الأربعاء 2018/08/08

آخر تحديث: 00:41 (بيروت)

لبنان وسوريا علاقات الضرورة العسيرة

الأربعاء 2018/08/08
لبنان وسوريا علاقات الضرورة العسيرة
هذا النمط من العلاقات اللبنانية السورية كان سائداً مع حافظ الأسد وقبله وبعده (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

مع اتجاه الوضع السوري صوب خواتيمه، عاد الساسة اللبنانيون إلى تداول مسألة العلاقات اللبنانية– السورية بوتيرة متسارعة، وما كان معلَّقاً أو مؤجّلاً من قضايا هذه العلاقات ومعضلاتها، أُستعيد إلى يوميات السياسة اللبنانية. وكانت لضرورات طرحه أولوية فرضها تسارع الأحداث فوق الجغرافيا السورية المهشمة، بعد سنوات من الحرب الأهلية التي ما زالت مفتوحة على عدد من محطات الحوار "النارية".

نقاش العلاقات اللبنانية السورية ما زال يتخذ طابع السجال المأزوم، هكذا كان الوضع عليه بعد استقلال كل من لبنان وسوريا، وهكذا ظلّت الأزمة "العلائقية" تجرجر تداعياتها حقبة بعد حقبة، متخذة في كل فترة شكل الإناء السياسي الذي وُضعت فيه. في هذا السياق، ليس واضحاً تقدير المدّة الزمنية التي يمكن وصفها بالطبيعية في مجرى العلاقة المشتركة التي حكمت البلدين الجارين، لكن ما يمكن مطالعته بوضوح هو مجموع الحقبات التي كان فيها طيف أزمة العلاقة بين "الشقيقتين" العربيتين يجول في سماء سياسية مكفهرة، ويتنقل بين قضايا خلافية حذرة وغير مستقرة.

الأرجح أن هذا النمط من العلاقة هو الذي ظلَّ سائداً بعيد استواء كل من سوريا ولبنان ككيانين مستقلين، أي في معظم حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وفي ظل الجمهورية العربية المتحدة، وليدة الاندماج بين مصر وسوريا، وفي عهد ما بعد الانقلاب على هذه الوحدة، من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي، وأخيراً منذ انقلاب البعث على البعث بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد... وحتى تاريخ كتابة هذه السطور.

من التكرار المفيد القول إن مسألة العلاقة مع سوريا "الطبيعية" تشكل مسألة كيانية لبنانية، وللكيانية هذه معنى التضمين في نشوء الكيان اللبناني المستقل، ومعنى الإنغراس في البنية "الشعبية" التي تحلَّق طيف داخلي واسع حولها، وعاش هاجس خطر الاتصال بها طيف داخلي واسع آخر. على نقطة اتصال الشقاق اللبناني الداخلي حول كل مسألة العروبة والإسلام والانتماء إلى المحيط، وحول مسألة اللبنانية والفرادة والاختلاف "التكويني" نشأة وحضارة... على نقطة الشقاق هذه، بنى اللبنانيون مادة نشأة كيانية أصلية، ومن "عمرانها" قاموا بتشييد عمارات فرقة ولقاء، وهدوء وتوتر، لكن الجميع لم يستطع الفوز بتغليب رؤية على أخرى لأسباب لها علاقة أولاً وأخيراً، باستحالة الفصل في العلاقة فصلاً إلغائياً أو عدائياً أو قطعياً، واستحالة الوصل وصلاً التحاقياً أو تبعياً أو اندماجياً. لم يستطع أي من الأفرقاء اللبنانيين تقديم فلسفة متماسكة وطنية شاملة، ترابط حيث الربط ضروري، وتنأى عندما يكون النأي قاهراً ومشروعاً، وتسعى في سبيل تحسين شروط الوصل والنأي الموضوعية، بما يترجم فعلاً مقولة مصالح وترابط مسائل الوضعين اللبناني والسوري، منظوراً إليهما أيضاً من ضمن كل مقولات تكامل مصالح السياسات والضرورات العربية.

العجز اللبناني المستدام ما زال راهناً، وفي المعاينة يجب القول إن كل مقولات السياسيين الذين يسعون إلى الفوز لبنانياً من بوابة ما يرونه فوزاً نظامياً سورياً، هي مقولات معاقة سياسياً، وتعيد الشأن اللبناني إلى خانة "اللا استقلالية" يتولى ساسة حديثو النعمة السياسية التلهي بإدارتها والحصول على منافع جنى هذه الإدارة في التغلب الداخلي المستحيل، وفي الإثراء ما كان منه مشروعاً وما كان منه غير مشروع. وقد يكون من الأجدى القول، إن اقتصاد التبعية والإلحاق، هو فعل غير مشروع بكل المقاييس الوطنية والسياسية والأخلاقية. ولن يغيب في هذا المجال القول، لقد عرف اللبنانيون اقتصاديي تبعية، وهؤلاء يشار إليهم اليوم بالبنان، ويسري ذكرهم بين الناس العاديين مجرى الأسماء والصفقات والزبائنية والأرقام!

على خطٍ موازٍ، وفي المعاينة أيضاً، يجب القول إن كل النبرات اللبنانية العالية التي ما زالت متوقفة عند عقد خلا من السنوات، هي نبرات عاجزة أيضاً عن اشتقاق لغة تحسن قراءة التطورات، وتعمل ذهنها في ابتكار معادلة الاتصال الجديدة مع سوريا، اتصالاً موضوعياً ومصلحيا، بحيث لا تخضع العلاقة اللبنانية السورية مجدداً إلى رغبة الكيدية والاستئثار التي عاد إلى ركوب مركبها رهط واسع من الساسة الذين ما كانوا ليكونوا ساسة لولا أنهم ارتضوا الإقامة في منزلة الملاحق، وبحيث لا تعود العلاقة لتكون مجدداً رهينة للنظام السوري الذي تحدوه الآن، وحسبما يشاع، رغبة الثأر والانتقام من فريق لبناني بعينه، وبمساندة ظاهرة من فريق لبناني يجهر بهذه المساندة.

ما تقدم يضع معادلة العجز في العلاقة اللبنانية السورية في مطرحها الواضح، فهي معادلة عجزين، أحدهما داخلي لبناني على ما جرى تبيانه، والثاني داخلي سوري، فاللبناني لم يفلح طوال سيرته الاستقلالية من ابتكار أحكام سوريته اللبنانية ولا أحكام لبنانية العربية السورية، والسوري لم يفلح، ولعله لم يرد، ابتكار لبنانيته السورية ولا سوريته اللبنانية العربية. في المكانين، تحكمت المطامع النظامية السورية من جهة، وشطارة السمسرة اللبنانية من جهة أخرى، وغباء أغلب التشكيلات الحاكمة التي أنيط بها قيادة السيرة الاستقلالية.

ويبقى سؤال أول: هل من الصائب القول عدم البحث في عودة العلاقات اللبنانية السورية؟ الجواب أن أي "عدم صلة" يشكل رداً خاطئاً. وإلى السؤال الأول نضيف سؤالاً ثانيا: لكن هل من الصائب إجازة سلوكات السياسات اللبنانية التي تريد إعادة لبنان واللبنانيين إلى عهود الوصاية الخارجية غير المسؤولة وغير المساءلة؟ الجواب بالنفي أيضاً، وبالتأكيد على أن هكذا سياسات تشكل خطراً على "الكينونة" اللبنانية. ربما من غير المستطاع تقديم ما هو أكثر من محاولة الفهم، وهذا صحيح، والصحيح أيضاً أن الوضع اللبناني رغم أعطابه يستطيع أن يعتمد ما يشكل حداً أدنى من السياسات المطلوبة والمفيدة والمقبولة، في مجال العلاقات اللبنانية السورية، المعقدة والعسيرة، والتي لا يمكن الهروب من ضرورة معالجة تعقيداتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها