الثلاثاء 2022/02/15

آخر تحديث: 11:17 (بيروت)

اعتكاف القضاة وانهيار السلطات

الثلاثاء 2022/02/15
اعتكاف القضاة وانهيار السلطات
تحاول السلطة القضائية أن تصمد وأن تقاوم (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

رب ضارة نافعة، ورب الاعتكاف الذي أعلنه القضاة عن ممارسة واجبهم الوطني يذكّرنا بأمور عديدة مهمة، نرفض أن نناقشها أو نخاف أن نذكرها.
فلبنان يعيش منذ سنوات انهياراً غير مسبوق ولم يعرفه من قبل، حتى في عز الحروب اللبنانية. وكان أركان السلطة طوال الفترة السابقة يرمون أسباب الأزمة على المؤامرة الخارجية التي يعلقون عليها كل مشاكلنا. بينما الحقيقة في مكان آخر. إنها في عدم بناء دولة عميقة طوال السنوات الماضية.

وفي هذا المجال، علينا إزاحة الكثير من التفاصيل اليومية من أجل تبيان حقيقة الوضع الذي نمر به. فمنذ بداية الأزمة، كانت المنظومة تركّز على أن الانهيار يطال المؤسسات، وبالتالي من الممكن تداركه. وبدل إيجاد المخارج والحلول، كانت المنظومة تغرقنا يوماً بعد يوم بمستنقع لا مخرج منه. فجاء هذا التحرك ليعيد تصويب البوصلة ولو مؤقتاً، وليقول صراحة أن الأزمة هي أزمة سلطات تنهار الواحدة تلو الأخرى.
فالقضاء الذي هو سلطة من السلطات الثلاث التي يقوم عليها النظام في لبنان وفقاً للدستور، هي سلطة غير مستقلة، ويُتعامل معها من قبل من يسيطر على النظام على أنها مؤسسة عامة، يجب فرض وصاية عليها من سلطة تنفيذية انهارت مع أنفجار مرفأ بيروت، ومن سلطة تشريعية لم تستطع أن تحمينا من الانهيار أو من تداعياته، وهي اليوم مصدر استهزاء لدى اللبنانيين. وفي هذا الجو من الانهيار المتتالي، حاولت السلطة القضائية أن تصمد وأن تقاوم وأن تعمل، على الرغم من كل التحديات والصعاب المالية، وعدم محاسبة المقصرين من القضاة، وعلى الرغم من الهجمات التي تعرضت وتتعرض لها من قبل أركان المنظومة. فكل الأوساخ والمصاعب والمسائل الشائكة ترمى على القضاء.

يكفي أن نراجع كيف تعاملت الحكومة والمجلس النيابي مع انفجار بيروت، ورمي الحمل -كل الحمل- على القضاء، ومن ثم الهجوم على كل من تولى هذا الملف الشائك، لندرك كيفية محاولة حشر القضاء لإحراجه وإخراجه من ضمائر اللبنانيين. إلا أن هذا الصمود مقدّر له أن ينهار في حال استمرار القضاة بركب قطار التدهور السريع أو في حال تصديهم لهذا الانهيار من زاوية مطلبية ضيقة عبر حصر مطالبهم بضرورة إقرار بعض العطاءات، التي ستنهار حتماً مع استمرار الانهيار الكبير.
فالرد الأول لا بل الوحيد لوقف الانهيار هو إدراك القضاة لدورهم الوطني والانساني. ولا يتم هذا الأمر إلا عبر تخليهم عن مرجعياتهم السياسية الفاسدة والمفسدة، وإدراكهم أن المحاسبة تبدأ من تطهير الجسم الداخلي ومحاسبة المقصرين من القضاة، وأيضاً عبر معرفتهم أن مهمة القضاء الأساسية اليوم هي العمل على استرجاع ثقة المواطن اللبناني بالدولة، كون لا مكان للقضاء في وطن لا دولة فيه أو شبه دولة. والانهيار المالي والسياسي والمؤسساتي سيأخذنا حتماً إلى ذلك المكان البائس وهو ليس ببعيد.

ولكي تكتمل الصورة والتحدي، حذاري أن يضع القضاة قدماً في الفراغ، عبر الغرق في استسلامهم لسوداوية تحيط بهم، وأساسها أن التركيبة اللبنانية لا تتحمل المفكرين من خارج الصندوق الطائفي والحزبي السائد الذي دمر لبنان. وهذا من واجبهم، لا بل سبب وجودهم. وحذاري الغرق في انتصار زائف، في حال أمّن لهم بعضاً من مطاليبهم المالية، ولو هي محقة. فالمرحلة مصيرية، وعليهم أن يكونوا على قدر التحديات وهي كثيرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها