الأربعاء 2016/08/03

آخر تحديث: 00:45 (بيروت)

حوار "اللويا جيرغا"

الأربعاء 2016/08/03
حوار "اللويا جيرغا"
كرة نار تحيط بالوضع المصرفي في ضوء القرارات الأميركية التي طالت "حزب الله" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

المؤكد أن هناك غالبية ساحقة بين اللبنانيين، لا يثير عندها ترف حوار عين التينة، إهتماماً إيجابياً. صحيح أن رقماً قياسياً تم تسجيله لجهة عدد جلسات الحوار، لكن الأصح أن تلك الجلسات كانت تعلن في كل مرة فشلها مسبقاً، بسبب المحظورات أو السقوف المنخفضة المتروكة للجهات المحلية الأكثر تأثيراً، رغم أن الصورة تبرز جهة واحدة على مسرح الحوار، تستأثر بالطرح والمبادرة والتسويق، يقابلها فريق سلبي، هو ما كان "14 أذار" أو ما بقي منه، والذي تخلى عن مبدأ المبادرة أو السعي لإجتراح رؤية من شأنها التصويب على الطريق المفضي إلى وقف الإنهيار العام على كل الصعد.

يضاف إلى ذلك هذه المرة، من أسباب الفشل، توقيت الحضور الإيراني في قلب المعادلة اللبنانية، من خلال زيارة المسؤول الإيراني علاء الدين بوروجردي ووصفه لبنان بأنه "قلعة المقاومة والممانعة".

"ثلاثية" حوار عين التينة الجديدة، لا تخرج عن هذا المنحى، رغم أن الرئيس نبيه بري، القائم عملياً مقام رئيس الجمهورية، استبقها بالتأكيد على الترابط بين ثلاثة عناوين: إنهاء الفراغ الرئاسي، التوافق على حكومة جديدة وعلى قانون جديد للانتخاب، مبرزاً حسنات ذهاب المتحاورين إلى "دوحة 2" لبنانية هذه المرة!

بمعنى آخر، إن كل طرح رئيس الهيئة التشريعية، يتمحور حول فكرة استمرار إدارة شوؤن البلد من خارج الدستور ومندرجاته، ومن خلال "طاولة حوار" تؤدي دورها كاملاً في تكريس إلغاء المؤسسات، وأساساً شطب الدستور وكل مفاعيل وثيقة الوفاق الوطني. ويخيّر الرئيس بري المتحاورين بين القبول بهذه "السلة"، أو نسبية كاملة مع دائرة واحدة، من شأنها أن تطيح بكثير من التوازنات وتركيبة السلطة القائمة.

هنا، يطرح السؤال نفسه عن الأبعاد الخطيرة لهذا المنحى، لأنه فيما تتحدث جهات دولية وإقليمية عن "طائف" ما، لمعالجة مستقبلية للوضع السوري وربما للوضع العراقي أيضاً، هناك من يدفع لبنان إلى "اللويا جيرغا" النموذج الأفغاني الذي وضع السلطة العليا بين أيدي زعماء القبائل المتناحرة، على حساب دور الجهات الدستورية المنتخبة. وقد تحولت "طاولة حوار" عين التينة إلى "لويا جيرغا" الشعوب اللبنانية، بما يعني واقعياً أن البلد يدار تحت مفاعيل مطلب "المؤتمر التأسيسي" الذي بات أمراً واقعاً، بدليل التمادي في نهج إنقلابي بدأ بعد حرب تموز 2006 والدوحة 2008، لكنه متواصل منذ 25 أيار 2014، تاريخ بدء الفراغ في رئاسة الجمهورية.

كل هذا الطرح الذي يتجاوز الدستور، وكل هذا التمادي في تأبيد أزمة الفراغ الرئاسي كدليل على هذا الإنتهاك الإنقلابي المتدرج، يستند إلى خلفية تروج متغيرات إقليمية، وبالأحرى مبالغات في قراءة أبعاد هذه المتغيرات في الميدان السوري وصنعاء. مع العلم أن أحداً من اللاعبين في سوريا ومن أي اتجاه، لا يعيش زمن إنتصارات حقيقي. فما يسجل يندرج تحت خانة النقاط المحدودة والمكاسب المتواضعة والخسائر المتعادلة، يريد منها المايسترو الحقيقي، الأميركي- الروسي، إفهام المتقاتلين أن كل ما يدور ينبغي أن يُوصل مقبولين إلى جنيف. وبالتالي، هذه المتغيرات لا يملك نتائجها والقدرة على توظيفها طرف لبناني، مشارك في الحرب على الشعب السوري دفاعاً عن الديكتاتورية، وخدمة لمخطط بسط النفوذ الإيراني. وإن كان هذا الطرف هو المحرك الأساس لطاولة الحوار وجدول أعمالها، فيما معظم الجالسين إلى الطاولة ليسوا شركاء في جداول الأعمال وأولويات البحث.

النتائج الحقيقية التي قد تفضي إليها "ثلاثية الحوار"، تكمن في التكريس في الأذهان الترابط بين ثلاثية الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب، إلى ما يعرفه الرئيس بري جيداً والمكلف به، وهو ما كان الأمين العام لـ"حزب الله"، بعدما تجاهل مؤخراً الإستحقاق الرئاسي، قد ركز عليه، زهو الدفع في اتجاه تفعيل جزئي لعمل الحكومة، وربما الذهاب إلى جلسة تشريعية تحت عنوان تشريع الضرورة، رغم التباين والإعتراضات.

ما تقدم يتأكد، أن الآمال التي عقدت على انتخاب قريب لرئيس للجمهورية، وما قيل عن أن الجلسة 43 فيمجلس النواب، في 8 آب، ستكون حاسمة قد طوي. فالرئاسة مازالت محجوزة، ويستحيل أن تفرج طهران عنها، قبل تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الوضع السوري.

وهنا تلتقي مصالح كل الأطراف على الحد من حال الإهتراء العام، على كل المستويات الاجتماعية والإقتصادية والمالية، حفاظاً على الستاتيكو الحكومي الراهن، وخوفاً من استحقاقات ثقيلة على الأمن والإستقرار العام، إلى كرة النار التي تحيط بالوضع المصرفي بضوء القرارات الأميركية التي طالت "حزب الله"، مع إلتهاب الوضع بقوة في سوريا، وتراجع الإهتمام العربي بالوضع اللبناني، إلى الغرق الأُوروبي في الهموم الأمنية الداهمة، وإنصراف العالم إلى ترقب نتائج السباق الرئاسي الأميركي.

اليوم، ومع وجود قناعة عامة في البلد، بما فيها لدى المشاركين في الحوار الماراتوني، من أن الدوران في الحلقة المقفلة مستمر، فإن السؤال المطروح على الجهات التي تعتبر نفسها أم الصبي، هو، لماذا إستسهال التصرف من خارج الدستور ومن خارج المؤسسات وإبتداع مؤسسات جديدة مثل طاولة الحوار؟ إن لب المأساة يكمن في أن كل فريق، دون استثناء، يرى أن له ملكية في الدولة- المزرعة، ويقاتل للحفاظ عليها ولزيادتها، فيما وحدها العودة إلى الدستور والكف عن التطبيق الإستنسابي للقانون، ما يحفظ ويصون كل مكونات البلد وليس "حقوق" خاطفي الطوائف ومسيلي حقوق أبنائها في حساباتهم الخاصة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب