الخميس 2016/07/28

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

المؤتمر التأسيسي أمر واقع

الخميس 2016/07/28
المؤتمر التأسيسي أمر واقع
المواجهة السياسية للدولة داخل الدولة الطريق لإطلاق سراح الرئاسة الأولى (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

تسهيلاً لخطة مضمرة، وتبديداً لقلق المتوجسين، قال الرئيس نبيه بري إن خلوة آب الحوارية ستبحث في نقاط جدول أعمال طاولة الحوار ليس إلا، وإن الهدف هو البحث الجاد عن حلول تعالج الأزمات المستعصية. وكل ذلك تحت سقف الدستور واتفاق الطائف.

تتوج خلوة آب الحوارية أكثر من أربعين موعداً لجلسات انتخاب رئيس للجمهورية، جلسات واظب "حزب الله" ومن يدور في فلكه، ولاسيما التيار العوني، على إفقادها النصاب القانوني. فعاش البلد أزمة فراغ رئاسي منذ الخامس والعشرين من أيار 2014، وتمادت معها أكبر حالة إنقلابية، وإن كان قد سبقها بعض الحالات بعد العام 2005، التي ظلت محدودة الأبعاد، وأمكن التغلب عليها، بمساهمة خارجية. لكن التمادي بالفراغ الرئاسي، بما هو حالة إنقلابية، أدخل أنماطاً جديدة على الحياة السياسية، أُريد منها فرض واقع جديد، في ضوء التهويل المتواصل بأن الطائف والدستور والنظام السياسي أمور باتت من الماضي، ولم يعد من بديل من حالة الفراغ الإنقلابي، إلا الذهاب إلى "مؤتمر تأسيسي"، إلى "دوحة جديدة"، لإنجاز "سلة " حلول متكاملة.

اللافت والواضح، أنه على مدى أزمة الفراغ الرئاسي، يسود جو من الترهيب مع لجوء فريق التعطيل إلى رمي "إقتراحات" و"طروحات" تركز على الضغط لتبديل الأولويات الدستورية، بتجاوز مقصود لأزمة الفراغ الرئاسي إلى إثارة مسائل تتعارض مع إتفاق الطائف والدستور، وفحواها أن المدخل إلى حل أزمة الفراغ الرئاسي، يمر حتما بقانون انتخاب نسبي يعتمد مبدأ الدائرة الواحدة، والتوافق على طاولة الحوار مسبقاً، على الحكومة وشخصية رئيسها، وتتويج هذه "السلة" بالإتفاق على الشخص الذي سيدعى للإقامة في قصر بعبدا. وكل ذلك يتواصل على إيقاع الحرب في سوريا، وتحديداً على إيقاع المعركة في حلب، التي يصفونها بالكبرى ويبنون عليها المواعيد، لفرض تنازلات إلى حد الإستسلام في الموضوع الرئاسي.

الثابت أن كل إشارة إلى "المؤتمر التأسيسي"، باتت تثير لدى الفريق المناوئ لـ"حزب الله"، الخشية والخوف من أن تكون استكمالاً للحالة الإنقلابية الراهنة. إذ يتردد في كثير من المجالس الضيقة، طروحات من نوع، أن "حزب الله" العائد حتماً من سوريا، مع "فائض قوة"، يريد تكريس الثمن الذي يعكس أرجحيته المطلقة في السلطة، والثمن هو إستحداث منصب نائب رئيس للجمهورية، بما يغطي مطلب المثالثة المعروف، والذي يعود طرحه إلى أيام حرب تموز في العام 2006، والوقت المناسب هو الآن.

يُعاب على مناوئي فريق التعطيل، أن حقيبتهم فارغة. وهم على الدوام لم يطرحوا بدائل، فاكتفوا بالرفض مع السير بحوار هو أقرب إلى مضيعة للوقت، وإثارة للإحباط، فيما الوقائع الإنقلابية من هتك للدستور وإستنسابية في تطبيق القانون العام تتكرس على الأرض في طول البلاد وعرضها.

منذ حرب تموز، قبل عشر سنوات، مضى "حزب الله" في نهج تجويف الدولة وكسرها، من خلال جيش موازٍ، ومن خلال إعتماد نظام خاص به تم فرضه على كل مربعاته الأمنية التي راحت تتسع في كل إتجاه، ومن خلال إقامة مجتمع يعيش خارج القانون العام، مجتمع يحكم بالفتاوى ويدير شؤونه "باسيج" محلي، وما القرارات "الفتاوى" التي اعتمدتها بعض البلديات في الجنوب مؤخراً، إلاّ عينة بسيطة لجهة جعل المؤسسات العامة جزءاً من الإطار الذي يعتمده الحزب في مناطق هيمنته، على مرأى ومسمع الجهات والوزارات المعنية، وفي تحدٍّ سافر للقانون وموجباته.

ودون أدنى شك، شكل إتفاق "الدوحة" العلامة الفارقة في تعزيز دور "حزب الله" في السلطة. فالإتفاق المفروض، جاء من خارج الطائف ومن خارج الدستور. ما أرسى بدعة "الثلث المعطل" في مجلس الوزراء. وتمدد التعطيل إلى رئاسة الجمهورية عندما تقدمت محاولة إرساء سابقة وجوب "الإتفاق" المسبق على الإسم، الواجب البصم عليه من جانب المجلس النيابي. وواضح في ما يقترح، مسعى لتحويل المؤسسات الدستورية والتشريعية، إلى حالات فولكلورية لا وظيفة لها إلاّ أن تبصم على الإملاآت.

لتُقل الأمور كما هي: في لبنان اليوم "مرشد للجمهورية" يحدد في كل إطلالة الإطار والمنحى، ورئيس مجلس معطل يقوم مقام رئيس الجمهورية من خلال "طاولة الحوار" التي "أوكل" إليها رسم الحلول التي على الحكومة إعتمادها، ورئيس حكومة باتت صلاحياته الفعلية تقارب صلاحيات رئيس الحكومة في الشقيقة سوريا، ووزراء على الأعم الأغلب، حولوا وزاراتهم إلى إقطاعات لا دور فعلياً لها إلاّ تمويل أنشطة خاصة غير شرعية وتكريس نفوذ شعبي للجهة التي يمثلها هذا الوزير أو ذاك. ورغم هذا الواقع الذي يتم التعامي عنه وتمني الحلول وإنتظار المعجزات، لا أحد أو جهة، على إستعداد للإقرار به، ولن يأتي المؤتمر التأسيسي بأفدح منه. وحدها رؤية الواقع على حقيقته، تفضي إلى اعتماد المواجهة السياسية الحقيقية التي يتهرب الفريق المناوئ لـ"حزب الله" منها، مكتفياً بدوره في محاصصة المال العام وغير آبه حقيقة، كالفريق الآخر، من استمرار هذا النهج التدميري الذي يدفع البلد إلى الإنهيار.

إن الخلل ليس في الدستور، وهو لم يطبق إلاّ جزئياً، بل هو في وجود دولة داخل الدولة، وفرض ارتهان البلاد لتغوّل حكام طهران، الذين يحجزون البلد والرئاسة حتى تتوضح صورة الحل في سوريا، ومصير بشار الأسد على وجه التحديد. وبالتالي، تستحيل مقاربة أي حل حقيقي، قبل البدء بوضع مصير السلاح غير الشرعي على طاولة النقاش الوطني الجاد، لتعالج آذاك طاولة الحوار القضايا الحقيقية للبلد. وهذا يفتح الباب واسعاً على أمور عديدة تسببت في تعميم الفساد وتعريض البلاد ومصالح العباد لمخاطر داهمة.

إن إستمرار الرضوخ لموازين قوى مؤقتة، عابرة، مرشحة للتبدل في أي وقت، إرتباطاً بالتبدلات التي بدأت ترتسم في أفق المنطقة، وكذلك ارتباطاً بتوازنات داخلية متنوعة لم تكسرها تجارب مريرة سابقة، سيعمق الخلل الحاصل، وسيعمق الأزمة ويهدد البلد بالضياع. وإن الذهاب إلى المواجهة السياسية لجوهر المشكلة (الدولة داخل الدولة) بات الطريق الأسلم لإطلاق سراح الرئاسة الأولى، والإفراج عن المؤسسات. وتؤكد الوقائع أن لا أزمة حقوق حقيقية لأي من الطوائف، فيما لو اعتُمد فعلاً الدستور بكل مندرجاته، بل إن الأزمة التي تتناسل تعود لوطأة السلاح غير الشرعي المغطى، بهذه النسبة أو تلك، بالفساد والمحاصصة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب