الجمعة 2024/04/05

آخر تحديث: 10:45 (بيروت)

السلطة الكنسية في مواجهة السلطة المجلسية

الجمعة 2024/04/05
السلطة الكنسية في مواجهة السلطة المجلسية
كلام البطريرك الراعي جاء "حفر وتنزيل" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

حسناً فعل رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، بقراره عدم المساجلة والرد على الكلام الذي صدر عن البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، نهاية الشهر الماضي من بكركي، لمناسبة رسالة الفصح، والتي قرع فيها الجرس السياسي والوطني بقوة ظاهرة، أعادت إلى الأذهان المواقف التاريخية والتقليدية لبكركي من الأزمات.

لقد جنّب الرئيس برّي البلاد، جدلاً كان من الممكن أن يتحول طائفياً مزعجاً ومضراً، في هذه الأوضاع السياسية والوطنية الحساسة.

تحدث البطريرك الراعي بكلام محق وحاد ومباشر قائلاً: "المجلس النيابي بشخص رئيسه وأعضائه يحرم عمداً ومن دون مبرر قانوني، دولة لبنان من رئيس، مخالفاً الدستور في مقدمته التي تعلن أن "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية" (ج)، وفي طريقة انتخابه بالمادة 49، وفي واجب انتخابه قبل نهاية عهد الرئيس الحاكم بالمادتين 73 و 74، وفي فقدان المجلس صلاحيته الاشتراعية، ليكون فقط هيئة ناخبة بالمادة 75. فلا يوجد بكل أسف أي سلطة تعيد المجلس النيابي إلى الانتظام وفقاً للدستور. وبالنتيجة، مؤسسات الدولة متفككة والشعب يعاني ويفقد الثقة بجميع حكامه".

في الواقع، تأخر البطريرك الراعي، لكنه في المحصلة نطق بالحقيقة الجارحة القوية والصحيحة.
مجلس النواب عبر السلطة، وموازين القوى المتحكمة فيه الآن، يحول دون وصول وانتخاب رئيس للجمهورية على رأس البلاد المحتضرة والمتلاشية.

البطريرك وضع يده أيضاً على الداء والدواء. إذ أشار في الوقت عينه إلى استحالة اتخاذ الإجراءات المناسبة دستورياً، وهي حل مجلس النواب الواجب في مثل هذه الظروف، عبر قوله: "لا يوجد بكل أسف أي سلطة تعيد المجلس النيابي إلى الانتظام وفقاً للدستور".

وقد تكون هذه النقطة هي من بين نقاط الضعف الكبرى والأساسية التي احتواها الدستور، الذي اُقرّ في الطائف، والذي تناول في مقدمته في الفقرة (هـ) المبدأ الأساس، حيث حدد أن: "النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".

لكنه حين تناول مسألة مجلس النواب وسلطاته، غاب التوازن عبر تضمينه مواداً أصبح بموجبها موضوع حل مجلس النواب مسألة بالغة الصعوبة. وفي هذه المسألة بات من الاستحالة إعادة التوازن إلى النظام الدستوري، في حال اختلت موازين الممارسة وموازين المؤسسات، كما هو جار الآن. حيث ثبت أنه وفي أكثر من مناسبة، حدث في العقدين الأخيرين تمرد لمجلس النواب على باقي السلطات، عبر تحكم معادلة سياسية راهنة ومسيطرة الآن. وفي الوقت نفسه، انعدمت إمكانية المحاسبة وإعادة التوازن إلى النظام.

في الأنظمة الديمقراطية الطبيعية، القائمة على الفصل بين السلطات وتوازنها، من الطبيعي أن تقدم السلطة التنفيذية على حل المجلس النيابي، في حال تقاعس عن القيام بواجباته. وهو ما حصل ويحصل اليوم. إذ يجب أن يكون المخرج للانسداد القائم، عبر حل مجلس النواب، والدعوة إلى انتخابات نيابية تعيد تكوين السلطات التي أخلّ بها تصرف المجلس. وهذا أمر صعب التحقق في الواقع الراهن. وهذا ما أشار إليه البطريرك من دون أن يقوله.

وقد بينت التجارب، عبر ثلاثة أحداث متوالية، في السنوات الأخيرة، أن مجلس النواب في وضعه السياسي الحالي، بات عصياً على المحاسبة والتقويم. وهو في حالة استعصاء وتمرد وتحكم دائم في البلاد يقارب الاستبداد. وكان يجب أن يخضع للمحاسبة كلما كبل النظام ومؤسساته، و مارس ورسخ انقلاباً على جوهر النظام البرلماني الديمقراطي.

التجربة الأولى، تمثلت في إقفال أبواب المجلس وتعطيل أعماله، حين اندلع الخلاف مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة على موضوع إقرار قانون ونظام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. والأنكى أنه عطل أعماله بقرار من رئيسه، وعاد للمطالبة بمحاسبة الحكومة نتيجة تعطيله لأعمال الدولة، كالمطالبة بوقف الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية، بعد رفضه استقبال مشاريع الموازنات المقترحة من الحكومة، والتي رفض استقبالها أو النظر فيها أو إقرارها. 

التجربة الثانية، تمثلت بتعطيل عمل المجلس والآلية الديمقراطية من أجل إيصال الرئيس المحبوب، فلتة الشوط المنقذ "كيم إيل عون" إلى قصر بعبدا، حيث مُنع المجلس من انتخاب رئيس الجمهورية، إلى أن رضخ وقبل بانتخابه وصهره رئيساً، وأقر بما تريده قوة الأمر الواقع، وصولاً إلى قبول سعد الحريري بالسير بالتسوية المزعومة والمشؤومة، التي أطاحت بالبلاد والمؤسسات والاقتصاد والمالية العامة والنظام وهيكلية الدولة البالية أساساً.

أما التجربة الثالثة، فهي الجارية الآن، منذ الإعلان عن ترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، فإن عملية الانتخاب معطلة بانتظار الرضوخ لمطالب داعميه الممسكين بالسلاح.

علماً أنه إذا تُرك مجلس النواب ليمارس عمله الطبيعي، أي الانتخاب بجلسات مفتوحة ومتتالية وحرة، كما ينص الدستور والنظام الديمقراطي المتعارف عليه، لكان فاز ونجح المرشح الذي يحوز ثقة ورغبة الأكثرية النيابية، ولكان للبنان رئيس طبيعي، منذ أن غادر عون قصر بعبدا.

من هنا، فإن كلام البطريرك الراعي جاء كما يقال، "حفر وتنزيل"، وفي المكان المناسب، حيث وضع أصبعه على الجرح وقام بتوصيف الداء والدواء.

والواقع، أن بكركي من موقعها المسيحي والوطني الشامل، تكاد تكون الجهة الوحيدة المؤهلة لأكثر من اعتبار، لإعادة طرح المشروع الوطني اللبناني المتهالك، على أسسه الرئيسية التي قام في البداية عليها منذ التأسيس والاستقلال، حين أعلن لبنان الكبير المستقل بعيداً عن الالتحاق بسوريا الوحدة، أو فرنسا الأم الحنون.

فهل تنجح بكركي اليوم في قيادة معركة الاستقلال الوطني، كما نجحت عام 1920 في التأسيس والاستقلال الأول مع المسلمين، وفي العام 2005 بتحقيق الاستقلال الثاني مع أغلب اللبنانيين؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها