الأربعاء 2016/08/24

آخر تحديث: 14:56 (بيروت)

"انتفاضة الخبز" 2016؟

الأربعاء 2016/08/24
increase حجم الخط decrease
في أحد خطاباته مؤخراً، أعرب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عن عزمه اتخاذ قرارات صعبة من شأنها إنقاذ البلاد من عثرتها الاقتصادية الحالية. وأحال إلى قرارات الدكتور عبدالمنعم القيسوني التقشفية، والتي انفجر الناس على أثرها في يناير 1977، في ما عرف بانتفاضة الخبز والتي أطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية! وتحت وطأة تلك الحركة واتساعها، تراجع السادات عن قرارات انسحاب الحكومة من دعم الكثير من السلع التموينية لتسبب ارتفاعاً مفاجئاً في أسعار تلك السلع. وذكر السيسي في خطابه تلك الواقعة، واتهم الحكومات المتعاقبة بالتخاذل حين تراجعت عن تلك القرارات أولاً، ثم لم تتحلّ بالشجاعة الكافية لتطبيقها مرة أخرى. وفي المقابل، يتحلى هو بالشجاعة والثقة في الدعم الشعبي الذي سيمكنه من تفعيل تلك القرارات المتأخرة، على حد تعبيره.

ما لا ينتبه إليه السيسي هو الاختلاف الذي حدث في التركيبة الاجتماعية للمجتمع المصري بين ما هو عليه الآن، وبين ما كان عليه وقت تطبيق قرارات القيسوني 1977 بالذات، في ما يتعلق بالطبقة الوسطى وتموضعها في علاقتها بالدولة. وتكمن أهمية الطبقة الوسطى على وجه الخصوص، في أنها هي التي تقوم بحفظ هيكل النظام ولو بشكل غير مباشر، فتموضعها يضمن لها مكاسب اقتصادية معقولة - لا تتسنّى للكادحين - تضمن للمنتمين إليها تحصيل مستويات معقولة من العيش. تلك المكاسب التي، بالطبع، لا تصل إلى تمكين أبناء تلك الطبقة من النفاذ إلى صناعة القرار، وإنما غالباً ما يتم استدعاؤهم لأداء مهام محددة.. كإنقاذ النظام من نفسه. ففي الأوقات التي تسبق الانفجار المجتمعي، تتحرك الطبقة الوسطى بشكل يبدو مستقلاً عن النظام، وفي اتجاه معاكس له. غير أن قلب تلك الحركة يكون لإنقاذ النظام من نفسه. إنه ذلك التحرك الإصلاحي الذي يسعى لإنقاذ النظام من لحظة تغيير راديكالي مقبلة، أو لحظة فاشية تحقق ذاتها بناء على فشل التحرك الإصلاحي والتغيير الراديكالي.

وهذا بشكل من الأشكال ما حدث في يناير 2011، وما زال يحدث حتى الآن. فأبناء الطبقة الوسطى، حين تحركوا في الشوارع وهتفوا "الشعب يريد إسقاط النظام"، لم يطرحوا إسقاط النظام إسقاطاً حقيقياً، بل أرادوا إصلاحات من شأنها إنجاز العدالة الاجتماعية بمفهومها الحقوقي وتوسيع مساحات الحريات والمشاركة السياسية. فأي نظام ذلك الذي يسقط بالهتاف؟! وحين قوبلت تلك الحركة الإصلاحية بتكلّس وعناد وكِبر قوى الماضي، سقطنا جميعاً في لحظة التدمير الذاتي الفاشية التي نشهدها الآن.

ما حدث بين منتصف السبعينات، والآن، هو تشكّل طبقة وسطى جديدة، بناء على تغّول السياسات النيوليبرالية في المجتمع. ففي منتصف السبعينات كانت الطبقة الوسطى لا تزال تتعلّق ببعض ملامحها الناصرية، فكان قوامها الأساسي الشباب من خريجي الجامعات الملتحقين بالعمل في الجهاز الحكومي بمختلف تخصصاتهم ومشاربهم، والذين كانوا يحظون برعاية الدولة الناصرية التي من ضمنها دعم السلع التموينية. إذ كانت الغالبية العظمى تقصد منافذ بيع الجمعيات التعاونية حتى صارت "طوابير الجمعية" مضرب الأمثال. ومع تغوّل سياسات الانفتاح الاقتصادي، انسحبت الدولة شيئاً فشيئاً من دعم المجتمع، واكتفت بأن يكون دورها هو "إتاحة" فرص الترقي الطبقي عن طريق القطاع الخاص. فأصبح عماد الطبقة الوسطى من كبارموظفي القطاع الخاص وصغار رجال الأعمال. وتخلت الدولة عن كل دور حتى عن دورها الرقابي، واكتفت بالوجود الأمني. أي أن دور الدولة في الاقتصاد تحول من "فتوة الحارة"، الذي كان يتكسّب من القيام بدور حماية الضعيف من القوي، إلى "بلطجي الحارة" الذي لا يلقي بالاً لأهل الحارة ولا عمل له سوى الجلوس على المقهى وتقاضي الإتاوات من الجميع.

هكذا، انحصرت علاقة الطبقة الوسطى بالدولة، في أن تدفع الطبقة الوسطى الإتاوة للدولة، على أن تأمن شرّها، وبالتالي تضاءل اعتماد الطبقة الوسطى على الخدمات التي توفرها الدولة بشكل يخلو من المضمون، سواء في التعليم أو في الصحة أو باقي تفاصيل الحياة اليومية. واختارت أن تتكبد عناء الإنفاق في سبيل الحصول على تلك الخدمات بجودة معقولة من القطاع الخاص.

في هذا السياق، فإن إعادة تكرار سيناريو 1977، يضع الطبقة الوسطى في ورطة. تلك الطبقة التي تعيش على الاستقرار، ولا تحب التغييرات الراديكالية، والتي كان تأييدها للسيسي، حتى وإن اكتفى ذلك التأييد بعدم المعارضة، منبعه أصلاً أن السيسي سيؤسس للاستقرار، وأن فاتورة الاستقرار تلك سيدفعها آخرون، سواء كان الآخر سياسياً أو اجتماعياً. أما الآن، ففاتورة الاستقرار المزعوم سيدفعها أبناء الطبقة الوسطى. فهل ستتسبب مثل تلك الإجراءات في أن ينفّذ أبناء الطبقة الوسطى تحركاً آخر لإنقاذ النظام من نفسه؟ أم سيقبلون بأن يدفعوا هُم فاتورة الاستقرار "المزعوم"؟ وإلى أي مدى؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب