الإثنين 2022/01/03

آخر تحديث: 12:31 (بيروت)

احتفالات لن تمنع غرقنا

الإثنين 2022/01/03
احتفالات لن تمنع غرقنا
"نرقص تماماً كما رقص رواد سفينة التيتانيك وهي تغرق" (Getty)
increase حجم الخط decrease

في أول يوم من السنة الجديدة استوقفْتُه، هو المتشائم أبداً، وقلت له مازحاً: امسح هذا الحزن عن وجهك، وانظر كيف أمضى اللبنانيون الأعياد بفرح وكأن لا أزمة اقتصادية لم نعرفها منذ تكوين لبنان الكبير، لبنان لا ينهار ولن يموت. قال لي بعد صمت: أتريد أن تحتسي فنجان قهوة مع متشائم؟ وهكذا أمضيت قبل ظهر أول يوم في السنة الجديدة مع محلل سياسي من الطراز الرفيع، محلل يدرك خبايا لبنان، والأهم من كل ذلك أنه يرفض أن يضحك على نفسه وعلى الآخرين.

ليلة رأس سنة 1975 سهرنا كما لم يسهر أحد في المنطقة. كانت الفنادق مليئة باللبنانين والعرب والأجانب. كان اقتصادنا صاعداً. السياحة في عزها. وكان لدينا دولة ومؤسسات. مصارفنا خزنة الشرق الأوسط والدول العربية. والقطاع الاستشفائي ساهم في معالجة الكثير من العرب. وجامعاتنا خرجت رجالات دولة حكموا معظم الدول العربية والإفريقية. تصوّر، كان لدينا قطار لنقل البضائع من مرفأ بيروت الذي كان شاغل الدنيا. كل هذه الأنشطة خلقت دوراً اقتصادياً لبيروت. وكنا نظن أن هذا الدور سيحمينا من الإشكاليات والحروب والمصاعب، إلا أننا كنا مخطئين. أذكر يومها إنني تنقلت ليلة رأس السنة بين فندقي "السان جورج"  و"الهوليدي إن". كانت الأجواء أسطورية، وليل بيروت لا ينام. أهل السهر من كل الجنسيات، تجار، سمساسرة، دكاترة، سفراء، جواسيس، محامون، إعلاميون، فنانون.. كلهم يريدون استقبال العام الجديد في مدينة السهر. في عز الليل "وشوشني" أحدهم وهو يغادر: "نرقص تماماً كما رقص رواد سفينة التيتانيك وهي تغرق".

وعندما حاولت أن اتصل به بعد ذلك، مستفسراً، قيل لي إنه غادر لبنان إلى فرنسا هو وعائلته الصغيرة. وسرعان ما دخلنا في 13 نيسان 1975 بحرب ضروس امتدت على جولات، ولم تنتهِ مع إقرار اتفاق الطائف. وها نحن نعيش في جولة جديدة منها، ويبدو أنها لن تنتهي قريباً. لا تغشّك المظاهر وهذا الترف غير المفهوم، إلا كونه هروباً من واقع نعيشه وسيؤدي بنا إلى غرق جديد.
في العام 1975 لم يحمنا الدور الاقتصادي الذي كنا نلعبه في المنطقة، ليبعد عنا كأس الاقتتال والانهيار. اليوم، ما يمنعنا حتى اللحظة من الولوج إلى انفلات الوضع، هو ذلك الشاطىء الذي يمتد من شمال لبنان إلى جنوبه. إذ أن أي تفلت أمني أو انهيار للقوى الأمنية سيؤدي إلى امتلاء الشواطىء الأوروبية بمهاجرين من لبنانيين وسوريين وفلسطينين، يهربون من الجحيم. إضافة إلى ذلك، فان الدول التي تملك مفاتيح المنطقة لا ترغب بفتح ملف جديد والمفاوضات على أشدها في فيينا، والتي في حال فشلها أو انهيارها سندخل في مرحلة جديدة من شد الحبال، مع ما يعني ذلك من انهيارات جديدة.

إن عدم خلق دور سياسي واقتصادي للبنان، وهذا ما عجزت عنه المنظومة السياسية بعد الانسحاب السوري، يقودني إلى التشاؤم. فالبلاد الصغيرة الموجودة في منطقة مليئة بالتوترات، لا تستطيع الصمود أمام العواصف في حال لم تخلق سبباً لوجودها. ونحن مختلفون على خطة اقتصاد تنتشلنا من وضعنا البائس، ومختلفون على دور لبنان الخارجي وعلى تحديد العدو من الصديق.. فكيف نستطيع أن نصمد أمام التبدلات والعواصف، وأن لا ينقسم اللبنانيون على أنفسهم ويتقاتلون دعماً لمشاريع خارجية، قد تؤدي إلى تقوية حضور ذاك الخارج في الداخل اللبناني المعقد؟
هكذا دخلنا أزمة 1958 وحرب 1975 التي لم نخرج منها ليومنا هذا.

أما بهجة الاحتفالات بمناسبة العام الجديد فستتبخر سريعاً مع دخولنا في حمى الانتخابات النيابية، التي ستجري على قارب صغير يغرق، وما من أحد يريد أن يساعده، بعدما تخلى عنه أهل البيت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها