الإثنين 2021/05/24

آخر تحديث: 14:54 (بيروت)

لبنان وغزّة: مقاومتان وخلاصات

الإثنين 2021/05/24
لبنان وغزّة: مقاومتان وخلاصات
تأتي ذكرى التحرير بالتزامن مع توقف الحرب في غزة (المدن)
increase حجم الخط decrease

سَبَق وقْف إطلاق النار في غزّة، تاريخَ تحرير الأرض اللبنانية في 25 أيار من العام 2000. قرْب الموعدين زمنياً، مناسبة لإعادة تسليط الضوء على ما يميّز "المقاومتان"، وعلى ما يجمع بينهما، على أصعدة البنية والخطاب والمرجعية والمقاصد والأهداف.

المقاومة اللبنانية
خَتَم "حزب الله" نصّ المقاومة الوطنية اللبنانية. فهذه الأخيرة افتتحت السطور الأولى قبل سنوات من اجتياح العدو الصهيوني لبنان، عام 1982. لقد كان للمقاومة الوطنية اللبنانية، التي ضمّت أحزاباً مختلفة، قَصَب البدء، في كتابة المقدمة وفي صياغة متن التصدي للعدو بالسلاح، وكان للمقاومة الإسلامية "سلّة" القطاف، بسلاح حزبها، حزب الله، وبشراكة ثانوية من "حركة أمل"، وبمساهمات هامشية، من قبل بعض أعضاء نادي جبهة المقاومة الوطنية اللبناني، في الهزيع الأخير من اختلاجات احتضارها.

بين بُنية وبنية، قام حزب الله على خطاب عام، لكن قواعده خاصّة، وتوجّه إلى المدى العربي، وإلى المدى الإسلامي، لكن مرجعيته كانت "اجتهاداً" في الإسلام، ولم يكن القصد هدفاً عربياً، أو مهمات عربية على غرار ما كان مرفوعاً من أحزاب وحركات عروبية سابقة.. لقد كان يسيراً على حزب الله، وعلى ذراعه المقاوم، أخْذ الخطاب إليه من خلال عنوانين ظلاّ ماثلين كمعضلتين، في الديار العربية، أولاً، وفي بعض الديار التي توسّلت سبلاً إلى الخريطة العالمية والإقليمية. العنوانان المعضلتان هما: فلسطين أولاً بصفاتها المتداخلة، بين دين ودنيا، وعروبة. والثاني هو التصدي للنهب العالمي والاستتباع، هذا الذي كان مقاومة للسيطرة الإمبريالية، فصار إسمه التصدي للاستكبار العالمي.. وكما هو معلوم، لقد استثارت مهمات التحرر والتحرير حميّة الوافدين حديثاً إلى النضال القومي والإسلامي، وشحذت هِمَمَ الاشتراكيين السابقين، والعروبيين المكسورين الذين ورثوا خيبة الآمال بالقومية، وتلاشي الأوهام بانتصار الاشتراكية والشيوعية. استفاد حزب الله من زخم نهوض مشروع مرجعيته في إيران، ومن استعداد حاضنته المذهبية لاعتناق العنوان التحريري والتحرّري الجديد، ومن الغطاء الواسع الذي أمّنة الجمهور العربي الذي خذلته أنظمته، وطنياً وقومياً، فكان للحزب أن يقطف ما قطفه، لحسابه الخاصّ أولاً، وللحساب العام ثانياً، وسيظهر بعد سنوات، أي الآن، أن خطاب النوايا الظاهرة، لن يتطابق مع مضمرات المقاصد الخبيئة، وعليه، صارت النتيجة المكرّسة، ما يعيشه اللبنانيون اليوم من خطايا وعثرات ومعضلات نظامهم، نظام الحاكمين والمتحكّمين بهم، الذي لا يستطيع حزب الله المقاوم، أن يُنكر أنه هو، قبل غيره، أحد أعمدة هذا النظام، والفصيل الأول الذي يضمن حمايته.

المقاومة الفلسطينية
مقارنة مع حزب الله، لم تختم حركة حماس في فلسطين، المقاومة التي أطلقتها، رسمياً، حركة "فتح" سنة 1965. الختام ما زال بعيد المنال فلسطينياً، والصراع الذي بدأ قبل قرن من الزمان على الأرض الفلسطينية، ما زال مرشّحاً ليمتدَّ حتى سنوات طويلة مقبلة. في ظلِّ هذا الإدراك للواقع الصراعي على فلسطين، كانت حماس مُجبرة على الدخول من بوابة عنوان إحياء الكفاح المسلّح ضد الكيان الصهيوني، بعد أن فشلت المفاوضات السلمية في ميدان انتزاع مقومات إعادة بناء الشخصية الوطنية الفلسطينية المستقلة، في دولتها، وفي حمْل هوية هذه الدولة. سياق حضور حماس، ومن ثمَّ رسوخه في الميدان الفلسطيني، سلك مسلك الصراع على الإمْرة، مع السلطة الفلسطينية المولودة من رحم اتفاق أوسلو، واستند إلى دَعْم إسلامي خارجي، هو المعلن عنه اليوم بعد الاتفاق على الهدنة في غزّة، وهو ما يتفق عليه أنه "التنظيم الخارجي" لجماعة الإخوان المسلمين، الذي له نفوذ عربي، وحضور في أوساط دولية عديدة. لقد عوّضت "حماس" غيابها الطويل عن ميدان الصراع، بأسلوب العمليات الصادمة، الانتحارية، في سنوات إدارة الرئيس ياسر عرفات. كذلك اختصرت مسافات اللحاق الزمني، بانقلابها الذي قامت به في غزّة، وبطموحها غير المستتر إلى الحصول على الاعتراف بها في "إمارتها" كسلطة رديفة للسلطة الفلسطينية، إذا ما تعذّر حصولها على الحكم في الضفة والقطاع، وحلولها في السياسة الفلسطينية كسلطة بديلة. على وجوهٍ شتّى، كانت المعركة الأخيرة في فلسطين، وفي بعض من جوانبها، معركة انتزاع السلطة، بلبوس مطلب حقيقي، الدفاع عن الأقصى، ونصرة أهل الشيخ جرّاح في القدس، مما يشكّل إحراجاً لكل ذي قول مختلف عند احتدام المعارك، لكنه لا يمنع لاحقاً من الوقوف أمام حقيقة الأهداف المتوخّاة من خلال كل صدام قتالي.

في امتداد حديث الأهداف، أو المقاصد، لم يتأخّر عدد من مسؤولي حماس عن الإعلان عن موقعهم ضمن محور "الممانعة" الملتبس تعريفاً، الواضح أداءً، كانت وجهة هؤلاء الخارج، ولم يكن المقصد الداخل الفلسطيني، وربما كان المضمر السياسي، غير العصيّ على الاستقراء، توجيه النظر إلى "كرسي السلطة" مجدّداً، بالاتكاء على وهج إعلان "الانتصار" الطالع من جنبات قطاع غزّة الصامد.. الجريح.

خلاصات
مقاومتان في بلدين، لبنان وفلسطين، يجمعهما مبدأ الكفاح المسلّح، الذي سبقه ورفعته قوى عربية من خلال شعارات "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، والوحدة طريق فلسطين وفلسطين طريق الوحدة، وشعار "الثأر" وسوى ذلك من الشعارات التي غطّت حقبات عربية طويلة. جديد المقاومتين، الذي يجمعهما، "الإسلامية السياسية" التي تختلف في "الاجتهاد المذهبي"، وتعود لتلتقي عند مرجعية الدعم المادي، الواحدة. الأساس الإسلامي السياسي، مرجعية التعبئة والحشد. وتبادل الدعم، حول المشترك السياسي، هو غاية القصد، وتكريس حضور نفوذ سياسي، إقليمي غير عربي، أو عربي مشترك، بين العروبة السياسية والإسلامية السياسية، رئة تنفّس ودعم مستدام، ما دامت سياسة المشروع الإقليمي، المختلط، تتّصف بصفة الإستدامة.

في سياق تكريس الوجود السياسي هذا، تشترك المقاومتان في طلب السلطة، وتسلك كل منهما، المسالك التي تتيحها الظروف الواقعية في كل بلد من بلديهما. ويُعتمد في كل بيئة داخلية، خطاب يكاد يكون متطابقاً من فريقي المقاومة، يتمظهر في ثوب سياسي تطهري، وفي جُمل نقاء ثوري إيماني، لا غاية له سوى غاية البقاء على جادة "الإيمانية" التي ينطلق منها هذا الطرف المقاوم وذاك.

ما سبق، هو بعض من نقاط الجمْعِ بين مقاومة حزب الله ومقاومة حماس، أمّا نقاط الاختلاف، فهي تلك الكامنة في جوهر المسألتين الفلسطينية واللبنانية. ومن أجل الوضوح، يجب التمييز، بالقول إن المسألة اللبنانية، هي كيانية داخلية أولاً، وحدودها حدود بيْنية يغلب عليها العامل الداخلي، أما المسألة الفلسطينية فهي معضلة دولية وعربية، وتحرّك الشعب الفلسطيني بين ألغام تعقيدات الوضعين، العربي والعالمي، جعل الفعل الفلسطيني مرتبطاً بنتائجه، بما تفرج عنه التوازنات الخارجية من برامج وسياسات. من دون معاندة للقول التاريخي الذي يعطي الداخل الأهمية الحاسمة الأولى في كل سياسة، ينبغي الاعتراف بأن تضحيات الشعب الفلسطيني وبطولاته، لم تستطع حتى الآن، فرض انتزاع القليل من حقوقه التاريخية المسلوبة، بسبب من القهر الاستيطاني الصهيوني، وبأسباب من الدعم العالمي لهذا الكيان الغاصب.

إذن، يستطيع حزب الله الاطمئنان إلى داخليته، للإندراج في بنية الداخل، وللسعي من أجل مكاسب كيانية نهائية، ليست مستحيلة إذا ما قيست وفقاً لقواعد التوازنات الداخلية، لكن حماس لا تستطيع الاطمئنان إلى فوزها "بالكيان" الفلسطيني، إذا ما كانت مرجعية عدم الاستطاعة العودة إلى كل ما هو معلوم من تعقيدات المسألة الفلسطينية.

على الجادّة
ينجو النقاش من الهذر، إذا ما أُخذ من خارج منطق الحماسة، ومن خارج خطب الانكفاء، ومن خارج مقالات الإحباط، ويستقيم تبادل الآراء، إذا ما وُضعت المُسلّمات جانباً، وهذه من صنف الحق في فلسطين.. طبيعة الكيان العدواني.. ضرورة امتلاك مقومات القوّة.. كل ذلك وسواه، معلوم، واستهلك ألسنة وأقلاماً، لذلك يظلّ المطلوب قول رأي عن المفيد والضروري والممكن من كل سياسة، ويبقى المطلوب السؤال عن البرنامج وعن التحالفات وعن الممارسات.. في هذا المجال لا شيء يتقدم على شعار الاستقرار اللبناني، فكل ما يفضي إلى ذلك ضروري، من دون اتهام ومن دون مواقف مسبقة، كذلك لا شعار يتقدم على شعار دعم الشعب الفلسطيني في صراعه الطويل، من أجل كل حقوقه، ومن أجل انتزاع ما هو ممكن فيها، اليوم وفي المستقبل. وهذا من المهمات التي ينبغي التصدي لها من دون اتهام أو تخوين أو اتباع نهج الصراعات الداخلية.

مقاومتان، تخضعا لمنطق الواجبات الوطنية، هما مقاومتان بمقدار ما تُحسنان ابتكار واتباع سياسات هذا الخضوع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها