الإثنين 2019/11/18

آخر تحديث: 00:32 (بيروت)

كلن يعني كلن.. مسار تجديد السيرة اللبنانية

الإثنين 2019/11/18
كلن يعني كلن.. مسار تجديد السيرة اللبنانية
وضوح الهدف.. النظام الطائفي اللبناني (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

أيام التحرك الشعبي المتوالية منذ السابع عشر من تشرين الأول الفائت، هزَّت السكينة الاجتماعية اللبنانية، لكنها لم تكن كافية لتهزَّ سلطة التشكيلة الحاكمة والمتحكمة. صمد الشارع الشعبي خلف مطالبه، وتمترست المنظومة السلطوية خلف أبواب انغلاقها. شيء من أحداث العام 1975 يشبه ما يحصل اليوم. حركة شعبية حاشدة في الشارع، طالبت النظام الطائفي بالإصلاح الديموقراطي، فرد عليها بالحرب الأهلية. وحركة شعبية متجددة اليوم، يرد عليها النظام ذاته بثباته في التخلف، وبتمسكه بامتيازاته وبأنماط نهبه وإفقاره، وبالتلويح بشبح الحرب الأهلية.

منهجة الأهداف
ما زالت الحركة المطلبية السياسية طرية العود، لذلك يجب انتظار وقت إضافي لقراءتها قراءة أشمل تدقق في تشكُلها، وفي أشكال تجمعها، وفي أساليب عملها، وفي العناصر "العميقة" التي تكمن في أساس حيويتها واندفاعها واستعدادها العالي للتضحية والعطاء. هذه القراءة المؤجلة لا تلغي ما بات في الحوزة من "إنجازات" واضحة ملموسة، فلقد أزاح التحرك الحيوي في الشارع جملة من الرمزيات، وكشف الكثير من العناوين التي تناقض مضمونها، وفرض إيقاعه "الأكثري" المنفتح، على ما عهده العمل الحزبي التنظيمي من إيقاع "انضباطي" مغلق، كأسلوب مستقى من أزمنة العمل السري ونظريات الانقلابات النخبوية التي يقودها حزب مخلص أو قائد ملهم.

مع زمن التحرك الشعبي القصير، صارت الحرية أوسع مدى، وصارت الكلمة أكثر حروفاً، وبمقدار اتساع فضاء الحرية وفضاء الكلمات، ضاقت الحلقة التعريفية حول النظام ومكوناته، وتحددت جُملُ أحزاب طوائفه، تقلصت لتصير جملة واحدة نافرة، فوقف الكلام الحر العاري في الشارع، في مقابل الجملة المقيدة برجعيتها في كواليس النظام. "كلن يعني كلن"، هي الكلمة الفصل التي قصدت معنى أن كل الطاقم الحاكم والمتحكم هو كتلة واحدة متراصة في الدفاع عن مواقعه السلطوية، وفي الدفاع عن نهبه المتوحش لكامل الثروة الوطنية، وفي الإصرار على التشبث بنظامه البالي في وجه كل عملية تغييرية.

وضوح الهدف، أي التصويب على النظام الطائفي اللبناني بصفته العائق الأساسي أمام عملية التطور اللبناني بنيوياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً.. هو تصويب مستقبلي صحيح، لكن تقديمه كهدف آني ليس صائباً في اللحظة الحالية، بالنظر إلى حسابات القوى الذاتية الخاصة، وقوى النظام التي أثبتت أنه ثمانية عشر نظاماً، وأنه الأرسخ بين أقرانه العرب، بشهادة التاريخ اللبناني المحلي، وبشهادة ما حصل ويحصل في عدد من البلدان العربية. هذا الأمر، أي الاعتراف برسوخ الطوائف في نظام امتيازاتها، يعيد الاعتبار إلى منهجة الأهداف ومرحلتها، وتوزيعها على عاجل وقريب وآجل، بما يضمن القدرة المتوالية على انتزاعها، وبما يستجيب لحقيقة المسارات النضالية الشعبية، التي هي بالتعريف مسيرة طويلة متراكمة.

حلقة التواصل الضرورية
الانتباه إلى واقع طول المسافة بين الكلمة والحركة والوصول إلى هدفها، يعيد إلى الواجهة ضرورة استحداث آليات الاجتماع التي تكفل استدعاء الحشد وتدير حركته. اتصالاً بذلك، لا يمكن الاستسلام إلى "تقديس العفوية" الذي دافع عنه بعضهم لحداثة تجربته، ونافح عن ضرورته بعض آخر من ذوي التجارب الحزبية الخائبة، على خلفية الحرص حيناً، وعلى خلفية عدم القدرة على تجديد الذات والالتحاق بالحركة الشعبية الناشئة، استحقاقاً داعماً ومسانداً من دون الطموح إلى تصدر الصف الأمامي من المشهد العام. بين التنظيم الضروري، والانفلاش العام، هناك حلقة تواصل انتظامي ضرورية، وهذه ابتكر التحرك بعضاً من أشكالها، وسيواجه في استمراريته، تحدي تطوير هذه الأشكال التواصلية الانتظامية. وفي السياق ذاته، فإن مسألة التنظيم، أو الانتظام، ليست الوحيدة التي تواجه التحرك الشعبي الآن وفي المستقبل، بل ستواجهه كل المسائل البنيوية المتعلقة بالنظام إجمالاً، وبأطرافه المتفرقين الذين يشكلون جمع حبات عقد استوائه نظاماً.

أهمية ما أشير إليه تعود إلى ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بمسائل تحديد أهداف النضال الشعبي، وباختيار وسائله وأساليبه وشعاراته. وهذا ما سيكون في أساس الوعي العام الذي تراكمه كل حركة شعبية. في سياق الوعي الجمعي الشعبي، قدّم التحرك حتى تاريخه، نقاط بدء جديدة واضحة، سيكون مطلوباً تطوير وضوحها في سياق المواجهة المفتوحة على المستقبل، وتعريفها من خلال أدائها وليس من خلال ادعاءاتها، وفي هذا المجال ليس قليلاً الوضوح الذي جرى تحصيله حول سلوكات الرئاسات الثلاث، وحول المضمون الأهلي الفئوي الذي ارتدَّ إلى مذهبيته الخاصة عندما ألقى التحرك الشعبي قفاز التحدي في وجه من حكى مقاومة، ومن نطق عبوراً للطوائف، ومن قال أنه خرج من قوقعة الخصوصية إلى رحاب الوطنية، ومن لوَّح بتقدمية زائفة، أو بتجديد حداثي غير مفهوم.

"كلّن يعني كلّن" قالها التحرك، وهي تشمل يمين البنية اللبنانية ويسارها أيضاً، أي كل مسألة الجديد الذي يسعى إليه اللبنانيون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها