السبت 2016/08/27

آخر تحديث: 00:31 (بيروت)

الدستور ممر الإنقاذ

السبت 2016/08/27
الدستور ممر الإنقاذ
يتحدث نصرالله بلغة المنتصر متجاهلاً وجود مؤسسات دستورية (Getty)
increase حجم الخط decrease

أشرف آب اللهاب على الإنتهاء، ويطوى معه كل الرهانات التي عقدت منذ شهرين على نهاية أزمة الفراغ الرئاسي. رهانات أوحت في وقت من الأوقات، أن دخول الجنرال عون إلى القصر الجمهوري رئيساً، لا ينقصه إلاّ التئام جلسات الحوار الثلاثي. الرئيس نبيه بري يعرف أكثر من غيره أن لبنان بأزماته المتناسلة باقٍ في غرفة الإنتظار، ويعرف أن الإستحقاق الرئاسي إقليمي ولا قيمة للروايات المملة عن "الأقوياء في بيئتهم". ولأنه تيقن أن حصيلة كل النقاش، ثبّتت التباعد بالمواقف وعدم قدرة اطراف، مثل تيار المستقبل، على التسليم بـ"التفاهم"، الذي يحاول حزب الله كقوة أمر واقع، جعله من المسلمات عندما يحين وقت الإفراج عن رئاسة الجمهورية، بادر لترحيل جدول الأعمال الحواري إلى الخامس من  أيلول، مع توجيه الرسائل بأنه من دون الأخذ بـ"السلة" الثلاثية كما هي: التوافق على رئاسة الجمهورية، وعلى الحكومة الجديدة وعلى قانون الإنتخاب... فإن مزيداً من المخاطر الداهمة بالأفق.

الأمين العام لحزب الله، الذي أبرز إنزعاجه من عدم التسليم بالمنحى الذي يريد، تعامل مع الوضع من موقع المنتصر والساعي إلى إستثمار إنتصاره اليوم قبل الغد، فتجاهل الوقائع الصارخة، معتبراً أن الأوضاع  فوق الميدان في سوريا حُسمت لمحوره. هذا مع العلم أن أحداً من اللاعبين في سوريا، ومن أي اتجاه، لا يعيش زمن الإنتصارات، وما من جهة تعرف المدى الزمني الذاهبة إليه مأساة العصر في سوريا. هذا خصوصاً بعد التطورات النوعية شمال حلب إثر عملية "درع الفرات" المستمرة.

لذلك وجدناه يتحدث بلغة المنتصر متجاهلاً وجود مجلس نيابي وإن ممدد له، فسمى السيد نصرالله للبنانيين شريكه في "التفاهم" رئيساً. وثبّت الرئيس بري في موقعه. وترك الباب موارباً أمام عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، شرط ذلك أن تصب أصوات النواب السنة لمصلحة الموافقة المسبقة والمعلنة على مرشحه لرئاسة الجمهورية، بحيث تنتفي أي إمكانية للطعن مستقبلاً بميثاقية مرشح الأمين العام.

كل ما طرح من جانب قيادة الثنائي الشيعي، إنطلق من واقعة استمراء إدارة البلد من خارج الدستور ومندرجاته، أي إعادة تكريس كل الأداء السياسي الذي ساد مرحلة الوصاية السورية على لبنان، من خلال "طاولة حوار" تؤدي دورها كاملاً في تكريس إلغاء المؤسسات، وأساساً شطب الدستور وكل مفاعيل وثيقة الوفاق الوطني. ودون شك فإن مهندس الحوار غير المنتج وطنياً، نجح منذ إنطلاقة هذه البدعة، في العام 2006، بالتوقيت وبالمشاركين، بجعل هذه الطاولة بديلاً للهيئات المنتخبة، حتى في عهد الرئيس ميشال سليمان كان على الحكومات المتعاقبة إلتزام سقف التوافقات بين المتحاورين. ما حدّ من دور الحكومة، وهمّش دور المجلس النيابي. وفي مرحلة الفراغ الرئاسي منذ عامين ونصف تقريباً، يتم تكريس الترابط بين ثلاثية الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب. أي بعبارة أخرى، التنصل من الأولويات الدستورية، التي تقضي بالذهاب إلى البرلمان وانتخاب رئيس، إلى الإصرار على إثارة نقاش مسائل مازالت عالقة في إتفاق الطائف، أبرزها تحقيق مجلس للشيوخ بعد أول انتخابات خارج القيد الطائفي. ومعروف أن لرئيس الجمهورية مع الهيئات المنتخبة رأياً محورياً فيها.

وفي الوقت الضائع، من حياة اللبنانيين وحقوقهم ومصالحهم، وعلى خلفية التمديد لموظف أمني، تضع الجهة- الأداة، في إبقاء الشغور مقيماً في رئاسة الجمهورية، تضع البلد في جو إحتقان، خلفيته الحقيقية عدم تسليم الآخرين بإيصال العماد ميشال عون إلى بعبدا، فتذهب بمواقفها المتوترة طائفياً إلى الحد الأقصى، وتعلن مقاطعة جلسات الحكومة المتعثرة أصلاً وتهدد بالشارع. ولا يفوت المتابع أن في الخلفية سعي لتغطية قبوات نتائج الإنتخابات البلدية، بسماوات "حقوق" الطائفة (..)، وكذلك تغطية التصدعات اللافتة في بنيان التيار البرتقالي.

إنه المنحى الإنقلابي المتدحرج، منذ نجاح حزب الله في نهج تجويف الدولة وكسرها، من خلال جيشه الخاص، والمضي بإقامة مجتمع يعيش خارج القانون العام، منحى يهدف إلى تمكين حزب الله من الإمساك بكل مفاصل الدولة، ولاسيما الأمنية والمالية.

ووفق هذه الصورة فإنه ولو تم الإتيان بالرئيس سعد الحريري إلى السراي، لن يكون أكثر من منفذ لما يريده وليّ الجمهورية. ويصب هذا المخطط في صلب المصالح التي تعمل لها إيران سراً وعلانية: إستتباع لبنان، وفي المرحلة الراهنة حجز رئاسة الجمهورية بانتظار بلورة ما في الوضع في سوريا، فيتحول لبنان بتاريخه وحاضره، وبتأثير من حلفاء إيران والأصح أتباعها، إلى مجرد ورقة للإستخدام عندما يحين أوان المساومات الكبرى.

كل التطورات اللبنانية تؤكد أن تجاهل الدستور وعدم تطبيق القانون هما لب المأساة. وهذا ما قاد إلى حال من الإهتراء يعيشها البلد على مستوى مؤسساته. إهتراء ضرب حتى المؤسسات الرقابية. ما جعل لبنان في أعلى مراتب الفساد في العالم. وأبرز دليل هو وصف الرئيس تمام سلام حكومته بالأكثر فساداً، واعتباره الطبقة السياسية نفايات سياسية. وأهل الحكم، والكل شركاء ولو بنسب متفاوتة عما وصل إليه لبنان، يدركون أن لا مشكلة حقيقية في النص الدستوري. فالدستور يوفر مساحة لحلول حقيقية ومعالجات راسخة. فلا مشكلة في حقوق محددة لفئة أو طائفة، بقدر ما هو الغبن يطال سواد اللبنانيين نتيجة الأمر الواقع الذي أفضى إلى تعليق العمل بالدستور، والإستنسابية في تطبيق القانون العام، وأخضع البلاد للمحاصصة بين "الأقوياء" وحاصر المواطنين بالفساد الفالت على الغارب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب