الإثنين 2019/08/19

آخر تحديث: 01:06 (بيروت)

خطاب النصر: جدلية الوضع ونمطية الجملة

الإثنين 2019/08/19
خطاب النصر: جدلية الوضع ونمطية الجملة
اللغة الانتصارية اليوم تستحضر الإقصاء الوطني والأهلي (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease

نقاش متداخل:
يفرض نقاش ما حصل خلال حرب تموز عام 2006 نقاشاً متداخلاً غير أحادي الجانب. هذا ما يستطيعه قراء الوطنية اللبنانية المتشابكة عيشاً وعلاقات ومصائر، وهذا ما لا يقدر على النطق به قراء الأحادية المنحازة خارجياً والمصطفة داخلياً، لأن في ذلك ما ينال من لحمتها "العصبوية" ويشوش على منطلقات الإسناد الخارجي الذي تنتسب إلى مقولاته. خطاب النصر الذي أدلى به الأمين العام لحزب الله مؤخراً، ينتمي إلى الخطاب الأحادي الذي يدمج بين ما هو واقعي وما هو مفارق لمجريات الواقع، تبريرا للفكرة الجاهزة سلفاً، ودفاعاً عن صوابها العام ونجاعتها الأكيدة.

عوائق نقاش الخطاب:
يتمتع خطاب حزب الله بتفوق بدئي مصدره العداء المسبق للكيان الصهيوني، والإحجام الذاتي عن إطلاق المفردات من دون تدقيق أو انتباه أو شرح ضروري من قبل معارضي الخطاب ومنتقديه، هذا لأن الزلل اللغوي أو الاصطلاحي تنتظر صاحبه لغة التخوين الجاهزة، ونعوت التخاذل والتهاون والتفريط.. المعمول بها منذ نعومة نشوء" الأنظمة الوطنية التقدمية" وحتى هذه اللحظة التي صار فيها كل "فصيل مسلح" نظاماً وطنياً كاملاً، ينوب عن الأمة سلماً وحرباً وحياة يومية.

إذن، مسألة الصراع العربي الصهيوني مازالت حاضرة بأشكال مختلفة في الوجدان الشعبي، ومسألة فلسطين مازالت ماثلة على وجوه شتى في "القلب القومي"، هذا الواقع الإشكالي قومياً يستمر مادة استغلال وتوظيف من قبل كل من يشهر سلاح الصراع ضد مغتصبي فلسطين، ويستمر الواقع ذاته مادة " قمع ذاتي" عند مقاربته، في موضوعه ومادته وتطوراته والقوى التي تستفيد منه وتغرف من " كيمياء" عناصره الواقية.

جبهة الخطاب:
نعني بالجبهة الحدود الأمامية حيث العدو من جهة، وحيث قوة الدفاع الوطنية من جهة أخرى، أي حيث احتمال المواجهة قائم بين الداخل اللبناني وعدوه الخارجي، الذي هو الصهيوني المحتل في حالتنا اللبنانية.

على هذه الجبهة كلام أحادي من الخطاب الأحادي مرحب به، وكلام آخر غير حقيقي واقعياً ووقائعياً، مما لا يقع في خانة الإيجابيات لبنانياً، ومما يعرض الإيجابيات في حال تحققها، إلى البعثرة والزوال.

من السطور التي تلقى الترحيب إعلان امتلاك مقومات القوة الذاتية التي تدفع العدو إلى مراجعة حساباته وإلى التدقيق في سياساته، وهذا يصح فيه القول المأثور: التهديد بالقوة خير من استخدامها.

من المرحب به أيضا في سياق القوة" الردعية" إعلان القدرة على إرباك مخططات العدو وتدمير تشكيلاته القتالية وتكبيده خسارات فادحة في حال اعتدائه على لبنان.. لكن وبعد ذلك يبقى الترحيب رهن المسموع، فالتحقق منه غير متاح إلا لمن كان مطلعاً على أسراره، وهذا من طبيعة الحرب وأساليبها. لكن ورغم غياب المرجعية الوطنية، أي الدولة، عن مادة الخطاب التي يفترض أنها حقيقية وواقعية، يظل من الأجدى عدم التشكيك في مصداقية الإعلان لأن في القبول العام للمعلن فائدة وطنية عامة.

التمسك بما هو ذي فائدة جامعة، واحد من مقومات الوحدة الوطنية الداخلية في مواجهة الخارج، هذه الوحدة نعاها الأمين العام لحزب الله في استعادته ليوميات تموز 2006، وجعلها حكراً على حلفائه الحاليين، وأسقط منها عمداً، وبما يجافي الحقيقة كتلاً أهلية بكاملها وصفوفاً واسعة من اللبنانيين الذين تضامنوا بأشكال مختلفة، إنما من دون أن يمحضوا "حزب الله" الموافقة على التحكم بقرارات اللبنانيين المصيرية. اللغة الانتصارية اليوم تستحضر الإقصاء الماضي لتستنسخه في الحاضر، وطنياً وأهلياً، وهذا لا علاقة له بما أورده " الأمين العام" عن الأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية. في هذا السياق لا بد من ملاحظة الفرق بين إقصاء بنيوي ميثاقي يلعب بالتاريخ الكياني وإقصاء سياسي تمليه تلاعبات العمليات الانتخابية.

دعم محوري:
تجلت الأحادية السياسية في خطاب النصر لدى تناول داعمي الصمود اللبناني، أي المجموع الذي صار إسمه محور المقاومة. فرط إسم الجمع على مكوناته المفردة يظهر أن المسمى واحد وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أما ما سوى ذلك فأذرع ومواقع نفوذ وساحات عمليات يجري "تصميدها" بواسطة مركزها الإيراني العام، وهذه إن استطاعت تشويشاً سياسياً وحربياً عاماً فإنها لا تستطيع أن تضيف إلى أي جبهة غير جبهاتها.

تفصيل إسم الجمع وعرض أسمائه المفردة يساعدان على تظهير الصورة، وعلى تمييز الدعم الممكن للبنان في حال تعرضه لهجوم صهيوني من استحالة تقديم أي دعم. فعلى سبيل السؤال المكرور: ما الذي تستطيعه سوريا؟ وماذا يقدم العراق؟ وهل الحديث عن اليمن جدي؟ ومن يبقى غير إيران؟ وفي هذه الحالة ما شكل الإضافة الإيرانية؟ الأرجح أنها ستكون إضافة لبنانية محلية، أي إن الأمر في أية مواجهة يبدأ لبنانياً وينتهي لبنانياً. ومن هنا يكون البدء الواقعي أما ما سوى ذلك فتوسيع لجبهة مدارة من مركز، وليس لمحور تنتظمه بنود حقوق وواجبات معروفة.

انحياز الخطاب:
رغم الصفة الوطنية العامة التي تعطى لذكرى الانتصار، بقيت نبرته منحازة داخلياً وخارجياً، ولم يفت تلك النبرة توجيه الاتهام المباشر بالتآمر على صعيد عربي، هذا بعد أن أسقط كل البعد العربي من الذاكرة التموزية.

لقد تم تجاهل الدعم العربي الذي أعاد بناء ما هدمته الحرب، وتم نفي الدور الذي قامت به "حكومة المقاومة" حسب تعبير الرئيس نبيه بري، وأسقطت يوميات التفاوض العسيرة التي أدارتها تلك الحكومة بتنسيق مع الرئيس ذاته وبمؤازرة عامة من المعنيين اللبنانيين والعرب أيضا.. السؤال كيف تستفيد الوحدة الوطنية من هذا التجاهل؟ وماذا يجني لبنان من وضع بعض العرب في صف العدو؟ وكيف تكون مواجهة مستقبلية ناجحة، أو حصانة لبنانية عصية على الاختراق، إذا ظل الكلام اتهامياً في الداخل وفي الخارج؟ ما يساق في نقد مقاربة حزب الله في معرض تبديد القواسم المشتركة اللبنانية يساق أيضاً، وفي مطارح أخرى، في نقد المواقف التي تسلك مسالك الإساءة ذاتها إلى عوامل الاستقرار الداخلي.

إشكالية مستدامة:
لا يستطيع متفائل القول إن حزب الله سيدلي بدالته لدى مرجعيته الإيرانية طالباً تحييد لبنان، وعدم تعريضه لأخطار لا قبل له بها. على النقيض من ذلك يعلن حزب الله أنه قوة متقدمة في إشعال المنطقة إذا استهدفت إيران. كذلك لا يستطيع قائل الدعوة إلى سياسة معاداة لحزب الله، هكذا دعوة تشكل وصفة لحرب أهلية مدمرة يعرف اللبنانيون معناها ومبناها.

لكن هل يمكن الدعوة الى الاستمرار في نقطة وسيطة تخفف السياسة فيها من غلواء حزب الله ومن غلو المناداة بتحجيمه؟ يبدو حتى الآن، أن هذا ما هو ممكن لبنانيا. هذا الممكن تقبل به غالبية اللبنانيين، فهل يقبل حزب الله بدوام هذه الدرجة من القبول؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها