الخميس 2016/07/07

آخر تحديث: 10:59 (بيروت)

النفط: نهب بلا حياء

الخميس 2016/07/07
النفط: نهب بلا حياء
المؤسسات الدستورية لا الاتفاقات السياسية هي ضمانة الثروة الوطنية
increase حجم الخط decrease

شبه إجماع في البلد، على أن الثروة الموعودة من النفط والغاز، يجري وضعها على سكة نهب مفضوحة. ويوماً بعد يوم يخبو أمل المواطن بهذه الثروة.

إعلان الإتفاق بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل لم يراع في الشكل أي أصول دستورية أو قانونية، بل إنه صدر عن جهتين سياسيتين ليستا ذات صفة رسمية معنيّة بالملف، وتوقيت الاتفاق الذي تم بعد سنوات من الخلافات المستحكمة بين الجهتين، عزز لدى العموم وجود منحى الصفقات والمحاصصة. وهو الأمر الذي أخرج كثيرين من أهل السلطة عن ديبلوماسيتهم حيال بعضهم، فتخلوا عن تحفظهم وبادروا إلى رمي الإتفاق بنعوت تؤكد أن محاصصة عميقة بين فريقي الإتفاق يجري تظهيرها دونما أي إكتراث للآخرين. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجاوز السلطة المعنية، فقد سبق للرئيس بري أن زار قبرص للبحث مع السلطات هناك في تحديد المناطق الاقتصادية البحرية متخطياً الحكومة. وهو في أي حال المستفيد الأبرز من نهج التخلي الذي يمارسه رئيس الحكومة الحالي والقائم على مقولة اتفقوا ومجلس الوزراء ينفذ.

جولة سريعة على أبرز ردود الفعل السياسية، وكلها تقريباً مشككة بالاتفاق ومحذرة من صفقة، تكشف عن كمٍ من المخاوف على مصير الثروة الوطنية، وتؤكد تفاقم الشكوك لدى المواطنين، وتطرح العديد من علامات الاستفهام المشروعة. فالمواطن يريد إجابات واضحة دقيقة لا تقبل الاجتهاد أو التأويل، عن سبب تحريك هذا الملف في هذا التوقيت، وفي ظل هذه الحكومة بالذات التي وصفها رئيسها تمام سلام بأنها الأكثر فساداً بين الحكومات.

النائب وليد جنبلاط، الذي طالب بوضوح نفطي كامل، غرّد محذراً من "سد جنة نفطي". أما الوزير رشيد درباس صاحب مقولة حكومة النواطير، فقال: لم أعرف لماذا اختلفوا سابقاً ولماذا اتفقوا الآن، ولكن يبدو أن السلة تحولت إلى برميل". ونبه الوزير بطرس حرب من تغليب مصالح القوى النافذة على الاعتبارات الوطنية، ورأى أن "اتفاق أمل- الوطني الحر غير سليم في الشكل والمضمون". ورفض الوزير المستقيل آلان حكيم "الاتفاق الذي اختصر كل الأفرقاء" ووصفه بـ"اتفاق تقاسم النفط والسلطة". وإلى تنبيه أوساط سمير جعجع "من أي تلاعب" كي لا "يحصل كما حصل في النفايات والانترنت"، قالت الوزيرة أليس شبطيني أنه يكون فاتحة أمل "إن كان بعيداً عن المحاصصة".. لكن هناك من رحب وحفز، وأفضل من عبر عن ذلك، كان وزير "حزب الله" محمد فنيش، الساعي لوصل ما انقطع بين بري وميشال عون، رأى أن "اتفاق عين التينة النفطي يريّح لبنان".

المواطن الذي لا يخفي قلقه مما يُحاك، ويرى تغييباً كاملاً للشفافية، يريد أن تعود هذه الثروة على اللبنانيين بالخير والرفاه، وأن تفتح طاقة أمل وفرج أمام البلد. وبالتالي يرفض أن تكون هذه الثروة للسياسيين الذين تجمع بينهم صفقات الفساد والمحاصصة ووضع اليد على المال العام.

ويبقى الأساس، هو أنه أمام قضية إقتصادية بهذا الحجم، ورهان على استدراج شركاء دوليين لإنجاز اتفاقات البحث والتنقيب، فإن ما جرى ولو بالشكل ينفر الشركاء المتوقّعين، لأنه عندما يكون الاتفاق بالسياسة قد يتعطل بالسياسة. وكل ما جرى لا يمكن أن يطمئن الشركات الدولية التي يرغب لبنان في استدراجها. فضلاً عن أن البلد المقطوع الرأس منذ أكثر من عامين، ويسمح حكامه بإغراقه في النفايات طيلة ثمانية أشهر، لا يمكن أن يعطي طمأنة لجهات دولية للإستثمار والعمل فيه، خصوصاً أن هذا الاستثمار طويل الأمد.

اليوم، مع ضغط أهل المحاصصة لطرح الاتفاق الثنائي على مجلس الوزراء، رغم الصعوبات التي ترافق هذا المنحى لجهة تمكن الحكومة من السير بالاتفاق وفق مشيئة فريقي عين التينة، ومع استبعاد إمكانية التئام البرلمان في هذه المرحلة لتمريره، فإن المواطن وهو المتضرر الأكبر من الأزمة العامة وأعباء الدين المخيف، مدعو لليقظة والمواجهة، مدعو لليقظة للحفاظ على الثروة بوصفها ملكاً عاماً، ومدعو لمواجهة المشروع- الفضيحة، الذي وضعته هيئة البترول المكلفة، كما يبدو، تعجيل تسويق المحاصصة، التي يؤدي مشروعها بما تضمنه من مواد وصيغ لإجراء العقود، إلى تعطيل دور الدولة بالكامل، إذ لن يحصل لبنان معه إلا على النذر اليسير من وعود الثروة.

وقد كان الخبير النفطي الدكتور نقولا سركيس قد قرع ناقوس الخطر، محذراً من خطر اعتماد لبنان في الاتفاقات المستقبلية، مفهوم "تقاسم الأرباح" كبديل من "تقاسم الانتاج"، لأن في ذلك الغاء لدور الدولة المحوري في استثمار ثرواتها، كونه يمنح شركات التنقيب حق ملكية كل ما يتم اكتشافه.

إن قضية بهذه الأهمية لا يجب أن يبقى شأن البت فيها للطبقة السياسية الفاسدة، ولا لهذه الحكومة الأكثر فسادا وفق رئيسها. والتحدي اليوم ماثل أمام كل مواطن للقيام بدوره للحؤول دون بقاء مشروع نهب النفط على غاربه.

إن هذا الإسفاف في السلوك العام لأهل السلطة، يطرح بإلحاح أولوية العودة إلى المؤسسات الدستورية، لأنها تبقى أكثر ضمانة للبلد والمواطنين من مؤسسات هجينة يتم ابتكارها على الطلب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب