الأحد 2019/12/15

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

أمل.. التيار.. حزب الله

الأحد 2019/12/15
أمل.. التيار.. حزب الله
لسان حال باسيل: تنجح الحكومة بمشاركتنا، أو نعمل على إفشالها (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

جمع العنوان المنثور أعلاه، يعبر عن واقع التيار الوطني الحر برئاسة النائب والوزير جبران باسيل. فالتيار تضخّم وجنى نفوذاً ما كان ليستطيع قطافه في معزل عن أمرين: أولهما الذي جنته العونية من سنوات غربتها القسرية، حين استنفدت الحالة التيارية سنوات تغييبها في توظيفها في شعارات وطنية عامة، كان في مقدمتها مطلب الاستقلال وخصومة النظام السوري وحلفائه وملحقاته في لبنان. أما الأمر الثاني فهو الانتقال إلى التحالف مع خصوم الأمس، ومن ثم صياغة التفاهم الأشهر مع حزب الله، وفي امتداد ذلك تبديل معطيات الخطاب حيال النظام السوري، يوم استقرار سوريا، وبعد وخلال كل العصف السياسي الذي حلَّ في أرجائها. لقد صار التيار الوطني الحر بين وقت تأسيسي خصامي آفل، وبين وقت استثماري تحالفي مقيم، ومن الوقتين ينطق رجل التيار الأول، الوزير جبران باسيل، بوقت ثالث لم تكتمل كل سيرته الزمنية التوظيفية.

لكن ماذا في سيرة التوظيفية "التيارية"، من حالة التيار ومن صفة الوطنية، ومن شعارية الحرية؟ التدقيق في الجملة الإسمية التي صارت إليها العونية الأصلية، تحمل الكثير من تناقضات المعنى ضمن الجملة الواحدة، تناقضات، تكفّلت السيرة الذاتية السياسية لمن تولّى شؤون التيار، في تقديم عناصرها، وفي قراءة مدلولاتها.

عودة إلى الإسم
جملة الإسم موزّعة على ثلاثيتها تفيد أن التيار فقد مساحة اتساعه، وأنه فقد تدفق روافده، وأن الحرية فيه باتت حرية الانسياب ضمن ذات المجرى، بسلاسة ومن دون تجاوز حدود الضفاف المرسومة بدقة المشرف، والمرعية بتدقيق الوارث الأمين. أما الوطنية، بما هي الصفة الجامعة التي أدار المؤسس معاركه باسمها، فقد تقلصت لتصبح مطالبة بحقوق المسيحيين، وتنافساً على انتزاع حصرية التمثيل المسيحي مع باقي أطراف المسيحية السياسية التي تنطق بذات المطلب، مع تدوير نبرة الكلمات، خلافاً لما هي عليه النبرة التيارية التي سمعها من هو في موقع المنازعة المباشرة، ومن هو في موقع الاستهداف من أطياف المذهبيات السياسية الأخرى.

عين الحاضر
التذكير بالانزياح التياري له وظيفة حاضرة، في ظل الأزمة السياسية الشاملة التي تعصف بالبنية اللبنانية. فلقد استهدفت استقالة حكومة سعد الحريري مجمل "العهد" الذي أراده التيار أن يكون مميزاً، والذي أراده حلفاء التيار مميزاً أيضاً، حسب ما رغبوه من فوائد نفوذهم الذي جعل رئيس الجمهورية الحالي، مرشحاً وحيداً، ومن ثم رئيساً بقوة تفاهم مفروض بمقدار كبير على الشريك "السني"، وبقوة حذلقة مسيحية ابتكرها سمير جعجع، قائد حزب القوات اللبنانية، حذلقة أرادها القائد "سحراً"، ليكتشف أن السحر قد انقلب سريعاً على الساحر، وأن سياسة الإلغاء ما زالت مستمرة منذ حرب الإلغاء الشهيرة، في العقد الأخير من القرن الذي انصرمت أحداثه، ولم تنصرم تداعياتها. من التداعيات، كما سلف، أخذ الدور المهيمن مسيحياً، وتصدر معركة الخصومة مع السلطة التنفيذية التي باتت منوطة بالحكومة مجتمعة، بعد تسوية اتفاق الطائف الشهير.

الحاكم المعارض
متابعة معركة الصلاحيات، واعتماد أسلوب المحاصّة الطائفية، لم تؤثر في الأساسي منهما الحركة الشعبية التي ملأت الشوارع والفضاء، أجساماً واصوات حناجر. لقد أدار التيار، ومعه أركان التشكيلة الحاكمة والمتحكمة، للشارع الآذان الصمّاء فعلياً، ونطقوا بادعاء تبني مطالبه مخادعة ورياء، ثم عمدوا إلى توظيف هذا التبني في تقاذف كرة المسؤولية عن النار السياسية التي اشتعلت في لبنان، وفي الاستمرار في إدارة معركة المحاصّة الجديدة، التي باتت قسمة لمغانم الخراب العام.

في امتداد معركة التناهب القديمة الجديدة، جاء المؤتمر الصحافي للوزير جبران باسيل الذي أكد ما هو معلوم، لجهة هروبه مع تياره من المسؤولين عن الانهيار، وثبَّت ما كان رجراجاً في الذهن، لجهة "أنا أو لا أحد"، الشعار الذي قذفه "الرجل الأوحد" في وجه سعد الحريري، وأوحى، بما يكاد لا يقبل الظن والاجتهاد، أن صفوف المعارضة التي ينوي الوزير المستقيل الانتقال إليها، لا تعدو كونها سياسة تعطيل لاحتمالات نجاح الحكومة المقبلة، في مباشرة معالجة جزء من حالة الانهيار العام الذي يتهدد الحياة الاجتماعية والسياسية. ملخص القول "الباسيلي": تنجح الحكومة معنا، أو نعطل إمكانية وصولها إلى شاطئ النجاح، حتى لو كان هذا النجاح محدوداً. هل يشكل التعطيل استثناء في الحالة التيارية، بحيث يُعفى من الظن التعطيلي به؟ الجواب موجود في استعادة ممارسة شَلّ، أقدم عليها التيار قديماً، وعاد إليها حديثاً، ويهدد باستخدامها في الأيام السياسية المقبلة.

ماذا عن الغطاء
إذا كان حزب الله هو الغطاء الأهم لممارسة التيار الوطني الحر، فلأن الغطاء يشكل "دفئاً وستراً"، للداعم والمدعوم. يتبادر السؤال: ماذا عن غطاء حزب الله اليوم لسياسة فئوية حادة يظهرها حليفه؟ وهل يمكن التستر على تلك "اللاحكمة" السياسية التي تصيب حزب الله في جملة من تصيب؟ مسار حزب الله ومن ثم سيرته، لا تجعل اللاحكمة سياسة متوقعة، بل إن سياسة الحزب تخضع دائماً لحسابات واسعة، وهذا السلوك صفته الموضوعية والعقل البارد المدرك لمجمل الظروف المحيطة بالحسابات، هذه الصفة تظل مواكبة لسياسة الحزب، سواء خالفها البعض أو اتفق معها. بناءً عليه، يظلّ المتوقع من قيادة حزب الله البقاء على خيط التوازن العام، الذي وإن لم يفرِّط بحليفه، لكنه لا يذهب إلى حدّ دعمه في "مغامرته المعارضاتية" المعروفة الأسباب والأهداف. يصح في موقع حزب الله الآن المثل: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" بحيث ينصر الحزب "أخاه التيار" بردّه عن ظلمه، والتيار كان وما زال "ظالماً"، قبل دخوله حلبة الحكم وأثناء وجوده فيها، ولحظة تهديده بمغادرتها، ليمارس "تحكمه" من خارجها.

مخارج
يستطيع حزب الله لعب دوره المتوازن مباشرة، ومن خلال حليفه في الثنائية، الرئيس نبيه بري، هذا الذي مازال منسوباً إليه، وبتوافق التشكيلة الرسمية، حياداً يلتزمه عندما يشاء، ويغادره لفترة عندما تقتضي مشيئته، أو "مشيئات" المقربين المغادرة، وقد بادر "النبيه" إلى إعلان توازنه قبيل الاستشارات النيابية المنتظرة.

ما تقدم لا يعفي الرئيس المستقيل سعد الحريري من مسؤوليته الماضية، ولا يعفيه من مسؤوليته عن أن يكون واحداً من الباحثين عن المخارج بجدّ ومسؤولية، وأردأ سلوك يمكن اعتماده في هذا المجال، هو سلوك الإحساس بالفوز، أو مجاراة المتضررين مذهبياً وطائفياً في خطاب الشخصانية، وجعلهم في مقام الانكسار. الواقع اللبناني ينبئ دائماً، ان الكسر الطائفي مستحيل، والكسر الوحيد المشروع، هو ذلك القادم من جهة حركة شعبية لبنانية جديدة، تنكسر معها الطائفيات السياسية، ويُحفظ في رحاب إنجازها الوطني اللبنانيون بما هم مواطنون متساوون أمام القانون، في الحقوق وفي الواجبات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها