الإثنين 2021/09/27

آخر تحديث: 15:02 (بيروت)

السيطرة العارية

الإثنين 2021/09/27
السيطرة العارية
السلاح وسطوته، ليسا أداة التقدم الوحيدة للشيعية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

دفعت حركة الاعتراض الشعبي عملية تعرية تراتبية الهيمنة الداخلية خطوات واسعة، إلى الأمام، وما حصل في الفترة الممتدة بين 2015 و2019، كان كفيلاً بإسقاط عدّة سواتر تمويهية، كان النظام اللبناني الطائفي، يَسْتُر خيباته وهيمنته، بها. ولم يقتصر الأمر على النظام، بل طالت تفاعلات الاعتراض في الشارع، البنية السياسية الحزبية، والبنية المُدُنيّة، فكشفت عجزاً مُزمِناً لدى الحزبيّات، وانكشفت هشاشة المدنية، التي بَدَت غريبة عن قراءة الواقع، فمكثت حبيسة مطالب وشعارات، بَدَت وكأنها تخاطب "جموعاً" غير الجموع اللبنانية.

راهن العُرْي السلطوي
من دون إطالة، ظهَرَت إلى العلانية سِمّة تقادم النظام، ولم يعد موضع جدل القول بسقوطه التاريخي، وبانت على حقيقتها، المعطيات، التي تفيد بصعوبة جمع السقوط السياسي للنظام، مع حُكْم سقوطه في التاريخ. لكن النظام العاري، كما يقدمه الراهن اليومي، ليس واحداً عند النظر إلى القوى التي تشكّل بعضاً من عناصر ثباته، لذلك لن تستفيد القراءة إذا وقفت عند مادة التعميم، ولن تكون النتائج والخلاصات مُتاحة، إذا لم يقترن إسم كل قوّة أهلية داخلية، بمسؤوليتها المحدّدة، عن تراكم مسيرة الانهيار الداخلي، الذي باتت معه البنية "الوطنية" العامة، قريبة من ملامسة انفكاكها.

تبدّل الكراسي
لقد تكفّلت الحرب الأهلية اللبنانية، بالعَصْف بانتظام ترتيب كراسي الحكم، مثلما تكفّلَت بنقل مواد "الهيمنة" التي تشكلت بعد الاستقلال اللبناني، سنة 1943. استكملت العصف تداعيات الحرب الأهلية، فكانت هيمنة سورية، وكان احتلال صهيوني، وكانت مقاومة، أرادت ألاّ تكون أهلية، مع جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ثم انتكست، لتعود أهلية وأكثر، مع المقاومة الإسلامية التي يدفع شعارها اليوم، حزب الله اللبناني.

لقد كان من نتائج عاصفة التطورات، تراخي قبضة المسيحية السياسية، وفي طليعتها المارونية السياسية، وتراجُع دور السنية السياسية، وتضخُّم دور الشيعية السياسية. الرعاية الخارجية لأطراف السياسيات الطائفية هذه، أضافت وزناً إلى الإسلام السياسي عموماً، وأخذت من المسيحية السياسية، عموماً، وخصوصاً، لذلك باتت صورة الراهن اللبناني، إسلامية أكثر، وذات سمة مذهبية شيعية أكثر، سِمَة لامعة لا تخطئها العين، في الوقت الذي علا الشحوب السياسي، سائر الوجوه المشاركة الباقية.

في مواكبة وَصْف ما آلت إليه الطائفيات الحاكمة، حصلت مَذْهبة ضمن كل طائفية، ثم غَلَب التمذهب على كل مذهبة. هذه الأخيرة، جرى دَفْع الكتل الأهلية إليها دفعاً، بضغط من خارج الرعاية، وبضغط مشارك من داخل الوصاية. هكذا، دُفعت المارونية مثلاً، لأن تخلع عنها بعضاً من ردائها المسيحي العام، لتصير مارونية أكثر، ومثل المارونية، تسَنَّنت السنّية أكثر، وبات تشيّع الشيعة أثقل، ضمن بيئته، وفي محاذاة كل بيئة مذهبية مجاورة، المذهبية "القسْرية"، والتمذهب "الطوعي" انعكست آثارهما على كل بيئة خاصة، فَخَفَت صوت الاعتراض في بيئةٍ ما، وتوزّعت الأصوات، فباتت بلا أثر حاسم، في بيئات أخرى. هذا كان له معنى آخر في مسالك السياسة، فصار التشظّي العملاني المعترِض ظاهرة عادية، وبات القهر، بقوة الشعارية، وبقوة السلطة، الظاهرة والمستترة، أمراً يجري مجرى القبول، والرضى، والانقياد ليوميّاته.

مقعد الشيعية الأول
سيحتفظ لبنان حتى مدّى ما، بتوزيع مقاعد الحكم، لكنه لن يحتفظ، وحتى مدى ما مواكب، بالتوزيع السلطوي داخل أروقة الحكم، الذي يتولّى، وسيتولّى، شؤون التصرّف بالقرارات المصيرية.

من دون منازع، الشيعية تحتل المقعد الأول في الحكم، لا ينتقص من هذه الحقيقة، إسم وطائفة رئيس الجمهورية. من رئيس طليق إلى رئيس مقيّد بقيد التحالفات الناعم، أو الخَشِن، هو ذا حال رئيس الجمهورية اللبنانية، منذ ما بعد اتفاق الطائف، وحتى تاريخه.

المقعد الثاني، يديره رئيس مجلس نيابي، هو الأعرق على مقعده، وهو الأدقّ عند حساب الربح وحساب الخسارة، وهو اختار، ومنذ ما قبل الطائف، وأكمل بعده، نهج الالتحاق بالوصاية، عندما كانت الوصاية سورية، واختار العيش، وليس التعايش فقط، مع الهيمنة الإيرانية الجديدة، التي تدير "جيشها" من بعد، وتحرص على حفظ حصّة القابلين بهذه الإدارة، ولا تنسى "من فضلها"، كل محبِّذ سياسي، يرضى من "غنيمة السلطة بالإياب".. الإياب المتكرّر إلى مقعد نيابي، أو بلدي، أو اقتصادي، أو، أقلّه، الإياب إلى صورة إعلامية، لا تغيب عن مجالس الثرثرة السياسية.

ويبقى السؤال المعروف؛ كيف وصلت الشيعية إلى مقعدها؟ الجواب ليس مجهولاً، فهذه الجماعة الأهلية وصلت دبيباً، وتراكمياً، وبخطى سريعة.. وها هي تتحضر للتنقل بقفزات، هل يجافي ذلك واقع التطورات الواقعية؟ لا يستطيع المراقب الهادئ إلاّ أن ينفي صفة اللاواقعية عن واقعية الشيعية. هكذا يَترك الواقع للمكابر السياسي، وللمكابر فقط، أن يزين النقلة الشيعية بميزان التسلّط المنافي لطبيعة الزحزحة الأهلية، التي ما زالت فصولها تتوالى منذ خمسين من الأعوام، أي منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، الذي حمل إرهاصات انفجار التوازنات الداخلية. يجدر التنويه، أن السلاح وسطوته، ليسا أداة التقدم الوحيدة للشيعية، فالسلاح أحد أهم الوسائل، وأثقلها وطأة، لكنّه ليس العامل الوحيد الذي ثَقَل موازين الشيعية، لذلك، فإن على البحث البنيوي الداخلي، أن يذهب في مسالك شتّى، وهو يعيد معاينة التجربة اللبنانية، تمهيداً لاستخلاص دروسها.

سفور السيطرة الشيعية
كما وَرَد، تقدّمت الشيعية باستخدام وسائل متعدّدة، وهي حافظت على مسافة "تقيَّة" من السلطة، ونجحت بالاستناد إلى جهدها الخاص، وبالاتكاء على من حالفها من المذهبيات المماثلة، لكن احتدام التطورات، وتبلور البؤس الداخلي، على الوجه الذي صار إليه، وتسارع وتيرة العوامل الخارجية، ومن ضمنها العامل الإيراني، فَرَض على الشيعية، وممثلها الأول حزب الله، البدء بخطوات متتابعة، للخروج من التقيّة، وللاقتراب من محطة النطق بالأمر اليومي: "الأمر لي".

لقد مرّت سنوات على امتلاك هذا الأمر، ولم يقصّر الناطق باسم "الطفرة" الشيعية في الإيحاء بأن الأمر له، لكنّ الاقتراب من ساعة الحقيقة، لن يدع مجالاً للتقية المتمادية من جانب الشيعية، وعليه، فإن اللحظة القريبة الآتية هي لحظة النطق "بالشهادتين".. أما اللحظة الحالية، فهي محطة انتظار الجواب على سؤال: كيف سيكون ذلك؟ وفي أي لبنان سيكون؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها