الأربعاء 2016/08/10

آخر تحديث: 08:47 (بيروت)

عصفورية

الأربعاء 2016/08/10
عصفورية
المشكلة التي لم تقاربها "طاولة الحوار" هي وجود دولة ضمن الدولة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

"إننا اليوم في نصف عصفورية، وإذا لم ننتخب رئيساً فسنصبح، في نهاية السنة، في عصفورية كاملة".

لو لم يكن قائل هذا الكلام هو الرئيس نبيه بري، لما كان له أن يستوقف أي متابع لفصول الإنقلاب المتمادي على الدستور والقانون.

العصفورية هذه هناك من تسبب بها، وهناك  من يصر على إقناع اللبنانيين أنها قدرهم، ولا ضرورة لأي إحتجاج، وعليهم التكيف مع موجباتها. إنها، باختصار شديد، المأساة المتأتية عن حكم البلد من خارج الدستور ومن خارج موجبات إتفاقية الوفاق الوطني، الطائف.

جانبت "طاولة الحوار"، في عناوين جداول أعمالها، حتى مع عنوان "السياسة الدفاعية" في حينه، التطرق إلى الأساس، وهو النتائج المترتبة على قيام دولة داخل الدولة، وتبعات ذلك على المواطنين وعلاقات لبنان ومصالحه الحقيقية، عربياً وإقليمياً ودولياً.

"ثلاثية" عين التينة الحوارية، التي رمت إلى تكريس مرجعية "طاولة الحوار"، انتهت دون أي إنجاز فعلي، رغم محاولة الهروب إلى الأمام، بطرح إصلاحات الطائف الرئيسية والمعلقة منذ ربع قرن. ولم تكن مسألة الفراغ الرئاسي، وهي لُبّ الإنقلاب على الدستور، على جدول الأعمال الحقيقي للمتحاورين. وهذه القضية الجوهرية، وفق ما أُعلن، ليست مطروحة بشكل صريح وحقيقي على جلسة حوار الخامس من أيلول المقبل. يؤكد ذلك أن الرئيس بري الذي أخرج أرنب البحث عن استكمال تطبيق الدستور، عارضاً الإصلاحات التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني (مجلس الشيوخ وبرلمان خارج القيد الطائفي واللامركزية الإدارية)، قرر أن ينتظر أعضاء هيئة الحوار الوطني حتى الخامس من أيلول، لتزويده أسماء ممثليهم لإطلاق ورشة العمل الإصلاحية، ولم يعطِ أي أولوية لإنهاء الفراغ الرئاسي. لكنه، وهو رئيس البرلمان، ذهب بعيدا في إلغاء دور مجلس النواب الهيئة الإشتراعية.

صدقية السعي لإقرار الإصلاحات الدستورية تمر حكماً بالذهاب في المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية، لأن شاغل هذا المركز، أياً كان، هو رأس مؤسسة لها رأيها وكلمتها في ما يُطرح. وكل هذا الطرح والبحث، على أهميته، بدون وجود رئيس للبلاد سيؤدي إلى أمر وحيد هو تهميش كامل لمؤسسة رئاسة الجمهورية. وقد أثبت الفراغ الرئاسي أن وجود رأس لهذه الدولة هو عنوان الحفاظ على ما تبقى من أسس الدولة، وهو العبر لإستعادة المؤسسات دورها، واستعادة البلاد نصابها القانوني.

لقد جرى ربط الرئاسة بنتائج الصراع الإقليمي، وخصوصاً في سوريا، حيث اعتبرت معركة حلب الراهنة كونية! وهنا، خلافاً لأي قراءة واقعية لنتائج الإنغماس في الدم السوري، ورغم ما آلت إليه معركة حلب مؤخراً من إنكسار "حزب الله" وحلف "الممانعة"، ما زال  الحزب  يتصرف على أنه مرتاح للتطورات ويستطيع الإنتظار حتى جلاء الأمور في سوريا، ويمعن في ضرب دولة سيكون أكثر الأطراف حاجة إلى مظلتها الواقية.

قبل أربع سنوات بدأت المعركة حول مدينة متوسطة داريا، وإلى اليوم لم تحسم بعد. ما يعني أن تبيان إتجاهات الريح في سوريا ليست بمتناول أي جهة، لأن كل ما يجري، منذ أن فرض التدخل الروسي تعديلاً في الصراع، لا يتعدى التقدم أو التراجع بالنقاط، تحضيرا لوليمة جنيف، التي قد تتأخر إنطلاقتها إلى ما بعد الإستحقاق الرئاسي الأميركي.والمؤكد أن ساعة بدء البحث بالحل السياسي في سوريا ستأتي، وعندها مصير بشار الأسد ونظام حكمه، ستكون النقاط التي تحتل رأس جدول الأعمال، فماذا يبقى من الرهانات التي فخخت البلد وحولته إلى حقل تجارب والتي يعرف أصحابها، ويعرف معهم راعي الحوار، استحالة إدخال تغيير جوهري إلى المعادلة الداخلية بين مكونات البلد. وهنا بالضبط تكمن الكارثة إذ تلتئم "طاولة الحوار" وسط تجاهل مريب مؤلم لتمادي الإنهيار العام والكارثة التي تهدد الجميع.

فالمشكلة التي لم تقاربها "طاولة الحوار"، تكمن في وجود دولة ضمن الدولة، وجيش رديف يحول دون تطبيق الفباء الطائف وهو بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بواسطة قواها الذاتية، وممارسة سياسية تدفع البلد إلى العزلة الكاملة عن محيطه والعالم. وهذا ما يتجاهله حتى من يدعي أنه "أهل الصبي" ويعزف عن  مقاربته، لأن المقاربة تفترض شفافية ونزاهة والتصاقاً حقيقياً بهموم المواطن وهواجسه. الأمر غير المتوفر لدى أطراف الطبقة السياسية، التي لا تنفك تنتظر كلمة سر من الخارج.

في ترويجه مساعيه، قال الرئيس بري إنه في حال الإتفاق على قانون الإنتخاب نكون أزحنا هذا العبء عن كاهل رئيس الجمهورية، وفي حال عدم انتخاب الرئيس تؤجل كل الأمور ونذهب إلى قانون الستين. وما لم يذكره رئيس "طاولة الحوار" هو أن البلاد مهددة بولوج مرحلة الفراغ الشامل، فثلاثية آب الحوارية إنتهت إلى صفر لجهة العناوين التي طُرحت عليها. ما يرجح تمدد الفراغ بحيث يصبح التمديد الجديد والكارثي للبرلمان الحالي من المسلمات. تمديد يخجل اليوم أي طرف من تبريره وتسويقه، ولكنه ممكن جداً في ظل التعطيل واستسهال التمديد.

إنها العصفورية، وهي من صنع السياسيين مجتمعين، و"إكتشافها" من جانب الرئيس بري لا يمنحه صك براءة، وهو المتقدم في خطط إبقاء الدستور معلقاً، وتهميش المؤسسات الشرعية، وإحلال وتغطية مفاهيم وممارسات من "ع السكين يا بطيخ" إلى النصاب النيابي المفتقد دوماً. دون أن ننسى بدعة "الثلث المعطل" التي يراد لها تعويد الناس على استمرار البلد المقطوع الرأس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب