الثلاثاء 2016/07/12

آخر تحديث: 10:26 (بيروت)

"السلطان" يقدم أوراق اعتماده

الثلاثاء 2016/07/12
"السلطان" يقدم أوراق اعتماده
يتعرف الأتراك كما شعوب المنطقة على الصورة الزئبقية للحاكم التركي (Getty)
increase حجم الخط decrease
جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته بعقد لقاء مع رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين، قبل نهاية الشهر الجاري، لأن مباحثات وزيري خارجية البلدين مطلع هذا الشهر، أكدت له ضرورة حدوث اللقاء للسير بخطوات التطبيع بين أنقرة وموسكو. رغبة "السلطان" أردوغان التي تلت الإعتذار من "القيصر" بوتين متجاوزاً تحدياته وضجيجه، تزامنت مع حدث بالغ الأهمية، هو رضوخ البنتاغون لإرادة البيت الأبيض، والموافقة على المقترح الروسي، ويقضي بالتعاون والتنسيق العسكري والاستخباراتي بين جيشي البلدين، ضد "النصرة"،  بعد فصل مجموعات معارضة كانت التحقت بها.


وتضمّن الجواب الأميركي نقاطاً عدة، أولها دعوة موسكو إلى الضغط على دمشق لوقف قصف مناطق محددة للمعارضة، تمهيداً لقيام مناطق آمنة وفك الحصار عن مناطق أخرى، كمقدمة لبدء البحث الجدي في عملية "الانتقال السياسي" في سوريا. أي بتعبير أدق، بدء رسم خريطة سياسية جديدة لسوريا بعد إنهاء حكم الاسد، المشروط بالتوافق على البديل.

يدرك الرئيس التركي، أن بلاده لا يجوز أن تبقى في قاعة الإنتظار، ويرى أنه رغم الفجوة بين واشنطن وموسكو المتعلقة بتوقيت رحيل الأسد، فإن العاصمتين تبادلتا أوراقاً عن "الإنتقال السياسي"، سواء لجهة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية أو آلية وضع دستور لسوريا الجديدة. ويعرف أيضاً، أن هدف موسكو من العمل العسكري والإستخباراتي المشترك هو عزل "جيش الفتح" وتفكيكه، ومحاصرة "النصرة" لإنهائها. وقد قال عنها الإعلامي السعودي جمال الخاشقجي قبل أيام: "ضرر النصرة أكبر من نفعها، وإن حاربت النظام بشراسة، فهي لا تصلح في الحرب على داعش ولا في بناء سوريا الجديدة".

تلاحق التطورات على المستوى السياسي، جاء بعد التغيير النسبي في موازين القوى على الأرض، وآخرها ما يدور شمال حلب، والهدنة- الخدعة، والمعارك حول طريق "الكاستيللو" الشريان الحيوي لإمداد قوى المعارضة، والتي يتردد أن الجانب الروسي حصرها في أضيق نطاق، مشدداً على التزامه أن لا معركة في حلب، بل الأولوية هي لإستئناف المفاوضات، وأنه لا عمل عسكرياً من جانب دمشق وأعوانها دون رضى القيادة الروسية. وبالتالي، فإن بروز تناقضات وعدم توافق بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، وفق ما أعلن البيت الأبيض، يبقى أمراً محدوداً أمام ما بلغته المشاورات السياسية، والإتفاق على بدء عمليات عسكرية مشتركة.

كل هذه المقدمات تؤكد أن موسكو التي انتزعت دوراً محورياً في الأزمة السورية،  ما كان تحقق لها إلاّ بالتوافق مع القوى الكبرى، ولاسيما مع القارة الأوروبية التي وجدت نفسها تعاني من الضغوط المتأتية عن أزمة النزوح، والتهديد الأمني، إلى مشاكل بنيوية داخل دول الاتحاد الأوروبي على خلفية استقبال النازحين. فقد وجدت أوروبا ضالتها في الدور الروسي، ومثلها واشنطن، مع تبدل في الأولويات الأميركية، ما وضع موسكو في دور يشبه دور ضابط الإيقاع، لأن الخروج الاميركي المباشر من الشرق الأوسط في اتجاه الشرق الاقصى وبحر الصين، أصبح حقيقة راسخة، مع التأكيد أن هذه السياسة لن تتغير مع إنتهاء ولاية أوباما مطلع العام 2017. فالمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، المتقدمة في السباق الرئاسي، كانت مهندسة هذا المنحى أثناء إدارتها الخارجية الاميركية، فيما لا يعرف عن منافسها دونالد ترامب سوى السعي لأخذ بلاده إلى العزلة.

مقابل ذلك، شهد الميدان السوري متغيرات لافتة، بدت مزعجة لطموح تركيا ودورها. فأنقرة التي قبلت على مضض تقدم قوات النظام السوري شمال غرب سوريا في جبل التركمان ومحيطه، وكانت تعتبر هذه المنطقة ذات الكثافة التركمانيّة، أشبه برأس جسر لها، هالها التوسع الكردي على طول الحدود التاريخية مع سوريا، والذي تمّ بغطاء دولي أميركي روسي. وأزعجها إعلان "الاتحاد الديموقراطي الكردي" النية لإقامة إقليم "روج آفا"، الذي تم وضع دستور له وتوجه لإعلان القامشلي عاصمة له. وأنقرة لا تخفي قلقها من العلاقات الوثيقة بين الأكرد في"روج آفا" والأكراد في تركيا بزعامة "حزب العمال الكردستاني".

تسارع التطورات في سوريا، وبالأخص ما يتعلق بالمسألة الكردية، أعقب تطورات سلبية في الداخل التركي، ومتغيرات شملت الإقليم. فتركيا أردوغان من سياسة "صفر مشاكل" وقعت في ما يشبه العزلة، بالأخص منذ إسقاط السوخوي الروسية. وموسكو جمّدت العلاقات الإقتصادية والتجارية والسياحية، ووضعتها أمام تحديات عسكرية من الأراضي السورية  ومن حدود أرمينيا ومن البحر. ما قلص الدور التركي في سوريا.  وأنقرة تعرف أن دورها تراجع في مجمل الاستراتيجية الأميركية. وهناك شبه تخلٍّ من جانب حلف الناتو. إضافة إلى إنكشاف صراعها مع دول الاتحاد الأوروربي وتحميلها المسوؤلية عن تدفق اللاجئين وسياسة قوارب الموت.

قابل ذلك، استمرار إيران بالتمدد وتوسيع حجم تدخلها الإستفزازي. فكانت خطوة أردوغان، بعد المصالحة مع نتنياهو، الإعتذار العلني لتلبية شروط الكرملين،  والتي يأمل منها فتح طريق سريع لتطبيع العلاقات، التي لن تعود سريعاً لسابق عهدها عندما كان حجم التبادل التجاري 30 مليار دولار سنوياً. وتريد تركيا أيضاً إلإقرار بدورها في الأزمة السورية، وأن تعود لاعباً مؤثراً، إذ ربما تشجع موقفاً روسياً مناسباً لها في المعالجة المستقبلية للمسألة الكردية، فيما أول وأبرز ما تريده موسكو، هو التعاون الأمني بمواجهة القوى التي تصنفها متطرفة. وتريد فعالية تركية في إقفال حدودها بوجه  إلإرهابيين وتجفيف مصادر تسليحهم وتمويلهم، لأن في ذلك بالتحديد إمكانية رسم أفق زمني لإنهاء الأزمة في سوريا. فتركيا ما قبل الإعتذار كانت متهمة بفتح الحدود لـ"داعش"، وتسويق نفطه وتأمين القسم الأهم من حاجاته التمويلية. وما بعده، هي مدعوة إلى لعب دور مغاير يوازي الاستدارة الكاملة للرئيس التركي.

من أزمة سفينة "مافي مرمرة"، إلى إسقاط "السوخوي"، عاشت المنطقة على وقع الصخب الذي أطلقه "السلطان" أردوغان. لكن مع وصول سفينة مساعدات تركية إلى الغزاويين، عبر ميناء أشدود الإسرائيلي، بات هذا الميناء وبإرادة تركية منفذ حركة  "حماس" الرئيسي إلى خارج القطاع. ولهذا كثير من الأبعاد المستقبليّة.

بعد الاستدارة في اتجاه الكرملين، وإعلان فتح قاعدة أنجرليك أمام الطيران الروسي، رغم التراجع اللاحق واعتبار الأمر زلّة لسان غير مقصودة، يتعرف الأتراك كما شعوب المنطقة على الصورة الزئبقية للحاكم التركي، الساعي إلى حفظ مكان الشخص قبل البلد، في منطقة تطحنها الحروب الأهلية، وتسعى أطراف لفرض خرائط جديدة عليها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب