ نظرية وحدة الساحات المصممة إيرانياً والمدارة من طهران من دون وجل أو تردد.

لقد أُقحم حزب الله ولبنان في حرب المشاغلة الإيرانية من دون قرار أو علم الدولة اللبنانية أو موافقة الشعب اللبناني. ولم تكن زيارات وجولات ناظر الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إلا إعلاناً صريحاً وفجاً عن مصير لبنان الذي تسلم زمام قيادته حزب الله، بعد أن أزاح دولته الصورية الهيولية جانباً، وقرر المضي بالتفاوض والمواجهة الحربية اليومية، مقدماً خيرة شبابه قرباناً على مذبح العلاقات التسلطية الإلزامية مع الولي الفقيه.

ما ظهر وتأكد خلال الأيام والأشهر الماضية، أن هذا البلد المستقل اسمياً وشكلياً منذ 1943، لم يعد له ولدولته وشعبه من وجود أو كلمة أو تأثير أو اعتبار. ولم يعد له شأن أو رأي في ما يجري على أرضه. وهو الذي عليه أن يدفع كل الفواتير والأكلاف من عرقه ودماء أولاده وفقر عائلاته وتدهور أحواله جيلاً بعد جيل.

تنقل وكالة "رويترز" منذ أيام، ونقلاً عن مصادر إيرانية ولبنانية، ومن دون نفي أو توضيح من الأطراف المعنية، أن أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، اجتمع لأكثر من مرة مع قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني، وذلك للبحث وتقييم مسار الحرب على غزة وانعكاسها على الوضع في المنطقة.

ويشير تقرير "رويترز" إلى أن الرجلين التقيا في بيروت، الشهر الماضي، وبحثا المخاطر التي قد تنشأ إذا استهدفت إسرائيل في المرة المقبلة حزب الله، وأن تصعيداً كهذا قد يضغط على إيران للرد بقوة أكبر مما فعلت حتى الآن.

ويقول تقرير "رويترز": "أبلغ أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، قائد "فيلق القدس"، بأنه لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. وأن حزب الله سيقاتل بمفرده، قائلاً إن "هذه معركتنا".

السؤال الذي قفز إلى الاذهان مباشرة وشغل البال، طالما أن حرصكم الكبير والمشكور! والملحوظ على عدم انجرار إيران إلى الحرب مع أميركا وإسرائيل، لماذا تجرون لبنان وتدخلونه في الأتون المشتعل؟

لكن سرعان ما يبرز إلى سطح الأنباء عنصر آخر أكثر تشويقاً وتفسيراً، والذي تمثل بالمعلومات والمعطيات التي كشف عنها وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، والتي قال فيها "إن إيران والولايات المتحدة تفاوضتا بشأن العراق وأفغانستان بشكل مباشر في السابق، وينبغي الآن مشاركة إيران في المفاوضات حول غزة أيضاً".

عملياً، هذا الكلام يقول إن لبنان المرتبط بغزة، سيبقى في قلب الصراع، لكي لا تنجر إيران للدخول في الحرب وتخاطر بتهديم ما بنته وحققته. لكن المفاوضات لتوقف الحرب يجب أن تجريها إيران نفسها مع الولايات المتحدة.

وهذا ما يدعم التفسير القائل إن حرب المشاغلة الدائرة الآن في الجنوب، تستفيد منها إيران وهي التي تفاوض عليها، وعلى مساراتها وبدائلها وأثمانها.

أمّا من يتحمل النتائج فهو لبنان بأرضه وشعبه ومؤسساته ومستقبل أجياله.

السؤال، وبعد قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزة، هل ستنجح الضغوط المثارة إعلامياً في لجم إسرائيل لوقف الحرب وعدم توسيعها، وخصوصاً تجاه لبنان؟

ما من أمر مؤكد حتى الآن، مع العلم أن لبنان قد أصبح منهكاً وشبه مدمر من دون توسع الحرب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها