الجمعة 2021/03/26

آخر تحديث: 12:16 (بيروت)

جمهورية المقاومة الشعارية

الجمعة 2021/03/26
جمهورية المقاومة الشعارية
تستعر الحرب الأهلية بين اللبنانيين ويخمد أوارها، لكن لا تنطفئ نارها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

في بلادنا العربية، سادت اللغة القومية والاشتراكية دهراً، وحيث لم تكن اللغة حاكمة في النسق الرسمي لكل بلد، كانت في الوقت ذاته متحكمة بمزاج شعبي عام واسع في كل البلاد. الانتساب إلى المعارضة في الديار العربية، كان متوفراً في جملة قومية عامة: تحرير فلسطين، والدخول إلى نادي التغيير كانت جملته السحرية: الحرية والوحدة والاشتراكية، أما الفوز باللقب النضالي، فكان معقوداً لكل من يعلن عقد العزم على مقارعة الصهيونية والإمبريالية والتصدي لمؤامراتهما المشتركة. سال كلام سياسي كثير، وتدفقت أنهار شعارات ودماء وخراب، ثم سالت بلاد النضال والقومية والاشتراكية، فأضحت النضالية التحررية والتحريرية والتقدمية أثراً بعد عين. ذهبت البلاد وبقيت مقدسات شعاراتها، ولأن العجز أقام في طول الديار العربية واستحكم، صار المقدس الماضي ملاذاً لكل قاعد عن المبادرة، ولكل قاصر عن نقل كلماته الماضية نحو كلمة جديدة تنتمي إلى عالم المستقبل، الداني منه، والبعيد المآل.

لبنان السابق نضالياً
لبنان الراهن مصاب منذ عقود بأعطاب النضالية العربية، وهو سبق في سيلان كيانه الموروث، سائر كيانات أشقائه التي عادت وانضمت إليه، حسب نسخ تدفق تدميري، ووفقاً لعمليات ذات مظاهر أعلى من درجات الخراب. لبنان هذا، ما زالت تقود يومياته مهمة المقاومة التي كان السبَّاق إلى إطلاقها، فاللبنانيون فعلوا ذلك جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين، أي منذ عقود طويلة، وعندما كانت الحدود العربية مع فلسطين محروسة بقوة الجيوش، دعا لبنانيون إلى فتح كل الحدود، وعندما كانت أنظمة الثورات العربية قد أفلحت بقمع مجتمعاتها بسطوة المخابرات، كان المجتمع اللبناني سائراً في خط حرية صاخب، وصل في نهايته إلى حصيلة التحرر من كل القيود التي تضبط الانتظام العام. كان ضبطاً عربياً شاملاً في الجوار، وفوضى لبنانية عامة بين أهل الدار.

مسلسل ما بعد المقاومة
والفوضى ما زالت تتوالى! تستعر الحرب الأهلية بين اللبنانيين ويخمد أوارها، لكن لا تنطفئ نارها. يقاتل اللبنانيون الجيش الإسرائيلي ويطردونه خارج أرضهم، لكن لا تتوقف مقاومتهم. يخرج الجيش السوري من لبنان بعد مقتل رفيق الحريري، لكن لا تذهب الهيمنة السورية مع جيشها. يخرج كل الخارج المتدخل بعنف في لبنان، أي الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وخلاصة قوات الردع العربية من جهة أخرى، لكن لبنانيين يحملون لبنان إلى الخارج! هذه العملية السياسية كلها، لها فذلكتها النضالية المنقولة من حقبة إلى حقبة. تزول البنية الشعارية النضالية، وما لا يعطيه الميدان، يتكفل بتوفيره اللسان.. وهكذا.

في بلاد الله التي سبقت اللبنانيين إلى مقاومة الاحتلال، نعلم علم اليقين أن القتال كان بنداً أساسياً متقدماً على بنود أخرى في برامج الأحزاب والقوى التي نهضت إلى الكفاح المسلح. هذا يعني أن الحزب لا يُعرّف بصفته المقاومة، بل بخطه السياسي الذي يحمل النظرة إلى الأهداف الوطنية كلها، وإلى شكل المجتمع، وإلى أساليب العمل المتنوعة.
في بلاد الله، ذهب الاحتلال، وعادت السياسة إلى مجاريها. في لبنان، صارت كلمة المقاومة هي النبع والمجرى والمصب. لا برنامج خارج الكلمة، ولا ممر ولا مستقر لسواها. تخيلوا، أن الحزب السياسي في لبنان يعرف دولته المطلوبة، بالدولة الديمقراطية المقاومة! فإذا تعذر عليه أمر القتال، اخترع منظومة مقاومة ثقافية واقتصادية وخدماتية. ماذا يعني هذا غير استعارة الديماغوجيا القومية والاشتراكية لبنانياً، في الزمن الذي أطاح فيه الزمن بكل منظومة الديماغوجيا.

من المقاومة إلى شعاريتها
للتأكيد مجدداً، صارت "المقاومة" وسيلة ارتزاق لدى جمهرة الأحزاب والحركات والجمعيات اللبنانية التي تنطق زوراً وتمارس بهتاناً. و"المقاومة" ذاتها صارت مبرر وجود حزبي وسياسي، لأجسام سياسية فقدت مبرر وجودها السياسي البرنامجي، لأنها عجزت عن ابتكار مقارباتها للمواضيع، وليس بسبب من غياب المواضيع.. وما أكثرها.
الوضع السياسي اللبناني اليوم، واقع بين إطباق الفجور النضالي، الذي يمارسه أصحاب السطوة والنفوذ، شعارياً ومادياً، وبين تراخي القصور النضالي المجتمعي الذي لا يستطيعه المعارضون والمعترضون مادياً، فيلتحقون بأهل السطوة كلامياً وعلى صعيد الممارسة.

ومتى تعود المقاومة، أو الحصانة اللبنانية الشاملة، بنداً في برنامج وليس البرامج كلها؟ متى يكون لبنان جمهوريةً أنجبت مقاومين، وليس جمهورية للمقاومة؟ أسئلة فيها من المسؤولية عن العجز والقصور، الكثير الكثير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها