الأربعاء 2016/08/17

آخر تحديث: 02:17 (بيروت)

النسبية: مدخل إلى الإستقرار

الأربعاء 2016/08/17
النسبية: مدخل إلى الإستقرار
القانون الانتخابي الأكثري إلغائي (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
"تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون جديد، على أساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك وصحة التمثيل لشتى فئات الشعب، وفعالية هذا التمثيل، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري".


هذا هو النص الدستوري، القاعدة، لأي انتخابات حقيقية، إذا ما أُريد الإستمرار في إعتماد وثيقة الوفاق الوطني أساساً لإتفاق الحكم الميثاقي والمساواة، بحيث تُحفظ صيغة التعددية في البلد. والمنطلق لكل ذلك وضع قانون جديد لتقسيمات إدارية، تنطلق من النص الدستوري، تفتح الباب أمام إزالة الغبن التمثيلي اللاحق باللبنانيين ولو بنسب مختلفة. فالمشترع أراد تحقيق هدفين أولهما الحفاظ على الشراكة بين كل الفئات والطوائف، وثانيهما ضمان صحة التمثيل لضمان إستعادة الإستقرار السياسي للبلاد.

منذ نهاية الحرب الأهلية، لم يُحكم البلد إلاّ من خارج الدستور، والتعاطي مع القانون العام يتم وفق قاعدة "لزوم ما لا يلزم"، والذروة اليوم في إزدراء القانون، والإصرار على تكريس أعراف ووقائع جديدة تتمثل مع بدعة "طاولة الحوار" في "السلة" المثلثة الأضلاع (رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الإنتخاب)، التي يرفع لواءها الرئيس نبيه بري. وكل الدورات الانتخابية الخمس التي جرت في 1992، 1996، 200، 2005 و2009، لم تتم وفق منطوق الدستور ونصه الصريح، بل وفق قانون الغلبة الذي أملاه حكم الوصاية السوري على البلاد والعباد. ما مسخ الحياة البرلمانية وشوهها، بداية، لحظة حدد القانون النتائج بنسبة لا تقل عن الثلثين، وبذلك باتت الانتخابات شكلاً من أشكال الإستفتاء كما في كل أنظمة الإستبداد. وثانياً في الممارسة، إذ إن السائد فراغ تشريعي، وتعسف في إقفال البرلمان، وخروج على الدستور والقانون، بابتداع مقولة أن تعطيل مجلس منتخب عن دوره عمل يقع في صلب الممارسة الديمقراطية (...). وهذا لم يمكن ممكناً تخيله لولا أن مجلس 128 نائباً، لا يختزله سبعة "أقوياء" طوّبت لهم الزعامة على الطوائف، فاختاروا للبنانيين ممثليهم، وبعضهم لم يتورع عن بيع هذا المقعد النيابي أو ذاك، والمثال الفج أن ثرياّ اشترى مقعداً له عن دائرة جزين في برلمان العام 2009، ومنذ ذلك التاريخ يتابع أعماله في أميركا، مستغلاً تسهيلات وفّرها له اللقب النيابي، ولم يعد إلى لبنان حتى كسائح.

الانتخابات البلدية شكلت الحدث، عندما التقط الناخب التحدي، واقترع بطرق مختلفة. ما فضح "حصرية" إحتكار مافيا السلطة التمثيل. صحيح أن الطبقة السياسية، منذ انتخابات 1992 حتى بلديات العام 2016، حافظت على أكثريتها فضمنت إستمرارية تحاصص البلد، المال العام والموارد والإدارة العامة والأمن والنفوذ، لكن كثافة الإقتراع الإحتجاجي، وذيول المعركة الانتخابية التي تتناسل في أكثر المناطق: عدد لافت من الإستقالات، وصراعات أهلية أوقعت ضحايا، قالت لمن يريد أن يسمع، إن هناك أزمة في طبيعة التمثيل، وإن رفض الأحزاب والتشكيلات الطائفية التقليدية وطرق إدارتها شؤون الناس إلى إتساع، وإن زمن إلغاء أقليات كبيرة (أحياناً تتجاوز نسبتها 45%) بات من الماضي. ولو أن النسبية كانت النظام المعتمد لشهدنا توازناً ضخ دماء جديدة وفّرت فعالية مختلفة في إدارة العمل البلدي.

تحت وطأة الإقتراع البلدي، كثيرون من أركان الطبقة السياسية جاهروا بأن صفحة قانون الانتخاب الأكثري، بما هو قانون إلغائي، قد طويت. وبرز قول للرئيس نبيه بري: "النسبية باتت تشكل النظام المناسب للجميع، ولا يجوز الإستمرار بالدوران في الحلقة المفرغة". ودون شك فإن بعض القيادات لاحظ أن البلد دخل حالة تحول، ولاسيما بعد الحراك المدني الذي طبع الصيف الماضي على خلفية السقوط المريع للسلطة في أزمة النفايات. وكان بارزاً للعيان، أن الشأن العام حرك جمهوراً عريضاً عابراً الطوائف، تميزت شعاراته بالعقلانية التي تعكس مزاجاً جديداً. على هذه الخلفية كانت التصريحات والمواقف، التي نعت قانون الستين، وكلها تحدثت عن ضرورة إدخال القانون النسبي، لكن النقاشات النيابية، ولاحقاً الحوارية، لم تظهر وجود جهة متمسكة بصدق، بإعتماد النسبية في الانتخابات النيابية، المفترض إتمامها في السنة المقبلة ما لم تدهمها فذلكة تأجيل ستوفر لها الطبقة السياسية الأعذار الواهية.

استناداً إلى تجربة ربع قرن بعد إقرار دستور الطائف، وأخذاً بالإعتبار الهريان التمثيلي من جهة وتجربة الانتخابات البلدية من جهة أخرى، لا مناص بعد من الذهاب إلى مستوى من التمثيل يعكس غنى التنوع اللبناني. تنوع في التمثيل، وحده ما يفتح الأبواب ولو نسبياً أمام الطاقات الجديدة، ويوفر الإمكانية لتنفيس إختناقات، راكمها إستثمار مافيا الحكم في الطائفية والمذهبية لتغطية المحاصصة والفساد. والمدخل الوحيد هو وضع حد لقانون الإلغاء الأكثري، قانون الستين، الذي أراده فؤاد شهاب لدورة انتخابية واحدة، فاستمر حتى اليوم يقدم أعطل البرلمانات ويضخم الأحقاد بين الناس.

في منطقة متفجرة تطحنها الزلازل، اختفت فيها الحدود، وتتلاحق الإشارات عن خرائط جديدة، لا أولوية يجب أن تتقدم على أولوية إستعادة الإستقرار وترسيخ الأمن. وما من معبر إلزامي لذلك، إلاّ بلوغ حد مقبول من العدالة في تمثيل مختلف فئات المجتمع ومكوناته. وبالتالي، فإن إعتماد نظام النسبية في التمثيل النيابي، هو ما ينبغي الضغط بكل الوسائل المدنية لبلوغه. مع الإشارة إلى أن جملة نقاشات بين أطراف المجتمع المدني، شددت على أنه من غير الجائز أن يستمر حصراً وضع قانون الانتخاب بين يدي مافيا الحكم.

اليوم، مع تحول الأحزاب والتيارات الطائفية إلى نوادٍ مغلقة غير قابلة للتطور، فإن الحركة المدنية مطالبة ببلورة تصور مزدوج تنظيمي وسياسي، يوفر النموذج المختلف للعمل السياسي، المدعو إلى إجهاض محاولات التطويع الآتية. إن مسيرة الألف ميل يجب أن تبدأ أولى خطواتها دون أي إبطاء، لكسر دوران أهل السلطة المفتعل في حلقة مفرغة، وإسقاط التواطؤ الذي يعمل لتمرير الوقت بحيث تكون النسبية هي الضحية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب