الأربعاء 2016/08/31

آخر تحديث: 21:21 (بيروت)

النفايات رأس الفساد والمحاصصة

الأربعاء 2016/08/31
النفايات رأس الفساد والمحاصصة
يواجه قوى التحرك تحدي بلورة الأولويات المطلبية (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
"السياسيون اختلفوا ولم يتفقوا على مطمر صحي، فاتفقوا على طمر البحر".

هذا التصريح الذي أدلى به رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، يكشف عن أبعاد القرار الحكومي الخطير بإقامة مطمري كوستابرافا وبرج حمود. قرار نسف بشحطة قلم، كل ما قيل طيلة نحو عامين، عن ضرورة إيجاد حل لمسألة النفايات، يراعي المعايير البيئية والصحية والمالية العامة.

قفزت الحكومة فوق العناوين- الحلول، التي اقترحتها الهيئات البيئية، ورفعها التحرك الشعبي الشبابي الذي طبع الصيف الماضي بطابعه، وتوج تحركه بتظاهرة 29 آب الشهيرة، التي قرعت ناقوس خطر لكل الطبقة السياسية، فسارعت للتوحد بشكل غير مسبوق بوجهه.

باختصار، ذهبت السلطة، التي تتميز بتواضع شديد في الكفاءة، ويجمع بين أطرافها التعامي عن رؤية البديهيات، إلى الفساد الذي تتقنه: محاصصة نفايات مقيتة، وبدأت ردم البحر بالنفايات. ما يتسبب بأكبر قدر من التلوث للشاطئ اللبناني وللمتوسط عموماً. تلوث يطال المياه والبيئة البحرية، ويطلق إنبعاثات من الغازات والروائح الكريهة التي تشكل خطراً عاماً على الصحة وحياة مئات الألوف القاطنين في هذه المناطق والعابرين أيضاً. ومع مطمر لا يبتعد إلاّ 170 متراً عن المدرج الرئيسي للمطار الدولي، باتت سلامة الملاحة الجوية أمام خطر مميت، على ما حذّرت نقابة الطيارين اللبنانيين.

بعد ذلك، تتفاجأ الحكومة، ووزيرها المكلف ملف النفايات، بالهبة الشعبية والسياسية ضد الخطر الداهم، ولا تتورع عن تهديد الناس، إمّا الرضوخ أو عودة تكدس جبال النفايات في شوارع بيروت والمدن والبلدات المحيطة.

اللبنانيون الذين هبّوا الصيف الماضي ضد سلطة لم تتورع عن طمر البلد بالنفايات، ذكّرت تظاهرتهم كحدث، غير مدفوع، صنعه الناس في 29 آب، بحدثين شعبيين، الأول تظاهرة الاتحاد الوطني للنقابات عام 74 قبل الحرب الأهلية دفاعاً عن الرغيف، والثاني تظاهرة المؤتمر النقابي الوطني عام 87 التي التقت على المتحف متحدية كل المليشيات آنذاك لتوجه رسالة رفض الحرب والخطوط الحمر وضرورة التلاقي.

تحرك العام الماضي، على خلفية كارثة النفايات، حفّزه الإنهيار، الذي كان بعد مضمراً، داخل 8 و14 آذار. تحرك كان خلاله المواطن المنتفض لكرامته، في وجه الإذلال الذي برعت به طبقة سياسية فاسدة، يريد شارعاً نظيفاً وهواءً نظيفاً، أي الحد الأدنى لإمكانية العيش بعيداً من الأوبئة، وبالعمق كان يطلق صرخة الحرية ورفض الإرتهان لـ"أصحاب" الطوائف، الذين لم تورعوا يوماً عن البحث عن المحاصصة في الزبالة. أكثر من ذلك، كان يطلق صرخة العدالة الاجتماعية ومقاومة نظام السطو على المال العام المحكم الأركان للمافيا الطائفية.

تحرك العام الماضي الشعبي والشبابي نجح في كسر ثنائية 8 و14 آذار، ولو مؤقتاً. أكد أن البلد ليس مطوباً لأهل الفساد والفاسدين، وأنه بالإمكان إطلاق معركة محاسبة كل من اتخذ من لقمة المواطن وصحته وكرامته، متراساً لإسترهان البلد وإذلال أهله. تحرك أحدث فرقعة غير مسبوقة، كشف المستور مبرزاً خطر إستمرار المؤسسات العامة معلقة، لا رقابة ولا محاسبة، وأكثرية الوزارات والمجالس والصناديق، هي مزارع للأطراف التي تحاصصت الدولة وجعلت المواطن ضحية تفشي فساد محمي بقوة السلاح. وهو تحرك كشف للملأ أن حكومة "المصلحة الوطنية" في حالة موت سريري، وكل جلساتها، عندما تنعقد، تبتعد عن الأساسيات التي تهم الناس، ولا تنتج إلاّ ما يخدم الفساد، ومنه ما هو مشرع بالقانون (مقدمة فذلكة الموازنة 2007).

تحرك الصيف الماضي، واجهته دون طائل وبشكل موحد، طبقة سياسية مرتهنة بشكل شبه عام للخارج، تجيد تحريك العصبيات، وتهوى ممارسة غطرسة أغنياء الحرب على الناس، هي إلى لجوئها لتنظيم إعتداءات ممنهجة على المتظاهرين، مستغلة أخطاء جُلّها مفتعل ومركب، لم تتوانَ عن محاولة رفع منسوب التهديد والتخويف الأمني. والأمن والإستقرار هما على الدوام إما ضحايا السلاح المتفلت غير الشرعي المعلوم وإما على كفّ "داعش" أو "نصرة" أصبح اسمها "فتح الشام".

كل ذلك، لم ينجح بضرورة توسيع التحرك، ليطال أكبر ملفات الفساد أي الكهرباء، ما كان سيتيح توسيعه كتحرك وحمايته من محاولات الإستغلال السياسي. وبالتالي، كان سيبلور عنواناً سياسياً، يحفز على إطلاق إئتلاف سياسي مدني مستقل، نقيض للتركيبة الطائفية التي تكاد تفرّط بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني، هذا مع العلم، أن وهج التحرك الشبابي الشعبي، ترك الكثير من البصمات الإيجابية على المعارك البلدية وحفّز خوض معارك إنتخابية، تخوضها كفاءات شبابية من أهل الإختصاص، رفعوا الإهتمام بالشأن العام إلى المرتبة العليا...وللمرة الأولى بتاريخ الانتخابات، تجاوز عشرات ألوف الناخبين التذمر، وصبوا عشرات ألوف الأصوات، لقوائم يجمع بينها الرغبة في التغيير ورفض كل أشكال الإئتلافات الطائفية لأهل السلطة.

كل هذه القوى التي وحّدها الهم العام، وهي الشاهد الآن على التحدي من جانب مافيا الحكم، وفي موضوع النفايات مرة ثانية، هي أمام التحدي، تحدي بلورة الأولويات المطلبية مع سقف سياسي واضح جامع، وتوجه مسوؤل يخاطب وجدان اللبنانيين لولوج مرحلة جديدة من الكفاح السلمي اللاعنفي، لفرض صوت الناس عنصراً فاعلاً في قانون الانتخاب المرتجى، والسعي للحوؤل دون تمديد ثالث لبرلمان غير شرعي، وفي خوض الانتخابات حجر الرحى الحقيقي في إعادة تكوين السلطة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب